الكردي لـCNN: بوسع الفقه حل أزمات المال المعاصرة.. والمنتجات الجديدة أكبر التحديات

اقتصاد
نشر
11 دقيقة قراءة
الكردي لـCNN: بوسع الفقه حل أزمات المال المعاصرة.. والمنتجات الجديدة أكبر التحديات
Credit: cnn

بيروت، لبنان (CNN) -- قال أمين الكردي، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية وعضو الهيئات الشرعية في العديد من المصارف الإسلامية وشركات التأمين التكافلية، إن الفقه الإسلامي يختزن حلولا متكاملة للقضايا المالية المعاصرة، ولكنه بحاجة لمتخصصين يستخرجونها، مضيفا أن إشادة الفاتيكان بالأسس المصرفية الإسلامية أبلغ دليل من غير المسلمين على "عظمة النظام الإسلامي ووجود الحلول الناجعة والحقيقية لحركة البشر المالية."

وقال الكردي، في مقابلة مع CNN بالعربية إن تجربة المصارف الإسلامية والنظام المالي الإسلامي ككل إنما تنبثق من "مقاصد التشريع الإسلامي التي تقوم على المحافظة على الكليات الخمس المعروفة والمشهورة في كتب مقاصد التشريع وهي المحافظة على الدين والنفس والعقل والعرض والمال" ما يجعل المال "من بين الكليات الخمس التي تتوجه مقاصد الشريعة الإسلامية للحفاظ عليها."

وتابع الكردي بالقول: "فقهنا الإسلامي عامر بالأبواب الفقهية التفصيلية في قضايا البيوع من بيع وشراء وحوالة وسلم وإجارة وكفالة واستصناع ومزارعة، فهذه كلها موجودة بالتفصيل في الفقه الإسلامي، ويكفي المرء أن يقوم بمراجعة أي كتاب من كتب الفقه ليجد التفاصيل التي قد تفاجئه لجهة تناول الفقهاء السابقين لها بمبادئ تستند إلى آيات القرآن والأحاديث النبوية."

تجربة المصارف الإسلامية "متقدمة وجريئة"

ووصف الكردي تجربة المصارف الإسلامية بـ"المتقدمة والجريئة" معيدا ذلك إلى "نضارة الفقه الإسلامي وحيويته ومرونته في التعاطي مع المسائل النازلة والمستجدة" مضيفا: "لا يكاد المرء يرى طرحا ماليا معاصرا إلا ويجد في كتب الفقه محاكاة فقهية له بما يفاجئ الباحث الذي يحاول التعرف على النظام الإسلامي المالي."

ونوه الكردي إلى أن المصارف الإسلامية في العالم، بما تحمله من شفافية ورفض للربا بصوره الخطيرة وضمان رأس المال وبيع الديون التي رأى أنها أدت إلى الأزمات المالية العالمية، خرجت بالمقابل بما يعبر عنه بطريقة عصرية بـ"فقه البدائل" وشرح قائلا: "عندما يحرّم الشرع الربا فهو لا يقف عند هذا الحد بل يفتح باب المرابحات وعقود الشراكة وسواها من ما يؤمن البديل التمويلي لمن لا يريد الاقتراض عن طريق الربا، فعندما نتحدث عن منع بيع الديون، والذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه الذي يمنع بيع الكالئ بالكالئ فإننا نقدم للباحث عن مشكلة التمويل حلولا شرعية."

واعتبر الكردي أن نتيجة هذه الأدوات المالية الجديدة ظهرت بوضوح على المستوى الدولي قائلا: "تجربة المصارف الإسلامية في العالم منظورة ومشهودة، كما أن حجم العمل الاقتصادي الإسلامي قد بات ضخما وانتشرت المصارف الإسلامية على نطاق واسع في العالم بعد بداية خجولة كانت فيها مجرد نوافذ إسلامية Islamic Windows، لتتحول اليوم إلى مصارف مستقلة تتمتع برأسمالها الخاص وبات لها مراكز مختصة بكتابة المعايير والمراقبة وعلى رأسها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية الموجودة في البحرين."

