الجزائر (CNN)-- لا يمكن أن تتصفح جريدة أو موقعًا إلكترونيًا في الجزائر إلا وتقع عينك على موضوع يومي صار يشغل تفكير الشارع الجزائري وهو ما يتعلق بالصراع القائم بين رجل الأعمال يسعد ربراب والاتهامات التي طالته من وزير الصناعة، عبد السلام بوشوارب، بعقد صفقات مشبوهة وخدمة مصالح أجنبية، الأمر الذي جعل ربراب يخرج عن صمته ويدلي بتصريحات نارية كشف خلالها عن استهداف السلطة له وبحثها عن زجه في السجن لتحطيمه وتحطيم كل المشاريع الاستثمارية له في الجزائر وخارجها.
يسعد ربراب صاحب 69 عاما المنحدر من مدينة تيزي وزو، واحد من بين أغنى أغنياء إفريقيا حسب تصنيف مجلة "فوربيس"، بدأ حياته كمحاسب قبل أن يفتح مكتب خبير محاسبة وكان يصل معدل مرتبه الشهري إلى قرابة 80 دولار شهريا وهو في سن 25، قبل أن يقرّر خوض غمار مجال الأعمال ويصبح اليوم "إمبراطور" السكر والزيت في الجزائر وينجح في إنقاذ عدة مؤسسات أوروبية من شبح الإفلاس في صورة شركة "أوكسو" للأثاث و"فاغور برانت" في مجال التجهيزات الكهرومنزلية وأخيرا شركة "لوشيني" للحديد والصلب الإيطالية، ليتحالف أيضا مع العملاق الكوري الجنوبي "سامسونغ" وتمثيل حري لعلامة السيارات "هيونداي" في الجزائر.
كبر رأس مال يسعد ربراب واكتساحه عالم المال والأعمال جعل الشكوك تحوم من حوله وحول الجهة التي تدعمه، لأن المحيط الذي تعرفه الجزائر خاصة في مجال الاقتصاد والتجارة ينبغي لأي شخص يمارسه إلا وتكون هناك جهة في السلطة تدعمه وإلا سيكون مصيره الإفلاس نظرا للبيروقراطية التي كثيرا ما سعى الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لإعلان الحرب عليها في عدة مناسبات، وطبعا حلقة البيروقراطية هي التي فجرت الأوضاع بين ربراب والسلطة ممثلة في وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب.
وعن الخلافات التي حدثت بين "الملياردير" والسلطة يوضح الباحث في العلوم السياسية والإقتصادية بلقاسمي عبد النور لـ"CNN" بالعربية أن المشكلة تعود إلى سنة 2010 مضيفًا :"حينما أراد ربراب بعث مشروع استثماري في بجاية الساحلية وبالضبط في "رأس جنات" يضم مركبا للسيارات والحديد والصلب وميناء ومنشآت صناعية أخرى وقدم طلبه للسلطات الوصية لقي عرقلة منها وبقي المشروع حبيس الأدراج ما جعل الأمور تتوتر بين الطرفين ويطلق ربراب انتقادات شديدة اللهجة في حق السلطة المختصة".
وأضاف محدثنا أن العرقلة التي لقيها ربراب جعلته ينسحب من منتدى رؤساء المؤسسات الذي كان يرأسه، مستطردا :"لكن في المقابل مشاريعه الاسثتمارية خارج الجزائر كبرت وصار يقلق البعض في البلاد لتشتعل فتيل النيران في الفترة الأخيرة لا سيما لانتقاداته السلطات العمومية متهما صناع القرار في البلاد بعرقلة مشاريعه الاستثمارية ووضع شروط تعجيزية من تراخيص الاستراد والإستثمار، وهذا ما دفع وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب ينتقده ويفتح النار عليه عبر وسائل الإعلام خاصة فيما تعلق بالصفقات التي عقدها مع شركة "فاغور برانت" في مجال التجهيزات الكهرومنزلية".
