هذا المقال بقلم عدنان أحمد يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا وعضو مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
المنامة، البحرين (CNN) -- قبل نحو شهر، وفي مناسبة مرور عشر سنوات على نشوب الأزمة العالمية، كتبنا مقالا ذكرنا فيه أن ذكرى الأزمة العالمية هذا العام يتزامن معها الحديث عن مواصلة الاقتصادين الأمريكي والبريطاني في تحقيق نمو مستمر، وإن كان بطيئاً، في حين بدأ اقتصاد اليورو بالتعافي وتحقيق بعض النمو. وبالتالي فان السؤال الذي يثيره الكثير من خبراء المال والاقتصاد حالياً هو: ماذا سيكون عليه وضع النظام المالي لأمريكا والدول الأوروبية عندما تلجأ حكوماتها إلى إنهاء إجراءات التيسير الكمي بما في ذلك سياسة الفائدة ما دون الصفر، خاصة بالنظر لنقاط الضعف التي لا يزال هذا النظام يعاني منها.
وقبل أيام قليلة انتهت اجتماعات الاحتياطي الفيدرالي، وكما كان متوقعا فقد أبقى سعر الفائدة دون تغيير في حين أعلن عن بدء إجراءات تقليص إجراءات التسهيل الكمي من خلال تقليص ميزانيته البالغة 4.5 تريليون دولار ابتداء من شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم ليعلن بذلك بداية النهاية للإجراءات الاستثنائية التي اتُخذت بعد نشوب الأزمة العالمية عام 2008.
كما من المتوقع أن تتجه الدول الأوروبية إلى نفس المسار العام المقبل، وسط تساؤلات عن التأثيرات المتعددة الأوجه التي سوف يخلقها الخروج من مسار التسهيل النقدي بعد أن ظلت الأسواق متعايشة معه ومعتمدة عليه لنحو عشر سنوات وكيفية الخروج منه بأقل الخسائر الممكنة، ودون أن يكون له تأثير سلبي على مسار التعافي الاقتصادي الذي تشهده الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ومصطلح "التقليص" الكمي استخدم لأول مرة بالمعنى المالي في مايو/أيار 2013 من قبل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، بن برنانكي، عندما أشار في بيان له أنه إذا تعافى الاقتصاد الأمريكي كما هو متوقع، فإن اجراءات التحفيز المالي مثل QE ستبدأ في الانخفاض.
وبدأت الصحافة المالية بسرعة باستخدام المصطلح أيضاً وأصبحت مسألة متى سيبدأ التقليص، وإلى أي مدى، موضوعاً مهماً وقوي التأثير على الأسواق المالية. والتقليص سوف يكون تدريجياً بطبيعته، ولكن حتى أدنى انخفاض في التحفيز الاقتصادي يمكن أن يكون له تأثير كبير على الأسواق.
التخفيض يمكن أن يكون عبر طريقتين. الأولى هي الانتظار لحين استحقاق السندات الممولة في تاريخ آجالها بينما الطريق الثاني هو بيع تلك السندات للقطاع الخاص. واستخدام أي من الطريقين سوف يعتمد على حجم التقليص المستهدف بصورة دورية من قبل البنوك المركزية. وربما تلجأ هذه البنوك إلى استخدام كلا الطريقتين. لكن في كل الأحوال يُعتقد أن التقليص سوف يكون له تأثير على مجموعة واسعة من فئات الأصول، عدا عن تأثيراته على العملة وأسعار الفائدة وآفاق التعافي الاقتصادي.
وقد ساد الأسواق خلال الفترة الماضية حالة من عدم اليقين حول متى، أو ما إذا كانت الحكومات ستبدأ بتخفيض التسهيل الكمي، مما أدى إلى زيادة التقلب في السوق لأن المستثمرين يحاولون التنبؤ بوقت ومقدار سحب أي دعم. في كل الأحوال يتوقع أن يستغرق بيع الديون الأميركية ما يقترب من أربع سنوات ونصف السنة، لتنتهي العملية بخفض الديون إلى مستوى 2.5 تريليون دولار.
ويعتبر خفض الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي أمرا سلبيا للنمو الاقتصادي، مع تأثير سلبي طفيف على سوق الأسهم وقد يرفع ذلك أسعار الفائدة لأن تكاليف إقراض الشركات سترتفع. وأحياناً ترتفع أسعار الذهب بسبب التحفيز الاقتصادي – وخاصة إذا اتخذ شكل طبع النقود التضخمي – وبالتالي أي أخبار عن التراجع قد تسبب هبوط الأسعار بشكل حاد. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، اتجهت أسعار الذهب إلى الارتفاع عندما واجه الاقتصاد العالمي الخطر، وهبطت عندما ولى هذا الخطر بعيداً، لذلك هذه العلاقة لم تعد بسيطة.
كذلك، فإن أسواق العملة هي أيضاً حساسة جداً للحديث عن التقليص. في حالة الولايات المتحدة، فإن التيسير الكمي جعل الدولار الأمريكي أرخص مقابل عملات العديد من الدول كما حدث بالنسبة لليورو خلال الأيام الماضية. لكن الأثر الأسوأ ينعكس على سوق السندات، نظرا إلى ما سيسببه البيع في اهتزاز أسعار السندات الأميركية والعائد عليها. مع ذلك يتوقع أن يكون تأثير التخارج من سياسة التسيير الكمي التي انتهجتها الولايات المتحدة في أعقاب الأزمة المالية العالمية طفيفا في المجالات الثلاث.
أما بالنسبة لأوروبا، فقد أبقى البنك المركزي الأوروبي مطلع هذا الشهر سعر إعادة التمويل الرئيسة عند صفر في المئة وهامش سعر الاقراض عند 0.25 في المئة، وسعر آلية الإيداع عند 0.4- في المئة، ما يعني أن على المصارف أن تدفع مقابل إيداع فائض نقدها لدى البنك المركزي الأوروبي.
كما لم يعدل البنك برنامج شراء السندات بقيمة 60 مليار يورو شهرياً حتى نهاية العام الجاري. وكما ذكرنا، تتوقع الأسواق أن يبدأ البنك بالخروج تدريجياً من إجراءات التسهيل الكمي العام المقبل.
ومع اقتراب المهلة التي حددها البنك لنفسه لتحقيق ذلك، فان عاملين رئيسيين يشكلان ضغطاً عليه للتمهل في اتخاذ القرار، الأول هو ارتفاع قيمة اليورو في الأسواق مؤخرا والثاني التضخم البطيء، وهما ما قد يبررا تمديد البرنامج، وسوف يظل البنك المركزي الأوروبي ومعه الأسواق والمحللين يراقبون التطورات للتنبؤ بالإجراءات المحتملة المقبلة.