عمر الشنيطي يكتب: النفط حائر بين السعودية وإيران

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عمر الشنيطي
عمر الشنيطي يكتب: النفط حائر بين السعودية وإيران
خطوط أنابيب تصدير النفط في منشأة النفط بجزيرة خرج، على شاطئ الخليجCredit: STR/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

بدأ سعر الذهب الأسود في الانخفاض منذ عامين حتى فقد ما يقارب ٧٠٪ من سعره في نهاية ٢٠١٥. وقد فسر البعض ذلك بزيادة المعروض عالميا نتيجة التوسع في إنتاج الغاز الصخري وكذلك زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في الوقت الذي تراجع فيه مستوى الطلب العالمي بسبب تباطؤ النمو في أوروبا وهو ما انعكس على تراجع معدلات التصنيع في الصين. في خضم تلك المتغيرات، زاد إنتاج إيران بعد إبرامها للاتفاق النووي. توقع العالم أن تقوم الأوبك بتخفيض الإنتاج كما هو معتاد للحفاظ على مستويات الأسعار لكن ذلك لم يحدث بل أكدت السعودية على استعدادها لتحمل أسعار شديدة الانخفاض بغية الحفاظ على حصتها السوقية غير أن البعض رأى في ذلك حربا اقتصادية على منتجي الغاز الصخري وكذلك حربا سياسية على إيران التي لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة.

مع الانخفاض الحاد في الأسعار، تكبدت الدول المصدرة خسائر كبيرة. بعض هذه الدول مثل نيجريا وفنزويلا أصبحت في أزمة حرجة والبعض الآخر مثل دول الخليج اعتمد على الاحتياطيات المتراكمة لمجابهة العجز المتصاعد. لكن ذلك الانخفاض كان من المفترض أن يدفع النمو العالمي ويحدث طفرة في الدول المستوردة، حيث توقع صندوق النقد الدولي أن كل ٢٠ دولار انخفاض في الأسعار من المفترض أن يؤدي لزيادة النمو العالمي بما يقارب ٠٫٥-١٪ وهو ما يعني أن ذلك الانخفاض كان من المفترض أن يؤدي لزيادة في النمو تقارب ٢-٤٪ لكن الواقع أتى مغايرا للتوقعات حيث أن الدول المصدرة شهدت تراجعا كبيرا في معدلات النمو مما انعكس على تراجع استثماراتها الخارجية التي كانت تعد مصدرا هاما للنمو لكن في الوقت نفسه ظلت الدول المستوردة في حالة حذر خوفا من معاودة ارتفاع الأسعار ولم يرتفع الاستهلاك المحلي فيها بالشكل المتوقع مما جعل الاستفادة الإجمالية محدودة على مستوى الاقتصاد العالمي.

***

استمرت الأسعار في النزيف حتى وصل البرميل لما دون ٣٠ دولار. لكن سرعان ما عاودت في الارتفاع حيث أظهرت البيانات أن الاقتصاد العالمي أفضل مما كان متوقعا وظل الاقتصاد الصيني متماسكا مما زاد الطلب على البترول عالميا. على صعيد العرض، تراجع إنتاج الغاز الصخري في ظل الأسعار المنخفضة والتي لا تكاد تغطي تكلفة الإنتاج، كما تراجعت شركات البترول العالمية عن الكثير من المشروعات التوسعية. وأدى التوجه التقشفي في الدول المصدرة لاعتصامات أثرت على مستويات الإنتاج كما حدث مؤخرا في الكويت حيث أضرب العمال اعتراضا على المساس بمميزاتهم. زيادة الطلب وتراجع العرض كانا كفيلين بدفع الأسعار للزيادة لما فوق ٣٠ دولار للبرميل وبدأ مصدرو البترول في تنفس الصعداء. لكن مصدري البترول الذين أصبحوا يعانون من عجز تاريخي أدركوا أن عليهم فعل المزيد لرفع الأسعار وبدأ الحديث عن اجتماع مرتقب في الدوحة لمناقشة تجميد الإنتاج عند مستويات يناير الماضي.

