كيف تحولت العطلة الصيفية إلى ثابت زمني في أجندة المغاربة؟

اقتصاد
نشر
5 دقائق قراءة
كيف تحولت العطلة الصيفية إلى ثابت زمني في أجندة المغاربة؟
Credit: GETTY IMAGES

الرباط، المغرب(CNN)-- متأخرة بدأت قوافل العطلة الصيفية للمغاربة بالنظر الى تصادف شطرها الأول مع شهر رمضان، لكن ما إن أدت الأسر المغربية استحقاق الاحتفال بعيد الفطر بطقوسه الدينية وعاداته الاجتماعية، حتى انهمرت وفود المصطافين على مختلف الوجهات السياحية التي تزخر بها المملكة، ليبلغ الموسم ذروته أياما قبل استئناف التحصيل الدراسي الذي يعيد المسافرين الى بيوتهم.

عاما بعد عام، تتحول العطلة الصيفية الى ثابت زمني في أجندة المغاربة، بغض النظر عن تفاوت إمكانياتهم الاقتصادية وتباين اختياراتهم السياحية. لم يعد الاصطياف ترفا مخصوصا بفئة قليلة من الطبقات الميسورة، بل موعدا شبه إجباري يضربه مواطنون يطلبون رفقة أقربائهم حق الراحة والاستجمام بعد عام طويل من الكدح.

في ظل ارتفاع كلفة المعيشة وحريق الأسعار في المواد الأساسية، تكابد فئات من متوسطي الدخل من أجل ادخار مبالغ فائضة لتغطية رحلة الصيف، فيما لا يتردد البعض في اللجوء الى قروض استهلاك لدى البنوك التي تتنافس في استغلال قدوم الموسم لاقتراح عروض "مغرية" لزبائن لا خيار لها سوى الاستدانة بدل التفريط في حق العطلة. 

تتوارد أصداء حركة الصيف عبر مراكز الجذب الكبرى في سواحل البلاد، على المتوسط شمالا، والمحيط الأطلسي غربا، منبئة عن اكتظاظ غير مسبوق ونسب ملء قياسية في الفنادق والاقامات السياحية فضلا عن سوق هامشي مزدهر للبيوت المعدة للإيجار اليومي. في هذه الأيام من حرارة أغسطس الحارقة، ترفع فنادق مدن مثل طنجة و أغادير وضواحي تطوان والسعيدية والحسيمة، شعار "لا غرف شاغرة"، حتى أن كثيرين اضطروا الى قضاء ليلة ما في سياراتهم. 

يقصد الميسورون مؤسسات سياحية مصنفة تقدم عروضا متكاملة مقابل أسعار تناهز تكلفة اليوم منها قيمة الحد الأدنى للأجور لموظف بسيط (350 دولارا) بينما يتقاطر أرباب الأسر المتوسطة أو شلل الشبان والشابات على منازل شعبية أو غرف مستقلة لقضاء أيام على الشاطئ. وقد أصبحت إيجارات البيوت خلال بضعة أسابيع في الصيف موردا هاما لساكنة المناطق الساحلية التي يخيم على أغلبها الركود في باقي فصول السنة.

إنه فصل المهن "الحرة" والمتنقلة بامتياز. وسطاء لتأجير شقق الاصطياف، حراس مرائب السيارات، باعة متجولون لسلع مختلفة، صناع أكلات سريعة أو مثلجات رخيصة...الخ. بهذا يشكل الموسم الصيفي حركة اقتصادية نشطة تضخ دماء جديدة في أوصال النسيج الإنتاجي القومي، كما يوفر مناصب شغل غير قارة تخفف من وطأة البطالة المنتشرة لدى فئات واسعة من حملة الشهادات التعليمية وغيرهم. ذلك أن شرائح هامة من الباحثين عن لقمة عيش طائشة تقصد مدن الساحل للجمع بين فرص تحقيق عائدات تدفئ الجيب في اليوم الأسود، واستراق لحظات هاربة تحت شمس البحر.

وجلي أن ازدهار موسم الاصطياف في المغرب يدين الى حد كبير بالفضل الى العودة الموسمية المنتظمة لأفراد الجالية المغربية بالخارج، وخصوصا من أوروبا الغربية التي تأوي أزيد من مليوني مهاجر، حيث تزدحم الطرق بالسيارات المرقمة في الخارج وترفع المؤسسات المالية والمحلات التجارية والسياحية يافطات تخص هذه الفئة الحاملة للعملات الصعبة بالترحاب، متنافسة على خطف زبائن لهم القدرة على تمويل عطلة مرفهة محققة الرغبات.

وبينما كانت المدن الشاطئية تستقطب جل زوار العطلة عبر المملكة التي تفتخر بامتداد سواحلها على الضفتين المتوسطية والأطلسية، فان السنوات الاخيرة عرفت ازدهار السياحة الجبلية والغابوية التي تتخذ طابعا أكثر هدوءا في أجواء أسرية تضامنية، حيث يتوافد الآلاف على مناطق في جبال الأطلس يتجاور فيها المناخ المعتدل مع الغطاء النباتي الكثيف وتدفق الشلالات والعيون والوديان.

وفي ظل الأولوية التي يحظى بها السياح الأجانب في بلاد نجحت في اجتياز سقف عشرة ملايين سائح سنويا وتطمح الى تحقيق عشرين مليون في أفق 2020، فان العطلة الصيفية تعد الفترة الأساسية لانتعاش السياحة الداخلية في وقت تبدي فئات مغربية واسعة امتعاضها من غياب اهتمام كاف من لدن السلطات المختصة بفسح المجال أمام استفادة المغاربة من نفس العروض الفندقية والسياحية الموجهة أساسا للأوروبيين.

نشر