أحد أشهر الصادرات في إيطاليا..لماذا تواجه اللحوم المجففة مشكلة كبيرة؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في إيطاليا، لا يوجد ما يضاهي مذاق اللحم المقدّد "Prosciutto di Parma".
هذا الطعام الإيطالي، الذي يوّلد مبيعات سنوية تبلغ 1.6 مليار دولار، يحظى بتقدير الإيطاليين ويتمتع بالحماية، إذ أن اللحوم المجففة باستخدام أرجل الخنازير التي تمت تربيتها في إيطاليا، تُعتبر أصلية من قبل اتحاد لحم الخنزير بارما.
ويتدفق السياح بانتظام إلى المنطقة، المعروفة بمكونات شهية أخرى مثل خل البلسميك وجبن البارميزان، للاستمتاع بمذاق اللحم في موطنه الأصلي، ما يجلب المزيد من الدخل حيث ينضمون إلى الجولات الإرشادية لمنتجي لحم الخنزير.
مع ذلك، تواجه بلاد لحم الخنزير تهديدا بسبب المناخ الدافئ وانتشار الفيروسات التي تصيب الخنازير. وتتمثل النتيجة النهائية بأن لحم الخنزير بارما كما هو معروف أصبح من الصعب توفره على أطباق العشاء الدولية.
وعلى عكس العديد من صناعات معالجة اللحوم التي تعتمد على الآلات الثقيلة، فإن إنتاج هذه اللحوم المقددة متجذر في التاريخ والتقاليد.
وفي مصانع Slega prosciuttificio، الواقعة في بلدية لنغرانة بالقرب من مدينة بارما، يتذكر ستيفانو بورشيني أن والده علّمه طرق تجفيف لحم الخنزير التي تعود إلى العصر الروماني، عندما كان الملح المحلي يُستخدم لحفظ اللحوم.
وتُقطع الساق الخلفية للخنزير الإيطالي بعناية ثم يتم تمليحها بواسطة ملّاح، الذي يلقب بـmaestro salatore أو سيد الملح، ثم تُترك لمدة أسبوع تقريبًا في غرفة تبريد لبدء عملية يجب أن تستغرق 400 يوم على الأقل، ويمكن تجفيفها لمدة تصل إلى ثلاث سنوات للحصول على أفضل لحم خنزير بارما قديم.
ويتم تمليح لحم الخنزير مرتين، ثم يغلّف بالشحم وخليط من الملح، ثم يترك ليجف في غرف يتم التحكم في مناخها. وتُترك نوافذ غرفة التجفيف مفتوحة عندما يكون ذلك ممكنًا للسماح بدخول الهواء النقي المحلي.
وقال بورشيني: "أسس والدي هذه الشركة، وكانت أول وظيفة لي في المصنع تتمثل بضرب الذباب عندما كنت في السادسة من عمري".
ويتم تجفيف ما بين 40 ألف إلى 50 ألف ساق من لحم الخنزير التي تنتجها الشركة كل عام بالطريقة ذاتها، ويتم اختبار الجودة بإبرة مصنوعة من عظم الحصان. وتغرس الإبرة في لحم الخنزير بعدة أماكن ويتم سحبها للتحقق من الرائحة لضمان سلامة الغذاء.
وشرح بورشيني أن المراحل النهائية من عملية التجفيف يتم ضبطها بدقة من خلال فتح وإغلاق النوافذ للسماح بدخول الهواء النقي في الليالي الباردة، تمامًا كما علّمه والده.، مضيفًا: "اللحم، والملح، والوقت، والهواء هي كل ما يتطلبه الأمر".
وتجتذب هذه العملية، والمنتج بطبيعة الحال، مئات الآلاف من عشاق الطعام والزوار الفضوليين من جميع أنحاء العالم إلى المنطقة كل عام للقيام بجولات طعام.