هذا وكان وزير الصناعة والمناجم الجزائري بوشوارب قد فتح النار على رجل الأعمال ربراب في ندوة صحفية عقدها على هامش أشغال الاجتماع التاسع للجنة الثنائية الجزائرية – التونسية قال خلالها :"ربراب حاول استيراد عتاد قديم من مصنع المنتجات الإلكترومنزلية "برانت" في فرنسا التابع لمجموعته الاستثمارية "سيفيتال" بمبلغ 5.7 مليون أورو وإعادة بيعه في الجزائر عن طريق فرع شركته داخل الوطن وقيمته الحقيقة لا تفوق 2 مليون أورو على أساس أنه جديد ولكن في الأصل هو قديم وهذا ما يضر بالاقتصاد الوطني ويخدم مصالحه الخاصة في تجديد عتاده بفرنسا مقابل الاستفادة من أموال ضخمة ودعم من الدولة وهذا مرفوض".
تصريحات بوشوارب أشعلت فتيل النار أكثر بين الملياردير والسلطات العمومية بدليل أن ربراب اتهم أجهزة الأمن بنشر مذكرة توقيف في حقه حين دخوله الجزائر، خاصة بعد تصريحاته لموقع "كل شيء عن الجزائر" –الناطق باللغة الفرنسية- وقوله "إن الحكام الحاليون هم أكبر خطر على البلاد وبأن النظام يريد إسكاتي.. فبدل أن تتصل السلطات به للحوار والحديث عن مستقبل البلاد تخلق له العراقيل لتحطيمه وتحطيم مستقبل الجزائر".
وكان وزير الإتصال حميد قرين والمدير العام للأمن الوطني، اللواء عبد الغني الهامل، قد نفيا جملة وتفصيلا أقوال ربراب خاصة مسؤول الأمن الذي كشف أنه لم يصدر أي قرار في حق رجل الأعمال الجزائري، متحدثًا أن "ادعاءاته افتراء".
وعما إذا كان للتغييرات التي قام بها بوتفليقة على مستوى أجنحة نظام الحكم خاصة بعد تخليه عن مدير المخابرات أحمد مدين أو "الجنرال توفيق"، فضلا عن ما قام به من تغييرات على أجهزة العدالة والسلطات المحلية، لها علاقة بما يحدث مع ربراب، لا سيما وأن بعض المصادر أكدت العلاقة القوية والمتينة التي تجمع ربراب بالجنرال توفيق، فقد قال الخبير في العلاقات الإقتصادية والشأن الأمني بومعراف لـ"CNN" بالعربية :" شكوى ربراب من تضييق السلطة عليه ما هي إلا حرب اقتصادية تدخل في إطار الحملة التي باشرها منذ مدة الرئيس بوتفليقة حول محيط النظام".
مضيفا :"كنا إلى وقت قريب على وشك دخول ربيع عربي مع أزمة السكر والزيت التي شهدتها الجزائر وأغلب البلدان العربية في يناير من سنة 2011، ووقتها وإلى اليوم ربراب يعتبر "بارون" هذه المواد في الجزائر، فكيف في ذلك الوقت الدولة تدعمه بالمال وتعفيه من الضرائب وحينما خلق ثروة بأموال الشعب أراد أن يبين نفسه ضحية، وهذا في نظر العارفين نكران لجميل البلاد الذي رعته وحمت مصالحه، بينما هو لم يراع مصلحة الشعب والبلاد".
ويتضح من خلال الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا تضييق واضح على ربراب من خلال موافقتها على عدة مشاريع خاصة بإنتاج مادة السكر التي احتكرتها شركة "سيفيتال" المملوكة للرئيس المدير العام يسعد ربراب، وتم منحها لمجمع "معزوز" ومؤسسات خاصة أخرى، ليبقى مصير ربراب معلقا بين حلين إما الحرب ستتواصل مع ربراب أو سينحني هذا الأخير حتى لا ينقسم ظهره من الرياح العاتية التي تهب على محيط شركاته.