هذا المقال، كتبه عمر الشنيطي، المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار، وهو يعبر عن رأيه ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشبكة.
(CNN)-- شهدت العقود الأخيرة في مصر تحولات اقتصادية كبيرة حيث كانت الدولة تلعب الدور الرئيسي في تحريك الاقتصاد في خمسينات وستينات القرن الماضي، ثم ما لبث أن تغير ذلك بإنفتاح السبعينات، والذي أعقبه فترة من التأرجح الاقتصادي، حتى برز دور القطاع الخاص وأصبح محوريا بداية من التسعينات. وقد كان لثورة ٢٥ يناير وما بعدها من اضطرابات أثرا بالغاً في زيادة القلق لدى رجال الأعمال والذي فضلوا التراجع والإنتظار حتى تستقر الأوضاع، وهو ما إنعكس على نسب النمو المتواضعة في السنوات الثلاث الأخيرة.
ومع وصول رئيس ذا شعبية جارفة لسدة الحكم، كان من المفترض أن ينتفض القطاع الخاص ليعاود نموه، لكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث أن حالة الترقب لم تنته بعد، وهو ما عبر عنه على إستحياء العديد من رجال الأعمال البارزين في مناسبات عديدة.
وفي هذا الصدد تبرز العديد من الأسئلة الاستراتيجية التي تجوب في عقول رجال الأعمال بدون إجابات واضحة ومقنعة. ويمكن تلخيص هذه الأسئلة فى سبعة محاور رئيسية:
المحور الأول: الوضع السياسي:
محليا، هل ستحدث تسوية سياسية مع معارضي النظام تؤدي إلى استقرار سياسي وأمني بشكل مستدام؟ واذا لم تحدث تسوية، هل من المتوقع أن نشهد أعمال عنف واسعة تتبناها تنظيمات مسلحة؟ وما هو تأثير أعمال العنف على السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر؟ وما هو أثر هذه الاضطرابات على معدلات النمو والبطالة؟
أما إقليميا، فما هي تداعيات ظهور تنظيمات مسلحة بشكل واسع مثل داعش؟ وما هو أثر الاضطرابات السياسية في ليبيا؟ وهل ممكن أن تتدخل مصر عسكريا في الصراع الليبي؟ وهل ممكن أن نتورط في حرب إقليمية؟ وهل سيكون لذلك مردود اقتصادي إيجابي مثل حرب الخليج، أم مردود سلبي مثل حرب اليمن؟
المحور الثاني: الطاقة:
ما هي خطة الحكومة لمواجهة أزمة الطاقة الحادة التي شهدتها مصر مؤخرا، والتى كان لها أثر سلبي كبير على القطاعات المختلفة وخاصة الصناعية؟ وهل ستستطيع الحكومة زيادة إنتاج الطاقة بشكل سريع ومتواز، مع حجم الإستهلاك المتصاعد؟ وماذا سيكون أثر رفع أسعار الطاقة على الصناعات المختلفة؟ وهل سيؤثر ذلك على تنافسية الصناعات المحلية كثيفة الإستهلاك للطاقة؟
المحور الثالث: دور المؤسسة العسكرية:
ما هو دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد؟ وهل التمدد في الأنشطة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية سيستمر؟ أم أن ما يحدث مجرد ظاهرة وقتية؟ ما أثر مزاحمة المؤسسة العسكرية للقطاع الخاص؟ هل يستطيع القطاع الخاص منافسة المؤسسة العسكرية في السوق؟ وما هو حجم مشاركة القطاع الخاص في المشروعات الكثيرة التي يتم ترسيتها بالأمر المباشر من الحكومة للمؤسسة العسكرية؟
المحور الرابع: التعامل مع القطاع الخاص:
