رأي: هل تعدد معتقداتنا يجعلنا أعداء؟
هذا المقال بقلم د. جواد مبروكي، طبيب نفساني مغربي، وهو يعبّر عن رأي الكاتب، وليس شبكة CNN
غدا قد تقرؤون في جميع الصحف "تنفسوا الهواء وإلا سوف تموتون، من المهم أن تتنفسوا ويجب أن لا تتوقفوا أبدا عن التنفس." ويلح المنشطون في الإذاعة والتلفزيون، على أهمية التنفس، ثم تتضاعف المؤتمرات، والندوات والموائد المستديرة، وينظم الوزراء والحكومات اجتماعات القمة، وكلهم يناقشون ويتشاورون حول أهمية التنفس والوسائل الكفيلة بضمانه حتى لا يتوقف التنفس حذر الموت.
ألا يذهب بكم التفكير إلى أن هذا مجرد هلوسة؟ ثم ستدركون أن هذا هو الواقع. في ماذا ستفكرون؟ إنكم لن تفهموا شيئا. ستحدثون أنفسكم قائلين: إن هذا من الحماقة والسخف أن تولى كل هذه الأهمية لمسألة غريزية بحتة. نحن لا نعلّم الوليد أبدا كيف يجب أن يتنفس. يتنفس الإنسان غريزيا، يتنفس عند وفوده على هذا العالم. نعلم جميعا أن الهواء حيوي لنا، ولا نبذل أي جهد لنتنفس، بل التنفس وظيفة غريزية تلقائية وهبها الله لنا، مثلما وهبها للحيوانات.
لماذا إذا كل هذه التظاهرات، هذه اللقاءات، ووسائل الإعلام هذه التي تولي فجأة كل الأهمية لهذه الوظيفة الطبيعية والفطرية؟؟؟
قد لا تتمكنون من مسايرتي وتتساءلون إلى أين يريد الوصول. إنكم على صواب.
حسنا، إن هذا ما يحدث لي بالضبط عندما تناقش الصحافة موضوع التعايش بين الأديان في الاجتماعات (الوطنية والدولية)، والندوات، والتظاهرات من جميع الأنواع.
أنا أيضا تائه، ولا أفهم لماذا نولي كل هذه الأهمية لمسألة مثل "التنفس" الذي يبدو لي غريزيا تماما وضروريا لبقاء البشرية. لماذا علينا أن نبذل الجهد لنتعايش ونحن أصلا نعيش مع بعضنا؟ لماذا يجب بذل الجهد للتنفس ونحن نتنفس بالفعل؟
هل يجب أن يتنفس الأوروبي بشكل مختلف عن الإفريقي؟ هل عليهما بذل الجهد للتنفس معا؟
هل المسلمون والمسيحيون واليهود والبوذيون والبهائيون عليهم أن يبذلوا الجهود من أجل التعايش؟ ولكن لماذا هذه الجهود؟ إنهم أصلا هناك، إنهم موجودون بالفعل، إنهم يتنفسون نفس الهواء، ويستدفئون ويستنيرون من نفس الشمس، ويتغذون من نفس الأرض، ويشربون من نفس الماء! هل أنا أهذي أم أقول الصواب؟ نحن نعيش مع بعضنا بالفعل، لماذا علينا بذل الجهد من ِأجل أن نتعايش؟
من فضلكم، أغمضوا أعينكم خمس دقائق، وحاولوا معي أن تجدوا جوابا لهذه المسألة؟
صدقوني، يصيبني صداع ويتوقف ذهني تماما عن العمل عندما أمعن النظر في مشكلة التعايش الديني، لأنه بالنسبة لي ليس مشكلة، إنه مشكلة مصطنعة مثل مشكلة ضرورة التنفس.
تتعقد الأمور في ذهني عندما أفكر في الملحدين الذين لا يؤمنون بأي دين. أيجوز أن نتعايش دينيا مع أناس لا يؤمنون بأي دين؟
أم يجب منع الملحدين من أن يتنفسوا نفس الهواء الذي يتنفسه المؤمنون، ونضعهم في فقاعة هواء مختلف؟ لعله من الممكن أن نسيّج العالم، ونقسمه جغرافيا تقسيما جديدا: قارة للمسلمين، قارة لليهود، قارة للبهائيين، قارة للمسيحيين وهكذا. إلا أننا لا نملك ما يكفي من القارات لجميع المعتقدات. إنها لمشكلة حقيقية!
في هذه الحالة أقترح عليكم إقامة "جدران برلين" في جميع القارات، وإنشاء بلدان جديدة على أساس الأديان. نعم هذا ممكن وهكذا يكون كل دين مسيّجا ب "جدار برلين" ولا يترك لأي شخص فرصة الدخول أو الخروج.
تصوروا العالم هكذا، أليس رائعا؟ انتهت الحروب، انتهى الجدال، انتهت النزاعات، لا حاجة لبذل الجهد للتعايش.
وعندما يتحول شخص في بلاد المسيحيين إلى الإسلام، نرسله بطائرة تلقي به بواسطة المظلة في بلاد المسلمين (لا يسمح لطائرة مسيحية الهبوط في بلد معتقداته مختلفة!) ولا حق له في العودة إلى بلد المسيحيين لرؤية عائلته، وأصدقائه، ويفقد وظيفته، وممتلكاته، ومنزله، لأنه لا يمكن أن يأخذ معه كل شيء إلى أرض المسلمين. وما من حاجة إلى محاكمته أو اعتباره مرتدا، أو سجنه أو طرده من عمله أو لعنه أو لبذل مجهود للتعايش معه. كل ما يجب فعله هو طرده إلى بلاد دينه الجديد خلف جدار برلين. هذا كل شيء.
أعتقد أنكم تتخيلون معي هذا العالم الجديد. إنه عالم جميل! وبذلك
نتوقف عن الجدال، عن إصدار الأحكام وعن إهانة وسجن المواطن الذي تختلف
عقيدته عن الآخرين أو الذي لا يؤمن بشيء أصلا.
هل يناسبكم هذا العالم؟
أخوك، صديقك، ابنك، زوجك، زوجتك، والدك، والدتك، جارك، ابن عمك، خالك، عمتك، جدك، باختصار أحد ِأقربائك الذي تنفست دائما معه نفس الهواء وعشت معه نفس التاريخ وتقاسمت معه نفس التجارب، ولأنه في يوم ما اعتنق ديانة مختلفة عن ديانتك، عليك أن ترفضه أو أن تبذل الجهد لتتعايش معه، بينما كنتما تعيشان معا إلى ذلك الحين مطمئنين، دون أية مشاكل قبل إيمانه الجديد؟
هذا ما يثقل رأسي ويسبب لي ألما داخليا يلبّد ذهني تماما؟ ولكن، يا سبحان الله، ما المزعج حتى يتوقف كل شيء وتتغير علاقتك معه؟ لأن له اعتقاد مختلف عنك؟ ألمجرد هذا عليك بذل الجهد لتتعايش معه، بينما كنت دائما تعيش معه؟ رجاء خذوا من وقتكم خمس دقائق، أغمضوا عيونكم، فكروا وحاولوا أن تجدوا إجابة صادقة ومنطقية؟