عدنان أحمد يوسف يكتب لـCNN عن "الأزمة القادمة" من آسيا

اقتصاد
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير عدنان أحمد يوسف
عدنان أحمد يوسف يكتب لـCNN عن "الأزمة القادمة" من آسيا
رجال شرطة أمام بنك الشعب الصيني -البنك المركزي- في بكينCredit: GREG BAKER/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم عدنان أحمد يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظره ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

قبل عدة أشهر وفي مناسبة مرور عشر سنوات على اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية كتبنا مقالا سجلنا فيه ملاحظاتنا على نقاط القوة والضعف في النظام المالي العالمي التي برزت بعد مرور عشر سنوات على الأزمة، وقلنا إن النظام المصرفي الصيني يشكل ثغرة كبيرة في النظام المصرفي العالمي، فهو على مدار السنوات الماضية توسع في الإقراض إلى مستوى يتجاوز قدرته المثلى، كي يحافظ على معدل النمو المرتفع، والآن تبلغ الفجوة بين الائتمان والناتج المحلي الإجمالي في الصين نحو 30.1 في المائة، وهي الأعلى على مستوى العالم، وأعلى من نظيره الأمريكي قبل اندلاع الأزمة، وإذا كان إجمالي الديون الصينية بلغ 28 تريليون دولار، فإن السؤال الرئيسي، ماذا ستفعل السلطات المالية في الصين إذا ارتفع سعر الفائدة عالمياً؟

وقبل أربع سنوات وعند اندلاع أزمة المديونيات الأوروبية كتبنا عدة مقالات أشرنا فيها إلى توقع انتقال أزمة المديونية إلى بعض الدول الآسيوية وبصفة خاصة الصين.

واطلعنا الأسبوع الماضي على مقال في الفاينينشل تايمز يربط بين معدلات النمو الاقتصادي الصيني وبين أزمة المديونية، حيث يلاحظ المقال إن معدلات النمو الاقتصادي المعلنة من قبل الصين مبالغ فيها لكونها لا تأخذ بالاعتبار الديون الرديئة في الاقتصاد. ويبين إن ارتفاع معدل النمو الاقتصادي لا يعني بالضرورة تحسن الأداء الاقتصادي. فالاستثمارات السيئة في أي اقتصاد والتي ينجم عنها وجود ديون متعثرة أو رديئة يجب أن تخصم من ثروة البلد. وفي الحالة الصينية، فإن المسئول عن مثل هذه الاستثمارات هي الأجهزة في الدولة المعنية بتخصيص هذه الاستثمارات. ولو تم أخذ هذه العوامل بالاعتبار، فإن معدل النمو الاقتصادي المسجل سوف ينخفض لما دون الـ3%.

ويدور حاليا جدلا محتدما بين الخبراء الاقتصاديين ومؤسسات التصنيف والوكالات الاقتصادية داخل وخارج الصين حول المسار المتوقع للاقتصاد الصيني. وبينما يرى جانب من هؤلاء الخبراء أن الدين السيء الصيني يفوق المعدل الذي تعلنه السلطات الرسمية وأنها سوف تبلغ في نهاية العام الحالي حوالى 7.6 تريليون دولار، أي أكثر من خمسة أضعاف الديون المصرفية المصرح بها. وعليه، يرجح أن نسبة الديون السيئة تبلغ 34% ، في وقت بلغت النسبة الرسمية 5.3%  في نهاية حزيران (يونيو) الماضي. بينما يرى جانب آخر من الخبراء أن هذه التقديرات مبالغ فيها وأنها تفترض ان انهياراً اقتصادياً صينياً آت لا محالة لكون خسائر الديون وثيقة الصلة بالأداء الاقتصادي: الديون السيئة ترتفع حين يتباطأ النمو. وإذا استطاعت الصين في الماضي التوسع في النمو الاقتصادي من خلال التغاضي عن مشكلة الديون ولكن في حالة انهيار الاقتصاد، فإنه لا مفر من انفجار خسائر الديون.

ويجادل هؤلاء أن المؤشرات الراهنة لا تشير الى اندلاع أزمة حادة وشيكة في الصين. فنفوذ الحكومة في أوساط الدائنين والمديونين كبير، وفي وسع الحكومة تأجيل المشكلات تأجيلاً خاصة أنها تحتكر حركة الطلب في السوق. وفي مقدور الحكومة الصينية أمر المصارف العامة بمواصلة إقراض شركات تراكم الخسائر أو إقراض المقرضين الصغار. وتدخل الحكومة الصينية هذا له وجهان. الوجه الأول هو إرساء الاستقرار من جهة بينما الوجه الثاني هو مراكمة المشكلات. وسوف يتضح قريبا أي من الوجهين سوف يتغلب على الآخر.ويقدر صندوق النقد الدولي قيمة مجموع الديون العامة بنحو 135 تريليون دولار منها 21% عائدة للصين وحدها أي ما يعادل الخمس. ويحذر الصندوق  من «اصطدام باخرة النمو الاقتصادي بجبل جليد الديون»، علما بأن مستويات الديون ليست نفسها في معظم الدول، فنسبتها إلى ناتج الدول المتقدمة حالياً 105 في المائة، مقابل 50 في المائة في الدول الناشئة، لكن الاتجاه، وفقاً لمعظم التوقعات، يشير إلى انخفاض تلك النسبة في الدول المتقدمة من الآن حتى 2022 مقابل ارتفاعها في الدول الناشئة، التي فيها من هو مهدد بالإفلاس أو إعلان التعثر عن السداد؛ مثل فنزويلا والكونغو وموزمبيق، على سبيل المثال لا الحصر. ويتوقع الصندوق ارتفاع ديون الحكومة والشركات في الصين لمستوى 300% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022، مقابل 242% في عام 2016.

وغني عن التنويه أنه في حالة حدوث أي أزمة في الصين فإنها بالتأكيد لن تبقى داخل الصين. فارتباط الصين بالنظام الاقتصادي العالمي أوجد حالة من التداخل الضخم بين بنوكها الوطنية وكبرى البنوك الدولية، وبالتالي فإنها ستواجه حتما مخاطر كبيرة في حال انتقال الأزمة إلى المصارف الصينية.

لذلك، فإننا ندعو جميع السلطات النقدية والمالية والمصرفية العالمية لمواصلة العمل معاً لمواجهة هذه المخاطر المتوقعة والتعامل بحكمة معها سعيا لتعزيز آفاق النمو الاقتصادي العالمي وبنفس الوقت مواصلة تطبيق المعايير المالية المتشددة التي تم اتخاذها لإعادة تصحيح النظام المصرفي والمالي العالمي، ولاسيما أزمة المديونيات العالمية، وفي المقدمة منها المديونية الصينية.