ارتفاع البطالة.. عائق يُكبّل تونس ويعيدها إلى عهد ما قبل الثورة

نشر
7 دقائق قراءة
Credit: SOFIENE HAMDAOUI/AFP/Getty Images

منية غانمي، تونس (CNN)-- بعد خمس سنوات من الثورة، تعود مشكلة البطالة في تونس الى الواجهة من جديد، هذا الملف الذي بات يشكل من ناحية هاجسا يؤرق النظام الحالي وحجر عثرة يهدد استقراره خاصة بعد عجزه عن توفير فرص عمل أمام تنامي مطلبية التشغيل، أصبح من ناحية أخرى بمثابة شبح يخيم على مستقبل الشباب التونسي ويستنزف طاقاته وينهك كاهله.

محتوى إعلاني

في 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010 أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده بسبب أوضاعه الاجتماعية الصعبة، فاشتعل وأشعل معه انتفاضة غضب واحتجاجات على البطالة في بلده، انتهت بالإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي. وبعد خمس سنوات انتحر رضا اليحياوي شاب آخر عاطل بعد شعوره بالبؤس وفقدان الأمل في العثورعلى وظيفة مفجرا موجة احتجاجات كبيرة اتسعت رقعتها بسرعة لتشمل أرجاء البلاد لكن سرعان ما تم احتوائها من طرف الحكومة.

محتوى إعلاني

الصورتان تتشابهان والأسباب واحدة، البطالة هذه المشكلة التي مازالت عصية على الحل في تونس رغم مرور خمس أعوام على الثورة جعلت سخط الشباب وغضبه يتزايد بشكل مستمر بشكل أصبح ينبىء بانفجار اجتماعي وشيك وبفوضى جديدة قد لا تستطيع السلطة التي تراجعت ثقة الناس فيها كبح جماحها خصوصا إذا ما طال زمن الأزمة وحجمها.

محرز الطاهري، حاصل على الإجازة في اللغة الفرنسية منذ 6 سنوات عبر عن أسفه لتراجع فرص التوظيف بشكل أسوأ في بلاده عما كانت عليه قبل الثورة:"خرجنا للشارع قبل 5 سنوات وأطحنا بالنظام وكان كل أملنا التخلص من مأساة البطالة و الحصول على عمل، كنا لا نريد أن نبقى عالة على أسرتنا أوعلى المجتمع، لكن ها نحن نخرج للشارع من جديد ولأجل نفس المطالب، ببساطة لأن كل حكومات ما بعد الثورة لم تقدر تضحياتنا وتجاهلتنا و كل مرة تتحفنا بوعود وحلول أشبه بمسكنات".

ويأمل الطاهري خلال حديثه لـCNN بالعربية، أن تكون حادثة الاحتجاجات الأخيرة حافزا لإيقاظ أصحاب القرار من أجل "إعادة النظر في السياسة  التشغيلية التي أثبتت فشلها والاهتمام أكثر بقضية المعطلين عن العمل وعدم تجاهلهم"، مضيفا أن الشباب "هم الطاقة والأمل في بناء المستقبل، لكن عندما تغفل الدولة عن هذه الفئة يصبحون هم الطاقة التي ستحرق المستقبل".

وارتفع معدل البطالة في تونس إلى 15.3 بالمئة في عام 2015 مقارنة مع 12 بالمئة في 2010 ، لكنها ترتفع أكثر في صفوف الشباب الحاصل على الشهادات الجامعية لتصل إلى حدود 30 بالمائة ، كما في الجهات الداخلية حيث تصل إلى 28.6 في جهات الوسط الغربي، وإلى 29.6 بالمئة في الجنوب الغربي، وإلى 24.8 بالمئة في الجنوب الشرقي.

