أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- أحدثت قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي صدمة في مجتمع الأعمال، وتسببت في تعليق وإلغاء استثمارات كان مخططا أن تنفذها السعودية وكذلك شراكات ومشاريع في مجالات البنوك والنقل والتكنولوجيا.
وبدأ قادة الأعمال العالميون في إبعاد أنفسهم عن السعودية منذ اختفاء خاشقجي، بعد دخوله القنصلية السعودية بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول، وبعدما نفت الرياض أي ضلوع في اختفائه، أقرت، في الساعات الأولى من السبت الماضي بأن خاشقجي "توفي" في شجار مع عدد من المسؤولين داخل القنصلية.
ورفضت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل البيان السعودي، وأضافت في بيان : "نتوقع من السعودية المزيد من التفاصيل والتفسيرات بشأن ملابسات الوفاة، ويجب محاسبة كافة المسؤولين، والمعلومات المقدمة من القنصلية في إسطنبول غير كافية".
تهدد الأسئلة حول الحادث المروع، واحتمالية تورط النظام السعودي فيه، بتعقيد جهود المملكة لجذب استثمارات أجنبية وتنويع اقتصادها بحلول عام 2030، رغم أن المحللين يقولون إن التأثير طويل الأجل لا يزال غير واضح، خاصة أنه لم يتم المساس بعدد من صفقات الأسلحة والطاقة طويلة الأجل.
ولكن كيف أثر الحادث على الأعمال والأسواق؟
علاقات السعودية بشركات وادي السيليكون
يعتبر صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية السعودي، مستثمرا رئيسيا في شركات التكنولوجيا الأمريكية. وقدم نحو 50% من المبلغ المخصص لصندوق "رؤية" المملوك لسوفت بنك، البالغ حجمه 93 مليار دولار، والذي استثمر في شركات مثل WeWork و Slack و DoorDash .
وتحدث ماسايوشي سون ،الرئيس التنفيذي لسوفت بنك، عدة مرات عن إنشاء صندوق رؤية سوفت بنك الثاني، فيما كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حواره الأخير مع بلومبرغ، أن السعودية ستستثمر 45 مليار دولار أخرى، بعدما جنت أرباحا كبيرة من استثمارها مبلغا مماثلا في تأسيس صندوق رؤية سوفت بنك للاستثمار في التكنولوجيا، لكن يبدو أن هذه الخطط باتت موضع شك في الوقت الراهن.
وقال أمير أنور زاده، الخبير الاستراتيجي في شركة اسيميتريك للاستشارات، لـCNN، إن شركات وادي السليكون قد تنأى بنفسها عن أموال صندوق رؤية سوفت بنك في الوقت الحالي، لأنها لا تريد ارتباطا بما قد يعتبرونه "أموالاً ملطخة بالدماء".
وأزالت اسيمتريك للاستشارات سوفت بنك من قائمة توصيات الأسهم الرئيسية في وقت سابق من الأسبوع الحالي، وانخفض سعر سهم الشركة اليابانية بنسبة 15% تقريبا منذ اختفاء خاشقجي، متأثراً بمخاوف من علاقة الشركة مع السعودية فضلا عن عمليات البيع الواسعة في أسهم شركات التكنولوجيا.
وانسحب الرئيس التنفيذي لشركة "أوبر" دارا خسرو شاهي من مؤتمر مستقبل الاستثمار بالسعودية، بعدما كان من المقرر أن يتحدث به، قائلا إنه: "منزعج من التقارير الصادرة حتى الآن عن جمال خاشقجي".
يأتي ذلك رغم أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي مساهم كبير في أوبر، إذ استثمر الصندوق نحو 3.5 مليار دولار في الشركة عام 2016.
وقد تواجه علاقة السعودية مع غوغل وأمازون وأبل ضغوطًا بسبب الحادث، ففي الربيع الماضي، زار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مقار شركات التكنولوجيا المتقدمة في الولايات المتحدة والتقى المديرين التنفيذيين للشركات الثلاث، وبحسب البيانات المتاحة، كانت آبل تجري محادثات لافتتاح متجر في المملكة، في حين كانت أمازون تستكشف توسعة أعمالها على شبكة الإنترنت لدعم الشركات السعودية، بينما كانت غوغل تناقش بناء مراكز بيانات لشركة النفط العملاقة السعودية أرامكو، ولم تعلق الشركات الثلاث حتى الآن إذا ما كانت ستواصل مشاريعها مع المملكة أم ستوقفها.
