دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ضمن سعيه لاستبدال مبدأ التمويل مقابل الفائدة الربوية، يطرح الاقتصاد الإسلامي مجموعة من العقود التي يراد منها حل مشاكل التمويل، ومن أبرز تلك العقود عقد "الاستصناع" وما قد يتبعه من "الاستصناع الموازي" وهو من أهم صيغ حل مشكلة نقص السيولة لدى أصحاب المشاريع.
الاستصناع هو عقد مقاولة يطلب من خلاله الطرف الأول (المستصنع) من الطرف الثاني الذي يدعى (الصانع) صنع أو بناء مشروع يضاف إليه ربح يدفع مسبقا بصفة مجزأة أو لأجل. و يتعلق الأمر بصيغة تشبه عقد السلم مع الفرق أن موضوع الصفقة هو التسليم و ليس شراء سلع على حالها، و لكن مواد مصنعة تم إخضاعها لعدة مراحل لتحويلها.
وعقد الاستصناع جائز عند جمهور فقهاء الشريعة وقد ثبت أن النبي محمد قد استصنع خاتما ولكن اختلفت المذاهب الفقهية في جواز بعض صوره. ويمكن أن يتدخل في صيغة الاستصناع المستعملة من طرف البنوك الإسلامية ثلاثة أطراف إلى جانب البنك، صاحب المشروع، والمقاول في إطار استصناع مزدوج.
أما أهمية هذه الصيغة التمويلية فتكمن في أنها تسمح للبنك الإسلامي بالمساهمة في أشغال البناء والتركيب والانتهاء من أعمال الكبرى. كما أنه يساعد على تمويل بناء منشآت الانتاج والنقل والاستهلاك بناء على طلب المستخدمين والبائعين، كما أنها توفر حلا بديلا يتوافق مع تعاليم الإسلام إلى تقنية التسبيقات على الصفقات العمومية بموجب أسلوب الاستصناع المزدوج.
ولكي يتمتع عقد الاستصناع بالصيغة الشرعية يتوجب تطبيق عدة شروط بينها أن هامش ربح البنك يبرر بصفته مقاول مسؤول عن إنجاز أشغال متعلقة بإنجاز مشروع موضوع العقد، و يكون هذا التدخل إما مباشرة او تكليف مقاول آخر ، كما يجب أن ينص العقد على عمل تحويل مادة أو منتج نصف مصنع أو مكونات منتج قابل للاستعمال.
ويجب أن يحدد في العقد نوعية وكمية وطبيعة وخصائص الشيء الواجب صنعه، وفي حال عدم مطابقة المشروع المنجز يمكن للمستصنع أن يرفض الاستلام ويفسخ العقد على حساب الصانع ، ويصبح المستصنع مالكا للمشروع عند التوقيع على العقد.
ويعرف الباحث محمد أيوب في كتابه "النظام المالي في الإسلام" عقد الاستصناع بالقول إنه "عقد خاص يتعاقد فيه على بيع السلعة قبل أن تصبح موجودة" ويقول الفقيه المعروف وهبة الزحيلي: "تطور الاستصناع في الفقه الإسلامي تاريخيا بسبب الحاجات بمجالات العمل الحرف والمنتجات الجلدية والأحذية والتجارة وسواها، غير أنه أصبح في الحقبة الحديثة أحد العقود التي تيسر القيام بمشاريع بنية تحتية كبيرة وصناعية كبرى مثل بناء السفن والطائرات والآلات الكبيرة."
ويمكن تطبيق هذا النوع من العقود في مجال الإسكان مثلا، فإذا قرر مقاول ما بناء مساكن دون أن يكون لديه ما يكفي من المال، وقرر شخص ما في الوقت نفسه شراء شقة دون أن يكون لديه ما يكفي من المال عندها يقوم البنك والراغب في شراء الشقة بالدخول في عقد استصناع مع المالك لتمويل المشروع، ويمكن استخدام الطريقة نفسها لتمويل مشاريع مماثلة لتصدير السلع والخدمات.
ويسمح عقد الاستصناع للبنوك الإسلامية بالمشاركة بفاعلية في الاقتصاد سواء بكون المصرف صانعا أو مستصنعا، فعبر أداء دور الصانع يتمكن المصرف من المشاركة في الصناعة والمقالات الكبيرة، مثل المساكن والطرقات والسن والطائرات، وهي قطاعات توفر له أرباحا كبيرة، أما بكونه مستصنعا، فذلك يكون عبر توفير التمويل المبكر لأصحاب المصانع بما يسهل عملهم ويضمن عدم كساد بضائعهم.
وهناك حالة أكثر تطورا من الحالتين تعرف بـ"الاستصناع الموازي" ويكون فيها المصرف الإسلامي صانعاً ومستصنعاً في آن كأن يتعاقد مع جهة لتوفير منتج ما ثم يتعاقد مع جهة أخرى لصنعه، ويشترط في هذه الحالة التأكيد على وجود عقدين منفصلين مع كل طرف لضمان عدم وقوع ربا.
ويرى الباحث حسام الدين خليل أن عقد الاستصناع يمكن أن يستخدم كوعاء ادخاري، وذلك عندما يمول عمليات الاستصناع من ماله الخاص، أو من أموال المودعين الاستثمارية، أو يكون في ذلك وكيلا لجهة أخرى من خلال عمولة معينة، ما يجعل من هذه الصيغة صيغة بديلة عن الأوعية الادخارية الربوية، بحيث تتوجه إلى هذا الوعاء الادخاري الشرعي مدخرات الأفراد من خلال إنشاء صندوق خاص بذلك في صورة صكوك متساوية القيمة، يتولى البنك إدارته نيابة عن المشاركين وتوزيع أرباح عليهم.
ويشير خليل إلى عدة مشاريع تنموية استخدمت فيها صيغ الاستصناع من قبل المصارف الإسلامية، وبينها تطوير وتوسعة جامعة "إيان سونان كاليجاغا" الإسلامية في مدينة يوغياكارتا الإندونيسية، وكذلك مركز العلاج بالأشعة من الأمراض السرطانية في دولة سورينام، وتمويل مشاريع صرف صحي بالمغرب وتطوير للبنية التحتية بالعاصمة اللبنانية، بيروت.