عمره 18 عاما..كيف أصبح هذا المراهق أصغر متسلق لأعلى قمم جبلية حول العالم؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تتحول أُذنا نيما رينجي شيربا إلى اللون الأسود نتيجة برودة الرياح، وهو خطر يتعرّض المتسلقون إليه عند تسلّق المرتفعات حيث يصعب التنفس، ويمكن أن يصبح الطقس قاتلا خلال لحظة واحدة.
هذا الشهر، أصبح نيما أصغر شخص يتسلّق أعلى 14 قمة في العالم، لكن المتسلق النيبالي البالغ من العمر 18 عامًا يستعد بالفعل لإنجازه الكبير التالي.
وفي حديثه إلى CNN عبر مكالمة فيديو، من العاصمة النيبالية كاتماندو، الأسبوع الماضي، صرح نيما أنه بصدد أخذ بضعة أسابيع من الراحة قبل الاستعداد لتسلّق ثامن أعلى جبل في العالم، أي جبل "ماناسلو"، برفقة المتسلّق الإيطالي سيمون مورو في الشتاء.
وقال المتسلق النيبالي: "هذا يعني أننا نتسلق جبلًا بارتفاع 8،000 متر في الشتاء... لا توجد حبال ثابتة، ولا يوجد أكسجين (إضافي) لنا، ولا يوجد دعم. لذا، الأمر أشبه بتحدي قدرة التحمل البشري"، مضيفًا: "لم يسبق أن حدث ذلك في تاريخ تسلّق الجبال".
في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، وصل نيما إلى قمة جبل "شيشابانغما" الذي يبلغ ارتفاعه 8027 متراً برفقة شريكه باسانج نوربو شيربا. وبالنسبة لنيما، كانت هذه هي القمة الأخيرة من سلسلة القمم الـ14 التي يعترف بها الاتحاد الدولي لتسلق الجبال بأنها ترتفع أكثر من 8،000 متر فوق مستوى سطح البحر.
ووصف نيما لحظة الوصول إلى القمة الأخيرة بأنها "فرحة خالصة"، لافتًا إلى أنه استمد الدافع من عائلته، التي تنضمن العديد من متسلقي الجبال المشهورين.
وقد تسلق والده، تاشي لاكبا شيربا، جبل إيفرست 9 مرات، وفي عمر الـ19 عاما أصبح أصغر شخص يصل إلى القمة بلا استخدام إسطوانات أكسجين. بينما أصبح عمه، مينجما شيربا، أول متسلّق من جنوب آسيا يقهر القمم الـ14 في عام 2011.
ليسوا مجرد طاقم للدعم
عاش أفراد مجموعة شيربا النيبالية العرقية في مرتفعات جبال الهيمالايا لأجيال، وقد عملوا لفترة طويلة كمرشدين وحمّالين، وكانت خبرتهم المحلية لا تقدر بثمن بالنسبة للأجانب الذين يحاولون تسلق الجبال في المنطقة.
وقد أصبح اسمهم مرادفًا لتسلق الجبال. وغالبًا ما يكون أفراد الشيربا بمثابة العمود الفقري لبعثات تسلّق الجبال الدولية، إذ أنهم من يحملون المعدات الثقيلة والإمدادات إلى الجبال، ويرشدون الناس إلى قمم عالية الارتفاع في خضم ظروف خطيرة.
مع ذلك، غالبًا لا يتلقون التقدير ذاته أو المكافآت المالية التي يحصل عليها نظراؤهم الأجانب.
ورغم إنجازه القياسي، لم تجذب رحلات التسلق التي خاضها نيما الرعاة الكبار، واعتمد على شركة "14 Peaks Expedition" التي يديرها والده لتمويله وتوفير الدعم اللوجستي.
وقال نيما:"يتحدث الجميع عن الشيربا وكأنهم أبطال خارقون، ولكن كم عدد أفراد الشيربا الذين نراهم كوجه لعلامة تجارية أو كرياضيين مدعومين؟ لا يوجد أي أحد منهم".
