لنتشاور جميعا في تربية أطفالنا-- رأي لجواد مبروكي
--أناشدكم لنتأمل جميعا في هذه المحاولة التشاورية والتي لا أطرحها كحقيقة مطلقة وإنما كنظرة مستوحاة من أبحاثي الشخصية وتجاربي المهنية.
المقصود من هذه المشاورة هو أن نتعلم جميعا من تجاربنا، اعتبارا أن كل فرد، من مجتمعنا، له تجارب عديدة في تربية الأطفال، والتجربة هي في الواقع أعظم مدرسة في حياة الإنسانية.
طبيعة مهنتي، تحتم علي أن يكون كل همي هو مساعدة الإنسان صغيرا كان أم كبيرا، وكذلك مساعدة الأزواج والأمهات والآباء على تربية أبنائهم. لهذا تجدني أتشبع يوميا بالتجارب الواقعية وباكتساب الملاحظات وبالتعلم من كل هذه الفئات التي تلجأ إلي من أجل التشاور. وهكذا أتعلم بدوري ممن يزورونني و أهتدي معهم إلى بعض الحلول التي أستعملها في مساعدة الآخرين أيضا.
اقترح عليكم أن نتشاور في تربية أبنائنا وبالخصوص طريقة تربية الآباء للفتاة والفتى بغض النظر عن التربية الثقافية المدرسية. لنتشاور بالضبط على ما يحدث في المنزل. فمن واجبي كفرد من عائلة مجتمعنا أن أشارككم ما أتعلمه كطبيب نفساني لكي نتشاور فيه جميعا.
ما تعلمته هو أن تربية أبنائنا أمر عسير وصعب ويتطلب مجهودا كبيرا، وتزداد صعوبته عندما يريد الآباء أن يخططوا ويلجئوا إلى نوعين من التربية، نوع خاص للأنثى و نوع آخر للذكر. لاحظت أن هذه الازدواجية في التربية تطرح صعوبات إضافية وضخمة وشاقة على الآباء، والتي لا حل لها لأسباب متعددة.
عندما نلجأ إلى هذه الازدواجية في التربية، نكون حتما ظالمين و غير عادلين. لاحظت كذلك أن هذه الازدواجية ما هي إلا نتيجة لعادات تقليدية موروثة من جيل إلى آخر ننسبها إلى حقائق وهمية. والأخطر من هذا هو أن هذه الازدواجية تخلق تمييزا عنصريا وتؤدي إلى خلق مجتمعين، مجتمع أنثوي و آخر ذكوري. ولهذا، فإننا نعيش في مجتمعين مختلفين ونتوهم أننا نعيش في مجتمع واحد و موحد. وهذا أعظم صراع ونزاع يعقّد تحقيق وحدة وتوازن مجتمعنا.
فالعدالة في تربية الأبناء، ذكورا كانوا أو إناثا، تكمن في المساواة في الحقوق وليس في الأدوار. من الطبيعي أن تكون الفتاة مختلفة عن الفتى، فهي منبع الحياة ومن أدوارها، مثلا، الحمل والإنجاب والرضاعة...
لكن ليس من دورها، لوحدها فقط، غسل الأواني والطبخ ونظافة المنزل والألبسة والاعتناء بالأطفال و تقديم الطعام لأخيها أو لزوجها كأن المنزل بمثابة مطعم أو فندق.
أغلبية المراهقات اللائي استقبلهن في عملي يعانين و يتألمن من قسوة تعامل الآباء معهن بعكس تعاملهم مع إخوانهم الذكور. فهن يعبرن بكل وضوح عن الظلم الذي يطولهن من قبل أفراد عائلتهن، ولا يجدن أي تبرير منطقي لهذا السلوك. والشيء الذي يعذبهن، أكثر، هو السلوك الازدواجي عند الأم بالخصوص.
هناك أمثلة عديدة تترجم معاناة الفتاة جراء ذلك، ودائما ما أسمع هذه العبارات تتردد على لسان كل المراهقات، "ماما عاشت نفس التجربة التي أعيشها، عندما كانت مراهقة، ورغم ذلك هي ليست عادلة في تربيتها، فهي تسمح لأخي ما تمنعني منه، وتأمرني بمساعدتها في الأشغال المنزلية ولما اسألها لماذا لا تأمر أخي أيضا بذلك، ترد علي "هاذاك ولد".
هناك تعبير آخر أسمعه دائما منهن، " عندما أستأذن أمي بالخروج مع صديقاتي،غالبا ما يكون جوابها الرفض أو وفق شروط جد صارمة، ولما أسألها عن سبب عدم معاملتها لأخي بالمثل، ترد علي بنفس العبارة "هاذاك ولد".
فهذا النزع من السلوك الظالم والغير المنطقي يخلق خللا في تركيبة شخصية المراهقة والمراهق على حد سواء، و يؤثر على توازنهما و دراستهما.
عثرت في إحدى الآثار البهائية عن استعارة تمثل هيكل المجتمع بالطائر، أحد جناحيه يمثل المرأة والجناح الآخر يمثل الرجل. فكما أن الطائر يصعب عليه الطيران إذا كانا جناحاه غير متوازنين، فكذلك المجتمع، إذا أردناه أن يحلق في أعالي سماء الوحدة والسعادة والرقي فعلى جناحيه " الإناث والذكور" أن يكونا متوازنين.
لا شك أن منتهى أماني كل فرد منا أن يحلق طائر مجتمعنا في أعالي سماء الازدهار، فما رأيكم؟ هل علينا نحن الأمهات والآباء أن نغير من طرق تربيتنا أم نستمر على ما هو عليه الحال؟