طريق الحرية طويل.. مزيد من النساء يهربن من أفغانستان رغم مخاطر الاحتجاز والقتل
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كانت فاطمة تجلس على أرضية غرفة استأجرتها في مدينة كويتا، القريبة من الحدود الباكستانية مع أفغانستان، وتستخدم دفتر ملاحظات كمروحة يد، ملاذها الوحيد للتهوئة من حرارة يوليو/ تموز.
وأطلعت فاطمة CNN، عبر مقابلة فيديو، عن المرات الثلاث التي حاولت فيها الفرار من وطنها، أفغانستان، وكيف أنّ المحاولة الثانية كانت أشدّ عنفًا من الأولى.
وقالت فاطمة، وهو ليس اسمها الحقيقي، لأنّها لا تملك حاليًا وثائق، ولم يتمّ ترحيلها بأمان بعد، إنها كانت ضابطة في الجيش الوطني الأفغاني عندما سقطت كابول بتاريخ 15 أغسطس/ آب عام 2021.
وفي خضم الفوضى التي أعقبت ذلك، لم تتمكّن من مغادرة أفغانستان، لكن بعد أشهر، في يناير/ كانون الثاني عام 2022، سافرت الشابة العشرينية إلى إيران من مدينة في شمال أفغانستان، في رحلة قالت إنها استغرقت ثلاثة أيام سيرًا على الأقدام.
لكن، عندما اقتربت والمجموعة التي كانت تسافر معها من الحدود، رصدهم حرس الحدود الإيراني وأطلقوا النار عليهم، فلاذوا بالفرار.
وبعد شهر، أعادت فاطمة المحاولة.
هذه المرة، أوضحت فاطمة لـCNN أنها سافرت جواً إلى العاصمة الإيرانية طهران، ودخلت بتأشيرة كلّفتها مبلغًا قدره 45 ألف "أفغاني" (640 دولاراً) إلى وسيط للحصول عليها.
وبعد بضعة أشهر، وجدت مهرّبين قالوا إنهم يستطيعون إدخالها إلى تركيا. لكن عوض تسهيل رحيلها، تزعم فاطمة أنّهم قاموا باحتجازها ومهاجرين آخرين، وطالبوا أحباءهم بفدية من أجل إطلاق سراحهم.
وقالت وهي ترفع معصمها إلى كاميرا هاتفها المحمول لإظهار نتوء مرئي: "لقد تعرّضنا لاعتداءات جسدية بانتظام".
ولفتت إلى أنّ جرحها "لم يلتئم بعد".
وبعد حوالي 20 يومًا من بدء محنتها، أشارت فاطمة إلى أنّ الشرطة الإيرانية عثرت عليها وعلى مهاجرين آخرين، ونُقلوا إلى مركز احتجاز. ومن هناك، ورغم محاولتها إقناع المسؤولين بأن حياتها ستكون في خطر، وُضعت في حافلة أعادتها إلى أفغانستان.
والأسوأ لم يأتِ بعد، إذ قالت فاطمة إنّ طالبان أوقفت الحافلة التي كانت تقلّها، وتم احتجازها. وقاموا بضربها لمدة ثلاثة أيام واستجوبوها حول دورها في الجيش. وفي النهاية وصلت الأخبار إلى عائلتها التي اقترضت المال لدفع رشوة قدرها 3 آلاف دولار لطالبان من أجل إطلاق سراحها، بحسب ما روت لـCNN.
وقالت فاطمة وهي تتحدّث بسرعة، كأنها تخشى أن تنسى بعض التفاصيل إذا لم تشاركها فورًا: "لقد هدّدوني وأخبروني أنه يجب أن أُقتل. توسّلت إليهم (بالقول) إنني معيلة الأسرة، وأنا الابنة الكبرى".
وقالت شقيقتها المراهقة، عَذرا، التي تحدثت إليها CNN بشكل منفصل، إنها كانت موجودة في الصباح الذي عادت فيه فاطمة أخيرًا إلى المنزل. وتتذكر: "كانت مضرّجة بالدماء. عندما رأيتها، كانت تبكي. قامت والدتنا بتحميمها، بينما قمت بإعداد بعض الطعام لها".
ورغم الحديث لساعات، فإنّ رواية فاطمة لما حدث لها في إيران غير مكتملة. وأوضحت لـCNN إنها تعاني من فقدان الذاكرة نتيجة الضرب الذي تلقته على رأسها. وقامت CNN بحذف بعض تفاصيل رحلتها حتى لا تكشف عن هذه المسارات.
ومع ذلك، فإن تقريرًا صادرًا عن منظمة العفو الدولية في عام 2022، يفصّل تجارب اللاجئين الأفغان التي تعكس بعض ما وصفته فاطمة، أي استخدام المهرّبين، وإطلاق النار عليهم على الحدود، والاحتجاز والترحيل.