وفي شوارع بارما والقرى الصغيرة مثل لانغيرانو، تتذوق مجموعات سياحية صغيرة الأطعمة، غالبًا مع المنتجات الشهية الأخرى في المنطقة بما في ذلك بارميجيانو ريجيانو (أو جبن البارميزان)، والخل البلسمي من مودينا، والنبيذ المحلي.
ولكن في الآونة الأخيرة، شكلت تهديدات مثل تغير المناخ من صنع الإنسان والأمراض، مثل حمى الخنازير الإفريقية، تحديًا لصناعة لحم الخنزير.
وقبل بضع سنوات كان على شركة بورشيني تركيب أنظمة تكييف الهواء في غرف التجفيف نظرا لأن الهواء لا يبرّد اللحم كما كان من قبل.
وأوضح بورشيني: "لم يعد لدينا ليالي باردة منعشة خلال الصيف كما كان الحال من قبل، لكننا نتمتع بالحظ لأننا نستطيع الاستمرار. لقد ارتفعت درجة الحرارة بمقدار درجة أو درجتين في الليل مقارنة بما كانت عليه قبل 15 عامًا، ما يعني أننا اضطررنا إلى التكيف مع الوضع الراهن".
وأثّرت حمى الخنازير الإفريقية، وهي مرض شديد العدوى يمكن أن يؤدي إلى نفوق الخنازير، على الإنتاج. ورغم أنه لا يشكل خطراً على البشر، إلا أن الفيروس يمكن أن ينتقل عن طريق البشر، بما في ذلك من خلال استهلاك اللحوم المصابة. وقد أدى ذلك إلى فرض ضوابط صارمة في إيطاليا وخارجها.
وأشار بورشيني إلى أن هناك انخفاضاً في أرجل لحم الخنزير بنحو 8%، وارتفاعاً حاداً في التكاليف، نتيجة لذلك.
وقد اضطرت نحو 12 مزرعة لإنتاج لحم الخنازير إلى الإغلاق في إيطاليا منذ تفشي الفيروس. وقد كانت آثار ذلك مدمرة بالنسبة للمنتجين الذين يعتمدون على الأسواق الدولية، حيث تحظر لوائح الاتحاد الأوروبي تصدير لحم الخنزير من المواقع المدرجة ضمن "المنطقة الحمراء" لحمى الخنازير.
وشرح ديفيد كالديروني، وهو رئيس جمعية "Assisca" لمنتجي اللحوم واللحوم المقددة في إيطاليا، أن صناعة لحم الخنزير الإيطالية، التي تشمل النقانق، والمرتديلا، والسلامي، تحقق إرادات سنوية تقارب 9 مليارات دولار. وكان من المفترض أن تبلغ الصادرات 2 مليار دولار إذا لم ينتشر الفيروس.
في العام الماضي، حظرت العديد من البلدان صادرات لحم الخنزير الإيطالية.
وقال كالديروني: "لقد أغلقت الصين، واليابان، وتايوان السوق تمامًا بسبب حمى الخنازير الإفريقية. وتعترف دول أخرى، على سبيل المثال كندا، والولايات المتحدة، والبرازيل، بالنظام الأوروبي مع حظر التقسيم الإقليمي اعتمادًا على مكان اكتشاف الفيروس".
وبحسب ما ذكره كالديروني، تمكنت إيطاليا من الحفاظ على صادرات لحم الخنزير إلى العديد من البلدان مع بعض القيود، قائلا: "نحن نحاول إقناعهم بالنظام والسلامة وصحة الحيوان في منتجاتنا".
ولكن في بارما، لا يوجد أي ضرورة لإقناعهم، إذ يتدفق عدد ثابت من سياح الطعام إلى داخل وخارج محلات الأطعمة الجاهزة وصالات العرض للاستمتاع بالطعام الشهي القديم، ربما لا يدركون التحديات الكامنة وراء إنتاج كل ساق لحم خنزير، ولكنهم يشعرون بالامتنان على ما يبدو لهذه التجربة.