وضع المصارف الإسلامية في لبنان

أما عن وضع المصارف الإسلامية في لبنان فلفت الكردي إلى أن التجربة برمتها تعتبر جديدة في لبنان مقارنة بالعمل المصرفي التقليدي القديم، مشيرين إلى وجود ثلاثة أو أربعة مصارف تعمل بمواكبة من شركتين باشرتا العمل في مجال التأمين الإسلامي، ولكنه شدد على وجود إقبال كبير على هذا النوع من العمل المصرفي لأن الناس "تريد الخروج من الإشكالات الشرعية أولا، وثانيا لأن المصارف الإسلامية تحاكي فطرة الناس المنجذبة إلى طاعة الله وتطهير المال إضافة إلى الخبرات المتوفرة من الشخصيات التي عملت سابقا في المصارف التقليدية قبل أن تنتقل إلى المصارف الإسلامية" على حد قوله.

وحض الكردي في الإطار عينه على ضرورة "تثقيف وتعليم كوادر العمل المصرفي أصول الصيرفة الإسلامية" معتبرا أن تلك القضية من بين التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية، إلى جانب ضرورة تحسين طرق التسويق وتعريف الناس بنشاطها وإيجاد عدد أكبر من المتخصصين وزيادة أعداد الفروع العاملة في مختلف المناطق اللبنانية.

وأكد أمين الفتوى في الجمهوري اللبنانية وجود زيادة في طلبات المصارف التقليدية لفتح نوافذ إسلامية لها في لبنان قائلا: "عندما نرى مصرفا مثل ’بنك لبنان والهجر‘ المعروف اختصارا بـ’بلوم‘ الذي يعتبر من أكبر المصارف اللبنانية يقوم بافتتاح مصرف إسلامي تحت اسم ’بلوم للتنمية‘ فهذا يعني أن الطلب في السوق دفع مجلس إدارة البنك إلى اتخاذ هذا القرار وتأسيس مصرف جديد برأس مال مستقل، بالإضافة إلى وجود بنك البركة، وهو الأب الروحي للمصارف الإسلامية في لبنان، وكذلك بيت التمويل العربي، هذه المصارف كلها ما كان لها أن تستمر لولا أنها تلمس طلبا بين الناس."

تحديات طرح أدوات مالية جديدة

وعن آفاق إدخال أدوات مالية جديدة في المصارف الإسلامية قال الكردي: "أعتقد الآن أن التحدي الكبير للهيئات الشرعية والمتخصصين في الصيرفة الإسلامية يتمثل في تقديم منتجات إسلامية جديدة Islamic financial products. اليوم عندما نتحدث عن الاستصناع والمرابحة والمشاركة والاستصناع الموازي والإجارة المنتهية بالتمليك والإجارة العادية فهي كلها أدوات لفتح أبواب جديدة من خلال الفقه الإسلامي لإيجاد منتجات مالية جديدة، فقضية الإجارة المنتهية بالتمليك قد باتت تستخدم في مجالات تمويل الحج والعمرة وأقساط الجامعات والكثير من المجالات الأخرى."

وأضاف:" كذلك برزت عقود الاستصناع والاستصناع الموازي من أجل تمويل أولئك الذين يريدون وجود كتلة مالية بين أيديهم، فلا شك أن السعي مستمر بين المتخصصين لإيجاد منتجات عصرية، فبطاقات الائتمان مثلا باتت متوفرة في المصارف الإسلامية بأطر وقوالب إسلامية موافقة للشرعية، فالحمد لله لدينا في الفقه الإسلامي مرونة وسعة تمكنه من استيعاب حركة الإنسان في الحياة والمجتمع ولكن المشكلة في تنظيم هذه الفقه وتقديمه بطريقة حسية وواقعية تنسجم مع حاجة الناس والمجتمع فالفقه يختزن كل هذه الحلول والجهد يقع على الفقهاء والمتخصصين لاستخراج هذه الحلول منه."

