هل "قام" المسيح حقاً من الموت؟
كاتب المقال: جاي باريني، هو شاعر وروائي ويعمل مدرساً في كلية "Middlebury"، أحدث مطبوعاته "Jesus: The Human Face of God" أي "المسيح: الوجه البشري للرب"، يسرد فيها قصة حياة المسيح (الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN)
إن عيد الفصح أقبل ومليارات المسيحيين يوجهون صلواتهم إلى القدس لعطلة نهاية أسبوع مقدسة تستذكر صلب المسيح وقيامه، وبالطبع هنالك أشخاص يتبعون هذه الأحداث حرفياً، لكن عيد الفصح يحتفظ بقوته.
إنه في الواقع العيد الأساسي لدى المسيحيين إذ يركز الإنجيل بشكل كبير على قصة المسيح، وتقوم بسرد التفاصيل بالحركة البطيئة منذ دخول المسيح إلى القدس وصولاً إلى اليوم الذي صلب فيه في جمعة الآلام، والصمت غير محدد المصير خلال سبت النور الذي سبقه ظلام حل العالم، ومن ثم الفرحة بقيام المسيح من الموت، التي تحوي في إطارها إحساساً بكسر القيود والحواجز، وبشكل أخص الغشاء الذي يفصل بين الموت والحياة.
هنالك أسئلة ترتبت على ذلك، بالطبع، هل قام المسيح فهلاً من الموت؟ وكيف كان الوضع ليبدو لمن عاصر ذلك المشهد؟ الكثير من المسيحيين يتخيلون عملية قيام المسيح حرفياً من الموت، ويرفضون وبأي حال من الأحوال اعتبار عملية "القيام" كرمز دون أن يشكل ذلك إساءة للفكرة-- جاي باريني.
وفعلاً إن قمتم بتفحص تفسير الإنجيل عن كثب، فستلاحظون أنه ليس من السهل الحكم بما حدث فعلاً فالكتب المقدسة الأربعة تتجاوز ذكر عملية "القيام" أي لا تذكر بأن المسيح قد قام من الموت -- جاي باريني، أول تغيير مذكور يتحدث عن زيارة عدد من النسوة لقبره ذلك الصباح، مع وجود اختلافات عن هوية من أتوا في تلك الزيارة، فيما لو مريم المجدلية، وهي صديقة مقربة من المسيح زارت القبر لوحدها، أم أتت معها مريم العذراء، والدة المسيح، وفيما لو رافقتهما سالومة (التي يعتقد بأنها كانت شقيقة مريم العذراء أو والدة القديسين يوحنا ويعقوب).
ففي إنجيل يوحنا يذكر بأن مريم المجدلية زارت قبر المسيح وحدها، وأنها رأت الحجر الموضوع على قبر المسيح مرفوعاً، ومن رعبها هرعت إلى تلاميذ المسيح لتخبرهم عن ذلك، ليكتشفوا بأن القبر فارغ وظنوا لأن أحدهم سرق الجثة، لكن مريم المجدلية تظل وحدها عند القبر تبكي بهدوء.
بعد فترة من بكائها تسير مريم المجدلية نحو قبر المسيح، حيث ترى ملاكين بثياب بيض يتحدثان إليها، ثم يأتي يظهر طيف غامض بالقرب منها يسألها عن سبب بكائها، تظن أنه "البستاني"، لكنها تميز الصوت دون تمييز وجهه عندما يناديها باسمها وتصرخ قائلة: " رَبُّونِي." أي "يا معلم" باللغة الآرامية.
أما ملامح المسيح بعد القيام تتغير بشكل واسع، وفي معظم الأحيان لا يمكن لمن رآه تمييزه، وفي رواية "الطريق إلى عمواس" حيث يظهر المسيح بالقرب من اثنين من أتباعه، اللذين لا يبدو عليهما بأنهما تمكنا من التعرف عليه، وهذا يوحي بأن المسيح لم يعاود الظهور بشكل مألوف، حتى عندما جلس معهم في العشاء الأخير لم يتمكن أحد من تمييزه حتى بدأ بالصلاة على الخبز قبل البدء في الأكل عندها يتمكنون من معرفته لكنه يختفي فوراً-- بووف.
وحتى تلاميذ المسيح المقربون لم يتمكنوا من معرفة هويته عندما رأوه، إذ يذكر إنجيل يوحنا بأنه يظهر في بحيرة طبريا أمام تلاميذه بيتر وتوماس وناثانييل بالإضافة إلى تلميذين آخرين، وكيف تطلب من بيتر، من بين الجميع وقتاً طويلاً لتحديد هوية الشخص الذي ظهر على الشاطئ لينصح بأفضل المناطق لصيد السمك.
وهنالك ملخص عن الملامح الأخرى للمسيح في مرحلة بعد القيام ذكرت في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (15: 5-8):
" وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ.وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا -- رسالة بولوس الأولى."
رسالة بولس هذه هي أحد أقدم الأمثلة على الأدب المسيحي، والتي كتبت 20 عاماً بعد موت المسيح، وتمدنا بفكرة عن القصص التي كان الناس حينها يسردونها عن المسيح، أما الظهور الأخير للمسيح فيبدو بسيطاً، ففي "الطريق إلى دمشق" يسمع بولس صوتاً من الرب، قال فيه: " أنا يسوع الذي أنت تضطهده " (أعمال: 5:9)، لكن عندما يفتح بولس عينيه لا يرى شيئاً.
هذه الحوادث التي وقعت بعد الفصح تشير إلى أن العديد من الشائعات انتشرت حول "قيام" المسيح، وتعكس الأناجيل الأربعة هذه الروايات المتباينة، والتغير الكبير في خصائص المسيح الجسدية بعد القيام بشكل كبير، وفي إحدى الحالات طلب المسيح من توماس الذي عرفه بشكه بأن يلمس الجرح في جانب جسده ليتأكد من وجوده هنالك فعلاً، وفي روايات أخرى يمر المسيح عبر الأبواب المقفلة مثل الأشباح، وهي صورة غير محببة.
وفي إنجيل لوقا يذهل المسيح تلاميذه عندما يبتلع قطعة من "السمك المشوي" بالإضافة إلى العسل، وبالأغلب تتخذ أشكاله جودة تضاهي الأحلام، وذلك على أساس تمثل بأن المسيح لم يرغب لأي أحد الاعتقاد بأن ما حصل له وقع في مكان وزمان عاديين، إذ لم يقم ببساطة مثل لازاروس (الذي بعثه المسيح من بين الأموات) وأكمل حياته الطبيعية بين الناس بعد أن أوشكت عائلته على دفنه، إنها عملية "قيامة من الموت" وليست عملية "إنعاش عظيمة".
لكن التفكير المسيحي يتمحور حول "القيامة والبعث من الموت"، وإعادة الولادة والعودة بالعديد من الأشكال، وعن التحول الروحي والأخلاقي، وهذه بالطبع أنباء سارة لعيد الفصح المجيد.