روائي أمريكي: لا يولد الناس متطرفين بل يصبحون كذلك بسبب تقلبات الحياة
الجزائر (CNN)-- حاول الروائي الأمريكي "جوال هيرست"، خريج جامعة برانديس الأمريكية، من خلال عمل أدبي جديد عنونه بـ "أمراء الفتنة" أن يسلط الضوء على أفكار التطرف والإرهاب التي نخرت عقل الشباب الإفريقي والمسلم، مبينا أن التعاليم الإسلامية السمحة بعيدة كل البعد عن الأفكار المتطرفة والتي تدعو إلى الإرهاب والعنف.
وشرح "هيرست"، في هذا الحوار مع CNN بالعربية، من خلال هذا العمل معضلة التطرف عبر رواية كان بطلها شاب من الطوارق، مضيئا بذلك طريق الأفكار الصوفية والمعتزلة التي ساهمت في تهذيب أفكار هذا الشاب الذي انخرط في العمل الإرهابي ثم اقلع عنه بمجرد قراءته لهذه الكتب التي وجدها في مكتبة تومبكتو تعود إلى حضارة العراق.
صدر لكم مؤخرا عمل أدبي، رواية جديدة تناولت فيها موضوعا ذو أبعاد عالمية، فهل يمكنك أن تلخص لنا في بضع اسطر محتوى روايتك الأخيرة؟
رواية " أمراء الفتنة" تحكي قصة شاب من قبائل الطوارق من "تومبكتو" بمالي، بدأت بتحوله للراديكالية نتيجة سلسلة من الأحداث الخارجة عن سيطرته، أجبر هذا الشاب على ترك منزله وقريته و انتقل في البداية إلى مدينة تمنراست الجزائرية ثم إلى مراكش المغربية، أين استقر هناك لدراسة الشريعة الإسلامية ليتخرج كقاضي شرعي.
وقبل عودته إلى مالي للقتال مع متمردين من الطوارق، اكتشف في تومبكتو فجأة مخطوطات إسلامية قديمة مخفية في إحدى المكتبات العتيقة تعود إلى بغداد حيث تم تهريبها من هناك إلى تومبكتو في فترة إحراق مكتبة بيت الحكمة في بغداد زمن الغزو المغولي,
بعدها يكتشف بطلنا في هذه المخطوطات ثقافة عظيمة للمعرفة و التسامح، مغايرة لمعتقداته، وتتعلق الكتب المكتشفة بكتب المعتزلة أبرزها كتاب القاضي عبد الجبار المعتزلي وكتابه المغني، ليتعلق عقله وقلبه بهذه الكتب التي اكتشف فيها ثقافة الإسلام المغيبة منذ قرون.
لا يخلو عمل روائي من شخوص وبطل، فمن اخترته ليكون بطلا لهذا العمل الأدبي ؟
بطل الرواية هو "أليوف آغ الباشار"، و هو أصغر أبناء شيخ قبيلة "تاودني" الساكنة عمق الصحراء، تبدأ القصة لما يصل هذا الشاب سن 13 عاما من العمر، ويزور تومبكتو لأول مرة في حياته ويبقى فيها سنوات حتى صار رجلا، وفي فترة وجوده هناك، يلتقي بشاب آخر هو "ساليف ديكو" وهو من أصول مختلطة من قبائل "البوزو" وقبائل "الفولاني"، ليصبحا بعدها صديقين تجمعهما الغربة خارج الديار هربا من شظف العيش.
لكن ما يفرقهما أن "ساليف ديكو" اختار طريق الجهاد في حروب الشرق الأوسط ولما عاد إلى تومبكتو، أصبح عدوا لقبيلة صديقه "أليوف"، ليس في الرواية شخصيات شريرة، فكل شخص هو فاعل عقلاني يتخذ قرارات بناءا على ما يعتقد انه يخدم مصالحه وغالبا ما يعاني من تبعات أفعاله، غير أن هذه القرارات هذه تؤدي إلى نشوب الخلاف بين الصديقين، فلكل واحد منهم طريقه التي تعارض طريق صديقه الأخر، وهكذا يدخل "أليوف" و"ساليف" في مرحلة الصراع.
لكل عمل أدبي خلفيات ودوافع، فكيف نضجت الفكرة؟ وهل هي مستوحاة من الواقع أم طغى عليها الخيال؟
كنت أعيش و أعمل في مالي بينما الصراع كان يحتدم بين شمال البلاد وجنوبها وفي فترة دخول الجماعات الإرهابية للمنطقة ،فضلا عن أنني كنت حاضرا في الهجوم على فندق "راديسون" في باماكو، لتأسرني القضية المالية، وازددت إعجابا بهذا البلد لما قرأت عن ثقافة التوارق وحضارتهم.
كما ألهمتني هذه الثقافة القديمة الملحمية وطرق عيش التوارق في الصحراء القاسية والجافة و كيف تكيفت ثقافتهم وتطورت لحماية مجتمعهم في هذه الظروف، ومع إقامتي من أجل العمل هناك، لاحظت كيف استطاع السلفيون المتشددون النفاذ لمجتمع التوارق عن طريق العمل الخيري والدعوي حتى بدأت أفكار الإرهاب تأخذ طريقها إليهم.