هل ستظل النظرة الدفينة من قبل الدولة والقائمين عليها للقطاع الخاص أنه قطاع غير وطني ويعمل لمصلحته فقط؟ وهل سيظل رجال الأعمال مطالبين بالتبرع للدولة من وقت لآخر بدون سابق إنذار؟ وهل هذه التبرعات نوعا من مطالبة رجال الأعمال بتطهير الذات من أخطاء الماضي الأليم؟ وإذا كانت هناك أخطاء ماضية، فلماذا لا يتم تسويتها رسميا وغلق صفحة الماضي بشكل قانوني؟ وإذا كانت الحكومة ترى رجال الأعمال محتكرين، فلماذا لا يتم تفعيل قوانين محاربة الإحتكار بشكل فعال؟ وإذا كانت تراهم مبالغين في أرباحهم، فلماذا لا يتم زيادة الضرائب حتى تحد الحكومة من أرباح القطاع الخاص بشكل رسمي وواضح؟
المحور الخامس: المشروعات القومية:
هل سيتحول الوضع من الاعتماد على القطاع الخاص لتحريك الاقتصاد إلى الاعتماد على مشروعات قومية عملاقة تطلقها الحكومة بتمويل الأفراد؟ هل يمكن فعلا أن تطلق الحكومة هذا الكم الهائل من المشروعات القومية التي تتحدث عنها في المستقبل القريب؟ ما هو أثر تمويل هذه المشروعات على السيولة في القطاع المصرفي؟ وهل سيجد رجال الأعمال سيولة كافية وبفائدة منطقية لتمويل مشروعاتهم أم أن عليهم أن يدبروا التمويل اللازم من رؤوس أموالهم بالكامل؟
المحور السادس: سعر الصرف:
ما هو مستقبل المساعدات الخليجية وكذلك الاستثمارت المرتقبة؟ ولماذا حدث تباطوء في المساعدات الخارجية مؤخرا؟ إلى متى سيصمد سعر صرف الجنيه في ضوء الفجوة الكبيرة بين مصادر وموارد الاقتصاد من العملة الصعبة؟ وهل ستكون العملة الصعبة متوفرة في السوق بشكل رسمي، بحيث تستطيع الشركات متابعة أعمالها بسلاسة؟ أم أن السوق الموازية للعملة ستتمدد وعلى الشركات التعايش مع ذلك؟
المحور السابع: الضرائب:
مع عجز الموازنة المتصاعد، هل ستلجأ الحكومة لرفع الضرائب بشكل كبير ومفاجئ في الفترة المقبلة؟ وما هو أثر ذلك على ربحية الشركات؟ وهل هناك احتمال أن تلجأ الحكومة لفرض ضريبة إستثنائية على ثروات رجال الأعمال الكبار؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع رجال الأعمال المتأخرين في السداد أو المعترضين على الضرائب المقدرة؟
الخلاصة أن الاقتصاد المصري له سمات مميزة، كضخامة الإستهلاك المحلي، واتساع القطاع غير الرسمي، تجعله قادرا على تحمل الأزمات الاقتصادية بشكل كبير، وتجعل تعافيه أملا دائما. فما أن تستقر الأوضاع لأسابيع قليلة إلا ونسمع عن استثمارات من شركات محلية وكذلك رغبة من شركات أجنيبة للاستثمار في مصر، خاصة في القطاعات الدفاعية، الأقل تأثرا بالأزمات الاقتصادية، مثل التعليم والصحة والأغذية. لكن هذه الأخبار الإيجابية لا تتحول سريعا لإنجاز على الأرض ولعل السبب في ذلك هو عدم وضوح المشهد العام سياسيا واقتصاديا، والذي يدفع المستثمرين لتأجيل استثماراتهم حتى تتضح الرؤية، مما يجعل من الضروري إسراع الحكومة بتقديم إجابات واضحة ومقنعة على الأسئلة الكثيرة التي تراودهم. كما يجب إستيعاب أن النمو المنشود من المشروعات القومية العملاقة، شديدة المخاطرة، قد يصاحبه تراجع من القطاع الخاص، ومن ثم إبقاء الاقتصاد في غياهب الركود، إذا ظلت هذه الأسئلة الإستراتيجية طويلا بدون إجابات.
هذا المقال كتبه المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار، عمر الشنيطي، وهو يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.