مقال لجون ديفتيريوس، محرر شؤون الأسواق الناشئة في شبكة CNN، يتناول فيه القرارات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتداعياتها الاقتصادية الممكنة.
(CNN) -- سبع دول هي تلك التي حددها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وخصّها بقرار رئاسي في الأيام العشر الأولى لرئاسته حظر بموجبه دخول مواطنيها إلى الأراضي الأمريكية.
اليوم، باتت معرفة أسماء تلك الدول أمرا سهلا بالنسبة لمن يتابع الصحافة أو نشرات الأخبار، فهي إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن، وهي كلها – باستثناء إيران – تواجه حاليا، أو واجهت مؤخرا، صراعات مسلحة على أراضيها، ولكن السؤال يبقى: هل تمثل حقا خطرا على الولايات المتحدة؟
البيت الأبيض كان قد سارع إلى الإيضاح بأن قائمة الدول تلك كانت قد وضِعت خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، مضيفا أن الإدارة السابقة كانت قد اعتبرتها "دول بحاجة للمراقبة"، دون أن يصل الأمر سابقا إلى حد إصدار حظر سفر كما هو الحال عليه الآن.
إكسون موبيل في العراق.. كيف تتصرف شركة وزير خارجية أمريكا بعد حظر ترامب؟
وفي هذا الإطار، أثار القرار الكثير من التساؤلات حول مستقبل الروابط بين أمريكا والشرق الأوسط، ومن ورائه العالم الإسلامي الأكبر بسكانه الذين يتجاوز عددهم المليار نسمة.
لنبدأ بالعراق، حيث كانت القوات الأمريكية منتشرة على أرضه منذ عام 2003. الرئيس دونالد ترامب تحدث عن هذا البلد في مناسبتين، الأولى عبر قناة ABC-TV والثانية خلال زيارة إلى المقر الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية CIA، حيث قال إن واشنطن كان عليها أخذ نفط العراق والاحتفاظ به بعد الغزو، قبل أن يعود ويستطرد بالقول "ربما تُتاح لنا فرصة أخرى."
تصريحاته تلك دلت على إمكانية حصول تدخل إضافي منه في العراق، وهذا استدعى ردا فوريا من رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي صرّح قائلا: "النفط العراقي هو ملك الشعب العراقي بموجب الدستور وكل ما يخالف ذلك غير مقبول."
"صدفة" غيرت حياتها من لاجئة فلسطينية إلى رائدة أعمال أمريكية
تعليقات العبادي اعتبرت ردا حازما ومنطقيا، ولكن رئيس الوزراء العراقي امتنع عن الدخول في مواجهة تصعيدية مع ترامب رغم دعوات أعضاء البرلمان التي طالبته بذلك.
هناك الكثير من الأمور على المحك بالعراق. أحد المسؤولين العراقيين قال لي إن تصريحات مماثلة من الرئيس ترامب كفيلة بضرب ثقة الحلفاء، وخاصة أولئك الذين شهدت مسيرتهم الكثير من المعاناة، مثل العراق. فعلى سبيل المثال، كان هناك تعاون بين العراق وأمريكا في الحرب على تنظيم داعش بالموصل، وقد كانت بغداد تأمل في أن تزيد الإدارة الأمريكية الجديدة من دعمها لها بهدف طرد التنظيم خارج العراق.
وإلى جانب الشأن الأمني، هناك المصالح التجارية الاستراتيجية، والتي تحدث عنها ترامب بإشارته إلى النفط العراقي، فالعراق يمتلك خامس أكبر احتياطي مؤكد من النفط في العالم مع 143 مليار برميل، وقد كان الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل، ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الجديد الذي اختاره ترامب، من بين أوائل الذين سارعوا لاقتناص فرصة الاستثمار فيه.
تيلرسون عقد شراكة لتأسيس مشروع مشترك مع "شل" في جنوبي العراق باستثمارات بلغت 50 مليار دولار، وبعد ذلك بعامين دخل إلى المنطقة الكردية في شمال البلاد خلافا لرغبة الحكومة المركزية في بغداد، ونتيجة لذلك وافق لاحقا على خفض حصته في المشروع جنوب البلاد من 60 في المائة إلى 25 في المائة.
وقد علق جون روبر، رئيس مجلس إدارة نادي دبي للنفط، على ذلك بالقول في مقابلة سابقة لي معه: "أعتقد أن قرار إكسون موبيل العمل في شمال العراق أثار استغراب الكثيرين ولكن حقيقة الأمر في أن شركة إكسون موبيل لديها ما يكفي من القدرة والمهارة للمشاركة في المشروعين."
لكن هناك الكثير من الأمور التي يجدر بالمرء التفكير بها بما يتجاوز قضية النفط. الكثيرون يتوقعون أن يكون دونالد ترامب "رئيسا عمليا" بمعنى أنه حازم في قراراته ولكنه في الوقت نفسه مستعد لإيجاد أرضية مشتركة مع الآخرين تسمح بعقد الصفقات، لكن طريقة تحركه المستوحاة من عالم الأعمال قد لا تنفع في عالم السياسة الذي يحتاج للكثير من الهدوء والصبر.
لؤي الخطيب، الباحث في مركز بروكنجز الدوحة، قال إن الأيام الأولى لترامب في البيت الأبيض ذكرته بدوره السابق في برنامج تلفزيون الواقع الأمريكي The Apprentice (المتدربون). مضيفا أن الرئيس الأمريكي يمارس "الألاعيب العقلية" مع دول الشرق الأوسط، مثل العراق.
في هذا المرحلة لا يبدو أن إيران والعراق لديها نية الاستعجال لإغلاق الأبواب أمام الشركات الأمريكية، فرغم تعهد إيران بنوع من "الرد" على قرار حظر السفر، إلا أن وزير نفطها، بيجان زنكنة، كان حريصا على تأكيد أن الشركات الإيرانية "لن تواجه أي حظر" بحال قررت دخول القطاع النفطي الإيراني. إيران لديها أكبر احتياطيات مؤكدة ومجمّعة للنفط والغاز بالعالم ولكن الشركات الأمريكية تحركت بحذر حيال الاستثمار على أراضيها بانتظار استيضاح موقف إدارة ترامب منها.
الحرص الزائد من الرئيس الأمريكي الجديد على الظهور يوميا في صور تجمعه بالمدراء التنفيذيين لكبرى الشركات العالمية يعكس توقه لإنجاز الأهداف التي يريدها، وقد وقّع على قرارات تنفيذية وأصدر أوامر تتيح إجراء تغييرات جذرية في القوانين التي تُنظّم بيئة الأعمال في البلاد من أجل تشجيع النمو الاقتصادي، ولهذا كان هناك حماس في وول ستريت، ولكن أولئك الذين تحدثت إليهم في المنطقة يرون أن التحدي الذي يواجهه سيتمثل في الحفاظ على المصالح التجارية مع الشرق الأوسط في ظل قراراته الأخيرة بالبيت الأبيض.
حجم التجارة بين أمريكا والعالم الإسلامي تزيد عن 220 مليار دولار وهي تنمو بسرعة، وعلينا المراقبة لنعرف ما إذا كان ذلك سيستمر في حقبة الرئيس دونالد ترامب.