الزعماء الأجانب يتجنبون مؤتمر الاستثمار السعودي
أثرت التداعيات الناجمة عن اختفاء خاشقجي على قائمة الضيوف في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي ستستضيفه الرياض، الثلاثاء، المعروف باسم "دافوس الصحراء، وهو مؤتمر يعد جزءا من رؤية السعودية 2030 لكسر اعتماد البلاد على النفط.
وانسحب جميع الشركاء الإعلاميين الدوليين للمؤتمر، ومن بينهم CNN وفوكس نيوز ونيويورك تايمز.
بالإضافة إلى ذلك، انسحب عدد من المديرين التنفيذيين الأمريكيين البارزين من المؤتمر، والمدير التنفيذي لشركة جي بي مورغان تشيس، والرئيس التنفيذي لشركة غوغل كلاود والرئيس التنفيذي لشركة فورد، وكذلك فعل وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ومديرة جولدمان ساكس دينا باول، وهي مستشارة سابقة لإدارة ترامب، كما اعتذر أيضا كبار المصرفيين الأوروبيين، بمن فيهم الرؤساء التنفيذيين لبنوك اتش اس بي سي، وكريدي سويس، وستاندرد تشارترد ورئيس مجلس إدارة بورصة لندن، بينما لم يعلن ماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لسوفت بنك، حضور المؤتمر من عدمه.
ضغوط تواجه خطة محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد
مثلما تعرض مؤتمر مستقبل الاستثمار لسلسلة من الاعتذارات، تواجه رؤية السعودية 2030 التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان ضغوطا دولية، فقد علق ريتشارد برانسون، رئيس مجموعة فيرجن البريطانية، مشاركته في مشروعين لإنشاء وجهة سياحية على البحر الأحمر، كما أوقف برانسون محادثاته مع السعوديين بشأن الاستثمار في أعمال شركة فيرجن الفضائية.
وقال برانسون في بيان في 11 أكتوبر/تشرين الأول: "إذا ثبت صحة ما حدث في تركيا حول اختفاء خاشقجي، ستتغير بوضوح قدرة أي منا في الغرب على التعامل مع الحكومة السعودية".
وانسحب قادة الأعمال الآخرون ووزير الطاقة الأمريكي السابق إرنست مونيز من المجلس الاستشاري لمشروع نيوم، وهو مشروع لبناء مدينة خالية من الانبعاثات تعتمد على السيارات ذاتية القيادة وطائرات الركاب بلا طيار، وقدرت السعودية تكلفته بنحو 500 مليار دولار.
انخفاض سوق الأسهم السعودية
انخفض مؤشر سوق الأسهم الرئيسي في الرياض بنسبة 7٪ في 14 أكتوبر/ تشرين الأول بسبب المخاوف من العقوبات الأمريكية، وقد قضى الانخفاض على مكاسب المؤشر خلال عام 2018، وتراجع ﻣؤﺷر ﺗداول ﺑﻧﺳﺑﺔ 5% ﺗﻘرﯾﺑﺎ ﻋن أﻋﻟﯽ ﻣﺳﺗوى ﻟها ﻓﻲ ﺷﮭر واﺣد.
السعودية تذكر العالم بقوتها النفطية
يبدأ سريان العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، مما يثير تساؤلات حول عدد البراميل الإيرانية التي لا يمكن إزالتها، وكيف يمكن للمملكة العربية السعودية بتعويض النقص، وهددت المملكة بالرد علي أي عقوبات محتملة بإجراءات أشد.
وفي حين أنه من غير المحتمل أن تخفض السعودية الإنتاج بشكل كامل، إلا أن المملكة قد لا تكون في عجلة من أمرها لإنقاذ السوق من انخفاض المعروض، ويمكنها أن تقرر إبطاء وتيرة زيادة إنتاجها لتعويض الفاقد من الخام الإيراني.
وتضخ السعودية نحو 10.5 مليون برميل من النفط يوميا وفقا لبيانات أوبك، وسبق أن أعلنت في وقت سابق أنها ترغب مع روسيا في سد الفجوة الناجمة عن عودة العقوبات الأمريكية على إيران.
في هذه الأثناء، تسير صفقات الطاقة الأخرى قدما، إذ وقعت شركة "أرامكو" في وقت سابق من أكتوبر /تشرين الأول الجاري، اتفاقا مع مجموعة الطاقة الفرنسية "توتال"، لبدء تنفيذ خطط إنشاء مجمع للبتروكيماويات في السعودية بقيمة 5 مليارات دولار.