وفي إطار رحلة البحث عن وظيفة أكدت بثينة بلغيث إحدى المجازات في شعبة التصرف في المؤسسات، إنها اتصلت بجميع مكاتب التشغيل خلال السنوات الماضية، وقدمت الكثير من الطلبات للحصول على وظيفة غير أن النتائج دائما ما تكون سلبية، مشيرة الى أن ندرة فرص الشغل المتاحة في البلاد وتنامي ظاهرة الوساطة في هذا المجال صعبّت من مهمة الحصول على عمل خاصة بالنسبة لحاملي الشهائد العليا.

وفي هذا السياق، عزا الخبير الاقتصادي معز الجودي أزمة البطالة خاصة إلى عدم الانسجام بين المنظومة التعليمية والتكوينية مع حاجيات سوق الشغل، إضافة إلى عجز المنوال الاقتصادي القديم عن خلق الثروة وامتصاص البطالة، مرجعا ذلك إلى التوترات الأمنية والتجاذب السياسي وغياب قانون جديد للاستثمار يشجع على استقطاب الاستثمار ودفع التشغيل.

وخلص الخبير الاقتصادي إلى أن خفض معدل البطالة يتطلب خلق استثمارات لها طاقة تشغيلية عالية، مضيفا أن ذلك يكون من خلال تحقيق الاستقرار وبعث المشاريع الكبرى في البنى التحتية وجذب الاستثمار ومنح الحوافز للاستثمار وإجراء إصلاحات شاملة، لا سيما في ما يتعلق بمنظومة التعليم، خاصة في وقت تشهد فيه البلاد غياب الاستقرار السياسي رغم تعاقب عديد الحكومات بعد الثورة.

وفشلت كل الحكومات المتعاقبة منذ الثورة في استنباط حلول لمعضلة البطالة وفي تقديم برامج تعيد الأمل للعاطلين، في وقت تواجه فيه الدولة صعوبات مالية خاصة وأن عجز الميزانية فاق 4%، وتعاني أزمة اقتصادية حيث قاربت نسبة النمو العام الماضي الصفر بالمائة بسبب تراجع إيرادات أغلب الأنشطة الاقتصادية خاصة السياحة.

وفي ظل هذا الواقع دفع طول أمد البطالة وما نتج عنه من تدني في مستوى المعيشة وارتفاع في مستوى الإحباط واليأس والفقر، بعض الشباب خاصة المتعلمين إلى العديد من الظواهر الخطيرة ومنها الانتحار والهجرة غير شرعية، إضافة إلى الانخراط في الشبكات الإجرامية والإرهابية فضلا عن الاتجار بالمخدرات والتهريب.

واعتبر طارق بلحاج محمد باحث في علم الاجتماع وأستاذ بالجامعة التونسية، أن الإحساس بالقهر والغبن هو الدافع والمحرك الأساسي لجل هذه الظواهر الاجتماعية، مشيرا إلى أن ذلك هو نتاج عن فقدان الأمل في الحاضر والمستقبل والإحساس بأبدية الأزمة الراهنة و إلى تراجع مكانة التعليم في الحراك الاجتماعي  وغياب المواقف والخطابات المطمئنة وعجز المجتمع السياسي بأحزابه وهياكله والمجتمع المدني بجمعياته وهيئاته ونقاباته عن احتضان خيرة الشباب وتبني مشاغلهم بعيداً عن الشعارات والمزايدات.

وفي هذا الجانب يعلّق بلحاج محمد أثناء تصريحه لـCNN بالعربية متسائلا "حين يلاحقنا ويلاحق هذا الشباب الحالم والمتعلم والحامل لدرجات تعليمية محترمة الماضي بالتضحيات الجسيمة التي قدمها أملاً في العيش الكريم، وحين يقهرنا الحاضر عبر الإحساس بالعجز وقلة الحيلة بشكل يفقدنا احترامنا لذاواتنا واحترام الآخرين لنا، وحين يكون المستقبل مظلماً في عيوننا نظراً لعدم وجود بوادر انفراج للوضع القائم، فهل تبقى لنا من خيارات كبرى لانجازها في الحياة ؟"

نشر
محتوى إعلاني