ويأمل نيما أن يُلهم أفراد الشيربا الشباب الآخرين لإثبات إمكاناتهم كرياضيين ومتسلقي جبال محترفين، وألا يُنظر إليهم فقط باعتبارهم موظفين مساعدين.
ويسعى أن يفتح إنجازه الأخير الباب أمام متسلقين نيباليين آخرين.
منطقة الموت
بدأ نيما رحلته الملحمية في سبتمبر/ أيلول عام 2022، عندما تسلّق لأول مرة جبل "ماناسلو" في نيبال الذي يبلغ ارتفاعه 8،163 مترًا. وعلى مدار العامين التاليين، تسلّق جميع قمم الـ14 بما في ذلك جبل إيفرست، أعلى جبل في العالم بارتفاع 8،849 مترًا، وجبل K2 الخطير للغاية بارتفاع 8،611 مترًا.
وقد صعد إلى قمتي إيفرست ولوتسي الذي يبلغ ارتفاعهما 8،516 مترًا، في اليوم ذاته، بفارق 10 ساعات فقط، وتسلق خمس قمم خلال أقل من خمسة أسابيع.
وأوضح المتسلق النيالي: "عندما تسلّقت إيفرست كان ذلك أثناء الليل، لذا لم يكن هناك أي منظر واضح من فوق الجبل. ولأننا اضطررنا لتسلق الجبل التالي، فقد كان الأمر سريعًا للغاية. التقطت بعض الصور ... ولكن في ذهني، كنت أفكر في الجبل التالي الذي سأتسلقه".
وشكلّت قمة "أنابورنا"، على ارتفاع 8،091 مترًا تجربة التسلّق المفضلة بالنسبة له، والتي صعدها بدون استخدام أكسجين معبأ في إسطوانات.
وقال نيما ضاحكًا: "بالنسبة لمراهق يبلغ من العمر 17 عامًا، فإن القيام بشيء من دون استخدام الأكسجين، لا يُنصح به عادةً"، مضيفًا: "كان أنابورنا هو المكان الذي شعرت فيه بالقوة حقًا ... لقد كان حقًا أحد أفضل الجبال وأجملها بالنسبة لي".
لكن يعترف المتسلق النيبالي أن الجبال "دائمًا ما تجد سببًا لإبقائك متواضعًا"، موضحًا: "بصرف النظر عن جمال الجبال، وبلوغ القمة، فإن هذه الرياضة ستبقى دائمًا خطيرة".
وقد علق نيما ورفيقه باسانغ في بعض الانهيارات الجليدية على جبل "أنابورنا". وأصيبت ذراعه قبل تسلّق جبل "شيشابانغما"، ولم يشرب ما يكفي من الماء، ما تركه يعاني من التشنجات. وأثناء تسلّق آخر 700 متر من نانغا باربات، الذي يبلغ ارتفاعه 8،126 مترًا، من دون حبال مثبتة، انزلق نيما على صخرة جليدية.
وقال المتسلق النيالي: "أول كلمة خرجت من فمي كانت اسم شريكي في التسلّق. كنت أعلم أنه سينقذني بطريقة ما، لذلك ناديته"، مضيفًا: "كنا معًا، يربطنا الحبل ذاته. لذا، عندما سقطت، سقط هو أيضًا، لكنه ألقى بفأس الجليد، ما ساعدنا على عدم الوقوع".
ووصف نيما الحياة فوق ارتفاع 8،000 متر بأنها "تتعلّق بمن يمكنه تحمّل أكبر قدر من المعاناة في ظل الظروف".
وعندما تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من 16 درجة مئوية تحت الصفر، وتهب الرياح بسرعة 100 كيلومتر في الساعة، فإن هذه هي اللحظة التي تتوقف فيها القدرات البدنية للمتسلق، وتتولى قوة تحمله النفسية زمام الأمور.