التحضير لاجتماع الدوحة كان جيدا مع الكثير من التطمينات على أن السعودية ستوافق على تجميد الإنتاج. تلك التوجهات تم تسريبها عدة أسابيع قبل الاجتماع وهو ما أعطى ثقة في امكانية الوصول لاتفاق مما كان كافيا لتعزيز التوقعات وبالفعل زادت الأسعار حتى تخطت حاجز ٤٠ دولار للبرميل مع توقع المزيد من الارتفاع قبل نهاية العام. لكن الاجتماع المرتقب جاء مخيبا للآمال، فإيران لم تعبأ بالحضور من الأساس في إشارة واضحة على عدم الرغبة لمناقشة تجميد الإنتاج وأنها عازمة على زيادة إنتاجها واستعادة حصتها السوقية بعد أعوام من العزلة. أما السعودية والتي كان متوقعا أن توافق على تجميد الإنتاج، طلبت أن تقوم إيران أيضا بتجميد إنتاجها وكذلك بعض الدول المصدرة خارج الأوبك فيما بدا مستحيلا. وانتهى اجتماع الدوحة بدون اتفاق في ظل جو من الاحباط حول فشل الأوبك في الدفاع عن الأسعار. فانتهى الحال باجتماع الدوحة أن كان سببا في انخفاض الأسعار مجددا بعد أن كان مقصودا به رفع الأسعار التي كانت قد بدأت بالفعل في الزيادة، حتى ان سعر البترول في اليوم التالي للاجتماع قد انخفض بقرابة ٧٪.

***

التطورات الأخيرة في أسواق النفط خاصة اجتماع الدوحة لها دلالات عديدة. أولا، سوق البترول أصبح ملعبا مفتوحا للصراعات السياسية حتى أن تلك الصراعات أصبحت هي العامل الرئيسي في تحديد أسعار البترول. السعودية كانت لتوافق على تجميد الإنتاج غير أن تركيز المملكة منصب الآن على الصراع مع إيران في وقت يخوض فيه البلدان حربا بالوكالة في اليمن وسوريا ويتجلى هذا الصراع بشكل مباشر في سوق النفط. السعودية تبدو على استعداد لتحمل خسائر تاريخية في تصدير البترول حتى تلحق الضرر بإيران والتي لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة مثل السعودية صاحبة الاحتياطيات الكبيرة. ثانيا، أن الأوبك فقدت الكثير من قدرتها على التأثير في أسعار النفط في ظل الصراع المحتدم بين السعودية وإيران -- عمر الشنيطي مما حد من قدرة الأوبك للوصول لاتفاق مما يؤثر على مستقبل الأوبك كمؤسسة فاعلة. ثالثا، الغاز الصخري ومصادر الطاقة البديلة أصبحت تلعب دورا كبيرا ولن يختفي هذا الدور حتى في ظل أسعار البترول المنخفضة حيث أن تطور التكنولوجيا جعل مصادر الطاقة البديلة أرخص اقتصاديا من ذي قبل وإنتاج الغاز الصخري يستطيع أن يتواكب مع مستوى أسعار متوسط.

سوق النفط العالمي يشهد تغيرات كبيرة بينما السعودية في موقف حرج حيث تحارب غريمها التقليدي إيران في معركة حياة أو موت تشمل حروبا بالوكالة في المنطقة وكذلك حربا مباشرة في سوق النفط مما يؤثر سلبا على أسعار البترول التي تنزف مع عدم قدرة دول الأوبك على الوصول لاتفاق بتخفيض أو حتى تجميد الإنتاج. من المتوقع أن تستعيد أسعار البترول جزءا من خسائرها في السنوات القادمة غير أنه من المرجح أن تظل مستويات الأسعار منخفضة نسبيا على المدى المتوسط. وستزداد أهمية النفط كسلاح استراتيجي في المرحلة القادمة غير أن الإفراط في استخدام ذلك السلاح سيفقده جزءا كبيرا من فاعليته والتي بالفعل تراجعت مع تطور مصادر الطاقة الأخرى.