وفي الوقت نفسه، أمضيت الكثير من الوقت في البحث عن تاريخ "تومبكتو"، مما جعلني أقرأ عن الأمويين والعباسيين كما المرابطين والموحدين وعن مختلف الدول البربرية وعن الدور الكبير الذي لعبته كل من دول الجزائر والمغرب في تاريخ الحضارة الإسلامية، فقد كان كل هذا التاريخ مبهرا وفاتنا بالنسبة لي، ومن هذا المنطلق، راودتني وضع كل هذا في عمل روائي، يجمع بين الصراعات الملحمية والأفكار القديمة .
الأعمال الروائية تحمل في طياتها رسائل، فما هي الرسالة المراد إيصالها من خلال هذا العمل الأدبي ؟
تحاول روايتي "أمراء الفتنة " تبيان كيف يتحول الناس العاديون إلى الراديكاليين وينتهي بهم المطاف إلى العمل الإرهابي، ففي اعتقادي أن الناس لا يولدون متطرفين ولكنهم يصبحون كذلك غالبا، بسبب تقلبات ظروف الحياة التي تأخذهم في اتجاه هذا الطريق.
في المقابل، فان الرواية تحكي كيف يتخلى الشباب عن أفكارهم المتطرفة، وكيف يمكنهم التخلص من دوافع الكراهية و العنف، ليولدوا من جديد، وكتبت الرواية بالانجليزية للقارئ في الولايات المتحدة وأوربا الذي غالبا ما له نظرة جد سطحية حول دوافع الإرهاب، متناسيا أن البشر جميعهم لهم مخاوف ورغبات ودوافع.
ومن السهل على الذين ولدوا في الغرب أن ينسوا أن الذين ولدوا في "تومبكتو" لهم نفس الرغبات والدوافع والمخاوف، ففي نظري أن قوة الحب و قوة الغضب تجاه حالة اللاعقاب ودافع الإيمان، كلها دوافع مشتركة بين بني البشر، فلهذا أدعو الناس للتفكير فيها.
وتعرف الرواية طريقها للقارئ المعرب، بفضل المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية بالمغرب،وهي كذلك رسالة مفادها أن قصة تحول شاب وجد طريقه للتخلص من الكراهية واكتشاف العقل الذي يحرره من بوتقة إيديولوجيا الإرهاب.
قضيت فترة لابأس بها في مالي وعايشت الصراع هناك، كما تضمنت روايتك وصفة للتخلص من التطرف، ما أسباب انتشار التطرف في الصحراء باعتقادك ؟
هناك عدة أسباب تجعل الناس يختارون طريق الإرهاب، أحيانا يكون السبب هو الهروب من الفقر والفاقة، وأحيانا أخرى يكون الإرهاب طريقا للضعفاء لإسماع أصواتهم في عالم لا يصغي إليهم، وأحايين أخرى يكون الإرهاب طريقة لإجبار الأخر على إتباع نفس ما نعتقد، لأننا مقتنعون أنه يجب أن يؤمن الآخرون بما نؤمن به. وهناك أكثر من ذلك.
عالمنا الذي يحكمه "نظام عالمي"، الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية لم يشتغل بالنسبة لشعوب البلدان الفقيرة مثل إفريقيا كما هو متوقع، فكل الميكانيزمات مثل الانتخابات، البرلمانات، البنوك المركزية والمساعدات الدولية، ساهمت فقط في تقوية مواقع النخبة المحلية الموجودة في السلطة وزادت في نشر الفساد ولم تسمح بوجود فرص للآخرين للخروج من الفقر و حالة اليأس.
وفي هذا السياق، جاء الإسلام السياسي كمحاولة لتحدي هذا النظام العالمي، مثله مثل الشيوعية والفاشية في وقتها، وان محاولة إعادة كتابة القواعد وخلق نظام عالمي لا يستجيب للأوامر الصادرة من الغرب، بل النابعة من القادة الذين لهم شرعية مستقلة وليست شرعية مرتبطة بالغرب.
هذا كله، كان السبب الذي يدفع بالشباب المتمرد للتحرك من اجل خلق نظام يشتغل لصالحهم، بالطبع نحن نعرف أن هذا النظام لا يشتغل وأن الحل المقترح هو أكثر سوءا من المشكلة المطروحة، ولكن ما إن يكتشف الشباب هذه الحقيقة حتى يكون الوقت قد فات.
بحكم تجربتك، كيف يمكننا القضاء والتخلص من التطرف وأن ننجح في استئصاله ؟
التطرف عملية فردية، فقد توصل بحث قامت به مؤسسة (Quilliam Fondation) أن 400 ساعة من المحاورة عبر الانترنت تكفي لإقناع شخص بأن يصبح جهاديا، و عملية التخلي عن التطرف هي كذلك عملية فردية، فهي صيرورة لبعث صحوة عقل الشخص باستخدام العقل والفكر والفهم والمناقشة، وهذه العملية تبدأ بفكرة أساسية وهي " ليس لك الحق في حياة الآخرين".
وعليه فإن كل أشكال التطرف والإرهاب تبدأ بإقناع الناس بأنهم ليسوا على الحق فقط، بل عليهم إجبار الآخرين على إتباع هذا الحق الذي يؤمنون به، بيد أن القوة لا تفيد في الإقناع، فإذا كنت تراني على خطأ فعليك إقناعي بما هو صواب وليس حملي علي تبني رأيك بالقوة.
فالحضارة بنيت على هذه القواعد، وإذا استخدمنا العنف فان أفكارنا تتبخر ونبني مجتمعا قائما على الدماء والأشلاء، وهي أماكن لا يريد أي احد أن يعيش فيها، ولا حتى الذين ساهموا في بناءها لن تكون لديهم الرغبة في البقاء فيها.