وحول التجارب المطبقة في دول بينها ماليزيا بزيادة دور المصارف الإسلامية من خلال تسليم إدارة الأوقاف إليها قال الكردي: "مثل هذه الأمور ليست ممنوعة ولكنها ترتبط بظروف كل دولة وطبيعة الأنظمة الوقفية فيها، ففي لبنان مثلا تعود إدارة الأوقاف إلى المديرية العامة للأوقاف الإسلامية التي لديها نظامها الخاص في ظل عدم وجود وزارة للأوقاف في لبنان، فالأمر ليس مغلقا وإنما هو يتحرك بطبيعة الأنظمة الوقفية في كل دولة، فالأمر يدرس ويبحث حسب الحاجة."

واستطرد الداعية اللبناني بالقول: "وأذكر مسألة هنا في قضية الوقف أنه في مذهب الإمام مالك يجوز ضمان رأس مال الوقف أو رأس مال الأيتام، وقد لجأنا إلى ذلك هنا في لبنان، إذ أودعنا أموالا عائدة للأوقاف في مصارف إسلامية بحسابات استثمارية شريطة ضمان رأس المال، وهو أمر تمنعه في الأصل الشريعة الإسلامية التي لا تجيز الاستثمار بعقد مضاربة مع ضمان رأس المال، ولكننا أخذ بفتوى المذهب المالكي بخصوص أموال الأوقاف وقمنا بهذه الخطوة المتميزة والضرورية، وهذه تجربة جزئية بسيطة، ولا مانع بالتالي من قيام المصارف الإسلامية بإدارة أموال الأوقاف."

وشدد الكردي على أن المجتمع اللبناني المتنوع دينيا ومذهبيا تقبل المصرفية الإسلامية بصرف النظر عن هويتها الدينية قائلا: "المفاجأة أن الكثير ممن نالتهم لظى الربا، بل ووقعوا في الربا المركب وصارت تكلفة خدمة الدين عليهم كالجبال هم الذين يرفعون لنا القبعة ويقدمون لنا التحية في معاملاتنا الإسلامية بتحريم الربا وإيجاد الخيارات البديلة للبشر، ولكن هناك مسؤولية كبيرة على العاملين بالمصرفية الإسلامية من أجل إيجاد الدعاية والحركة الإعلامية والإعلانية القوية لتعريف الناس بالصيرفة الإسلامية، ثم تدريب الموظفين الذين يقدمون تلك الخدمة للناس كي لا يلبّسوا عليهم بحيث يعتقد البعض الناس أن في الأمر خدعة أو أن التعاملات المصرفية كلها متشابهة وأننا نخفي عنهم شيئا، وذلك يكون من خلال استخدام المصطلحات الصحيحة وقدرة الموظف على التمييز بين العقود الربوية والعادية."

مستقبل مشرق ينتظر المصارف الإسلامية

وأعرب الكردي عن تفاؤله بمستقبل المصرفية الإسلامية على المستوى العالمي قائلا: "لو راجعنا بعض تصريحات الفاتيكان بعد الأزمة المالية العالمية وما فيها من ثناء على النظام الاقتصادي الإسلامي فهذا أبلغ دليل وشاهد من غير المسلمين على عظمة نظامنا الإسلامي وعلى وجود الحلول الناجعة والحقيقية لحركة البشر المالية من خلال الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، ونريد أن نمزج بين واقع أن المصرفية الإسلامية في نهاية المطاف هي عمل يراد منه الربح، وهو أمر لا إشكال فيه شرعا، وبين أن هناك جانب روحي ودعوي وإيماني في هذا المجال، فيصبح عمل المصارف الإسلامية ذات شقين، شق ربحي ومالي يستفيد منه أصحاب المصارف الإسلامية ومن يتعامل معها، وشق تربوي ودعوي وتعريفي بعظمة الإسلام، فبسبك هذين الجانبين نعطي الصورة الكاملة عن عظمة الشريعة الإسلامية، وإذا جردنا عمل المصارف من هذا الجانب الروحي والدعوي والإيماني نفقد كثيرا من قوة طرحنا في البنوك الإسلامية."