الرباط، المغرب (CNN) -- عادت الساحة السياسية والدينية المغربية لتشتعل على خلفية الجدال حول إقرار مشروع "قانون البنوك التشاركية" وهي التسمية المتبعة بالمملكة للبنوك الإسلامية إذ أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيه المؤيد للقانون ضمن ضوابط محددة، بعد جلسة صاخبة شهدت جدالا حول "الوهابية" و"الربا."
ووفقا لنص القرار الذي نقلته "البوابة الوطنية" الرسمية للمغرب فقد ركز "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي" في رأيه بشكل خاص على دور وصلاحيات بعض مؤسسات الدولة، من قبيل المجلس العلمي الأعلى ومجلس المنافسة وعلاقتهما ببنك المغرب في تطبيق نص هذا القانون.
وجاء قرار المجلس بختام اجتماعه بالرباط مساء الخميس موصيا بـ"ضرورة توضيح دور وصلاحيات المجلس العلمي الأعلى وطرق تدخله في أفق بلورة مقاربة واضحة المعالم وتقاسم الأدوار بين المجلس والبنك المركزي، فضلا عن الشق المتعلق بعلاقة هذا الأخير بمجلس المنافسة في حال ظهور أي تناقض في الآراء بين المؤسستين."
وفي هذا السياق، أكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، السيد نزار بركة، في تصريح للصحافة أن "مشروع هذا القانون، المغربي كليا، يكتسي طابعا خاصا، وذلك على اعتبار أنه يعطي للمجلس الأعلى للعلماء بشكل حصري مهمة إصدار آراء المطابقة التي تتعلق بالمنتجات التشاركية".
ونقلت الصحف والمواقع الإخبارية المغربية بعض التجاذبات التي حصلت خلال الاجتماع، وبينها ما أدلى به عضو المجلس مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمية لمدينة وجدة، الذي – على الرغم من تنويهه بخطوة إحداث البنوك التشاركية، إلا أنه وجه انتقادات كثيرة لرأي المجلس، معترا أنه قد "طبعه شيء كبير من التقصير،" حسب رأيه، وذلك "لتضمنه الكثير من التخوفات والتساؤلات حول جزء من الواقع البنكي في العالم٫ والتي لم نكن ننتظر أن تأتي من مؤسسة دستورية."
وبحسب "جديد برس" فقد اعتبر بنحمزة أن هذه التخوفات "في غير محلها، وتثير اشكالات لا داعي لها" مبديا استغرابه من ذلك على أساس أنه "ليست هذه المرة الأولى التي يتعامل فيها يتعامل المغاربة مع أشياء جديدة، ولا تنقصنا الكفاءات في المملكة."
الفقيه حث في نفس المداخلة على "الحفاظ على السلم الاجتماعي الذي تعرفه المملكة،" في إشارة منه إلى كون إحداث البنوك الإسلامية مطلبا ينادي به العديد من المغاربة مبرزا "الأثر النفسي الإيجابي" الذي يمكن أن يخلفه لدى المواطن مع بسط جميع الاختيارات التمويلية أمامه ليختار أي منتج يريده.
أما صحيفة "هسبريس" المغربية الواسعة الانتشار فقد أشارت إلى أن الاجتماع شهد مشادة بين بنحمزة والحقوقية حكيمة الناجي، عضو المجلسـ والتي تخوفت في مداخلة لها مما اعتبرته "هجوما وهابيا محتملا وخطيرا على المغرب." كلام الناجي اعتبره العلامة بنحمزة موجها إليه، مقررا الانسحاب من اجتماع الدورة، بعد أن خاطبها بالقول "لا نريد أن نسمع ألفاظا توجه لنا بالوهابية بل نحن مغاربة ونبني أحكامنا على القرآن"، مردفا أنه "لا يمكن مواجهة كل من يتحدث عن الربا على أساس أنه وهابي".
وقال في هذا السياق "إذا كان القرآن وهابيا قولوها لينا"، مضيفا "قلنا لكم أن المغاربة لا يحبون التعامل بالربا والعلماء لا يكذبون عندما يقولون إن البنوك التشاركية تغيب فيها الربا وهذه ليست بلاغة بل هي واقع.. نحن علماء نناقش في احترام ولا يجب أن يعتبر أي أحد أنه لوحده في البلاد."
وكان مشروع القانون قد أدى منذ أسابيع إلى خلاف سياسي على سطح الأحداث في المغرب بين رئيس الحكومة، عبدالإله بن كيران، الذي ينتمي إلى تيار إسلامي، وبين رئيس مجلس المستشارين، الذي يشكل الغرفة الثانية في البرلمان، محمد بيدالله، وبدأت القضية في يونيو/حزيران الماضي، بعد إقرار الغرفة الأولى في البرلمان (مجلس النواب) لمشروع تلك البنوك، وتبع ذلك إحالة بيدالله المشروع قبل أيام إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو مؤسسة دستورية استشارية، ما أدى إلى تجميد مناقشة المشروع داخل لجنة المالية بالغرفة الثانية.
وأثارت الخطوة حفيظة رئيس الوزراء، بن كيران، وحزبه "العدالة والتنمية" إذ اعتبرا الخطوة محاولة لتأخير صدور المشروع وهو ما عد من طرف حزب العدالة والتنمية حيلة تشريعية لتمديد أمد مناقشة المشروع وتأخير صدوره.
وترافقت تطورات قانون المصرفية الإسلامية في المغرب مع مقال تحليلي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية حول الملف قالت فيه إن المغرب يرغب من خلال القانون في اجتذاب رؤوس أموال خليجية وتوفير استثمارات لمواجهة البطالة، كما قد يلعب دورا إيجابيا في إنشاء مؤسسات قادرة على تمويل الشركات والمشاريع الصغيرة.
وقالت الصحيفة إن رغم التفاؤل الذي يعم الأجواء حول ما قد يحققه المغرب جراء الانفتاح على التمويل الإسلامي إلا أنه نبهت إلى أن النتائج الإيجابية لهذه الخطوة قد تستغرق بعض الوقت، مضيفة أن المملكة قررت السير في هذا المشروع بالتزامن مع إجراء إصلاحات اقتصادية في أعقاب موجة "الربيع العربي."