وفي بداية عام 2023، حاولت فاطمة مجددًا مغادرة أفغانستان. هذه المرة استعانت بأحد المهرّبين ونجحت في العبور إلى باكستان. وبحلول الوقت الذي تحدثت فيه CNN معها، من تلك الغرفة الصغيرة في كويتا، كانت تعاني من صدمة واضحة بسبب محاولتيها السابقتين، وأعربت عن غضبها من الوكالات الدولية لأنها تشعر بأنها خذلتها، وما زالت يائسة للوصول إلى بر الأمان.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023، أمرت حكومة باكستان مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان بمغادرة البلاد.
لدى أفغانستان تاريخ طويل ومؤلم من العنف والنزوح. وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، فرّ ملايين الأفغان، معظمهم من الرجال والفتيان، من بلادهم بحثًا عن الأمان والفرص الاقتصادية. وقد انتهى المطاف بأعداد كبيرة منهم في باكستان وإيران المجاورتين، لكنّ العديد منهم انتقلوا أيضًا إلى أماكن أبعد مثل تركيا، أو أوروبا الغربية، أو الولايات المتحدة، أو أستراليا.
ومع ذلك، منذ عودة طالبان، فاق عدد اللاجئات سنويًا الضعف، وفقًا لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وفي عام 2023، صُنّفت أكثر من 3.1 مليون أفغانية ضمن واحدة من أربع فئات من الأفراد خارج وطنهم، يسعين للحصول على الحماية الدولية أو حصلن عليها، ويشار إليهنّ يشكل عام باسم لاجئات.
وفي عام 2021، كان هناك نحو 1.2 مليون امرأة من هذا القبيل، وفي عام 2020، كان العدد حوالي 800 ألف.
وراهنًا، بلغ عدد اللاجئات الأفغانيات الحد الأعلى، أكثر من أي وقت مضى، في السنوات العشرين الماضية.
ومع استمرار انتهاكات طالبان بحق النساء، وهي الانتهاكات التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية"، ومع القيود التي فرضتها على حرية حركة النساء، تدق المنظمات غير الحكومية ناقوس الخطر من أنّ عددًا أكبر من النساء والفتيات سوف يضطررن إلى سلوك الطرق البرية، على غرار فاطمة، مخاطرات بالتعرّض للابتزاز، والعنف الجسدي والجنسي، والاحتجاز، وحتى الموت أثناء محاولتهنّ الفرار من أفغانستان.
الهجرة، شريان الحياة الوحيد.
وأشار مركز الهجرة المختلطة (MMC)، وهي منظمة غير ربحية تجمع بيانات الهجرة، بعد أيام من سقوط كابول: "عندما تكون الهجرة هي شريان الحياة الوحيد المتاح، يجب ضمان كل الجهود لتوفير ممر آمن"..
بعد ذلك بعامين، وإثر مراجعة جميع القيود التي فرضتها طالبان على النساء والفتيات، كتبت المنظمة ذاتها: "هذا الواقع الجديد الذي تفاقم بسبب الخوف المتزايد من الاضطهاد في ظل طالبان، وتزايد انعدام الأمن الغذائي، وتفاقم مستويات الفقر في البلاد، سيؤثر على ديناميكيات الهجرة لبعض الوقت، لا سيّما من حيث تنقل النساء".
وقد تمّ توثيق حياة النساء والفتيات في ظل طالبان بشكل جيد. من حظر الالتحاق بالمدارس الثانوية والجامعات للفتيات، إلى القيود المفروضة على التوظيف، وإغلاق صالونات التجميل التي توظف نحو 60 ألف امرأة، وحظر الرحلات البرية لمسافات طويلة، ثم الرحلات الجوية للنساء اللواتي ليس لديهنّ مرافق ذكر.
وكانت الناشطة الأفغانية في مجال حقوق المرأة، محبوبة سيراج، قالت لـCNN قبل عام: "يتم محو النساء ببطء من المجتمع ومن الحياة ومن كل شيء في أفغانستان".
أما المخاطر التي واجهتها النساء الأفغانيات الساعيات للهجرة اللواتي شملهنّ استطلاع منظمة MMC ، فكانت ثلاثة، تمثّلت بـ: العنف الجسدي، والاحتجاز، والموت. وكان "اعتلال الصحة من الظروف القاسية" خطرًا فاق احتجاز النساء اللواتي غادرن قبل أغسطس/ آب 2021.
دفعت والدة فاطمة ابنتها عذرا وابنها المراهق اسماعيل للحاق بأختهما الكبرى.. كان مسارهما شاقًا لكنها التقيا في كويتا التي لطالما كانت موطئ قدم للاجئين الأفغان. وبانتظار تأمين أوراقهم الثبوتية يتشوق الأخوة الثلاثة للتوجه غربًا وبدء فصل جديد من حياتهم.
وتقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن النساء سيواصلن المخاطرة من أجل العيش والتعلم بحرية أكبر.