الإفطار الإنجليزي.. كيف أصبحت هذه الوجبة "الدسمة" رمزًا لأمة وسببًا لبعض الانقسامات؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) --في عام 2012، أعاد فنان الطعام بول بيكر إعداد غلاف ألبوم "آبي رود" لفرقة البيتلز لكن بالطعام. فجون كان رجل البيض (المخفوق)، بينما بول النباتي فصُنع من الفطر الشهي. أما شارع "آبي رود" فطلاه بالفاصولياء المخبوزة، وبواسطة لحم الخنزير المقدد رسمت معالم سيارة من طراز "فولكس فاغن بيتل" راكنة على جانب الرصيف. وشكّلت قطع الخبز المحمّص الأبيض والبنّي معبر المشاة المحدّد.
يعكس عمل بيكر الفني الثقل الثقافي لوجبة الإفطار الإنجليزية الكاملة. ويتم التهام هذه الوجبة المكونة من لحم الخنزير المقدّد، والبيض، والنقانق، ومختلف المكونات المطبوخة الأخرى في مقاهي البلاد، وفي بعض أفخم الفنادق والمطاعم، لأنها تختصر الهوية البريطانية.
فما هو منشأ وجبة الإفطار الإنجليزية الكاملة؟ وكيف أصبحت رمزًا للبلاد؟
تطور وجبة الإفطار الإنجليزية الكاملة
تاريخيًا، كانت وجبات الإفطار الإنجليزية متواضعة. وقد اعتبر غزاة بريطانيا من الرومان أنّها الوجبة الأقل أهمية في اليوم. وكان الغزاة النورمانديون في العصور الوسطى يسعدون ببدء الصباح بتناول قطعة من الخبز ورشفة من البيرة الخفيفة.
صحيح أنّ اللحوم كانت أول ما تأكله أحيانًا، إلا أنّ القلي لم يبدأ حتى العصر الفيكتوري.
وكما كتبت كاوري أوكونور في كتابها "الإفطار الإنجليزي"، "لم تبرز وجبات الإفطار الكبيرة في الحياة الإنجليزية أو كتب الطبخ حتى القرن التاسع عشر، عندما صارت أكثر شيوعًا".
في منازل العقارات الريفية الفخمة، بدأت وجبات الإفطار البطيئة على طراز البوفيه بالظهور لأول مرة.
إلى جانب تجسيدها للثروة، كتبت أوكونور أنّ وجبة الإفطار الإنجليزية كانت بمثابة ردا وطنيا قويا على الفرنسيين المحبين للمقبلات: "لم يكن هناك من مثيل للإفطار الفرنسي.. لذا بات وقت الإفطار من اختصاص الإنجليز ثم بات الوجبة الوطنية".
وسرعان ما أدركت الطبقة الوسطى هذه الحقيقة، بتشجيع من الطاهية الشهيرة، إيزابيلا بيتون.
وفي عام 1861، نشرت بيتون مؤلفها "كتاب إدارة المنزل"، الذي تضمن وصفات لأطباق الإفطار التي تشمل "الخنزير المقلي والبيض.
وفي عام 1874، كتبت صحيفة "Edinburgh Evening News" عن "إفطار المزارع الإنجليزي"، الذي يتكوّن من شرائح لحم الخنزير المقدّد "المتبّلة بالشحم والموضوعة على شرائح سميكة من الخبز".
وكانت منشورات أخرى من تلك الحقبة تحمل إعلانات عن لحم الخنزير المقدد والنقانق.
ممّا يتكوّن الإفطار الإنجليزي الكامل؟
بالتزامن مع تراجع مكوّنات مختلفة (الأسماك، والمربى، والكِلى) تدريجيًا، تمت إضافة مكونات أخرى. في عام 1886، وصلت فاصولياء "هاينز" المعلّبة مع صلصة الطماطم، التي يعتبرها كثيرون الآن عنصرًا لا يتجزأ من الوجبة.
ويمكن تقدير الفروق الدقيقة العديدة للإفطار الإنجليزي الشامل بشكل أفضل من خلال النظر إلى نافذة أي مطعم يقدم هذه الوجبات الدسمة، حيث سترحب بك أصناف تشمل التالي:
- المجموعة 1: بيض، لحم خنزير مقدد، فاصوليا، سجق، خبز محمص، شاي أو قهوة
- المجموعة 2: بيض، طماطم، سجق، فطر، خبز محمص، شاي أو قهوة
- المجموعة 3: بيض، لحم خنزير مقدد، طماطم، سجق، فطر، خبز محمص، رقائق البطاطا، شاي أو قهوة
الأمر الأكثر إرباكًا هو أنه رغم تسميتها بالوجبة المقلية، إلا أن المكونات هذه الأيام ليست بالضرورة مقلية.
لدى كل بريطاني مكوناته المفضلة، وأفكاره الخاصة حول كيفية تحقيق كل مكون إمكاناته الكاملة.
ويمكن أن يكون البيض مقليًا، أو مسلوقًا، أو مخفوقًا. وباستطاعة لحم الخنزير المقدد أن يكون مدخنًا أو غير مدخن. ويمكن قلي الخبز أو تحميصه أو تركه كما هو.
الإفطار المقلي اليوم
على غرار غالبية الاختراعات الإنجليزية، لم تكن رحلة وجبة الإفطار المقلي سلسة دائمًا.
فرضت الحرب العالمية الثانية تقنيناً صارماً على الطعام، واستغرقت هذه الوجبة سنوات طويلة لتتعافى.
ومع ذلك، مع زيادة إنتاج مكونات مثل النقانق، والبيض، والخبز في خمسينيات القرن العشرين، أصبح الإفطار الإنجليزي هوساً وطنياً. وكان البريطانيون الذين يزورون المنتجعات السياحية الإسبانية في بينيدورم ومايوركا يطالبون بتقديم البيض ولحم الخنزير المقدد على الشاطئ.
وفي عام 1953، عندما اقتحم لصوص مدرسة ثانوية في غرب لندن، خصّصوا وقتاً لقلي بعض البيض وإعداد إبريق من الشاي.
رغم قول الكاتب المسرحي سومرست موغام ذات يوم: "لكي تأكل جيداً في إنجلترا، يجب أن تتناول الإفطار ثلاث مرات في اليوم"، إلا أنه في عصرنا الحالي الذي يتميّز بعصائر الكرنب ووجبات الشوفان، يواجه الإفطار الأيقوني مصيرًا جديداً.
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أنّ الشباب البريطانيين لا يتناولون وجبة الإفطار المقلية سوى مرتين أو ثلاث مرات سنوياً. وفي مجتمع شديد الاهتمام بالصحة (والوقت)، بدأ البعض يتساءل عمّا إذا كانت هذه الوجبة الإنجليزية في طريقها إلى الانقراض.