رأي.. حبيب الملا يكتب لـCNN: كورونا والاقتصاد العالمي.. ما الفرق بين الأزمة الحالية وأزمة 2008؟

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
متداولون خلال جرس الافتتاح في بورصة نيويورك (NYSE) في 16 مارس 2020 في وول ستريت في مدينة نيويورك
متداولون خلال جرس الافتتاح في بورصة نيويورك (NYSE) في 16 مارس 2020 في وول ستريت في مدينة نيويوركCredit: JOHANNES EISELE/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذى لمكتب "بيكر ماكنزى-حبيب الملا" للمحاماة، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

فاجأ فيروس كورونا البشرية ليس من الجانب الصحي فقط بل حتى من الجانب الاقتصادي. فبعد أن كانت توقعات الخبراء الاقتصاديين متفائلة بنحو جيد لعام 2020، حيث شهد تحديث توقعات صندوق النقد الدولي لشهر يناير ارتفاعاً في النمو من 2،9% في عام 2019 إلى 3،3% في عام 2020. جاء تفشي فيروس كورونا ليصيب الاقتصاد العالمي بشكل لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين.

أدت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول وتعليق الحركة التجارية إلى وقف تام لمعظم الأنشطة الاقتصادية. وليس من الممكن حتى في هذا التاريخ الجزم بمدى الضرر الذي ألحقه كورونا بالاقتصاد أو المدة الزمنية التي سيستغرقها الاقتصاد العالمي للتعافي من هذه الأزمة، إذ أنه طالما لم يتم اكتشاف لقاح أو دواء للفيروس فإن هذا سيعني أن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ستسري بشكل أو آخر مما يعيق عودة الحركة الاقتصادية إلى معدلاتها الطبيعية.

فمن جملة الأضرار التي أصابت الاقتصاد نتيجة لاستشراء جائحة كورونا وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي انهيار البورصات العالمية وخسارة الاقتصاد العالمي 9 تريليونات دولار خلال عامين. مع عجز في الدخل العالمي بقيمة 2 تريليون دولار.

ومن المتوقع أن يصل معدل انكماش الاقتصاد الأمريكي بمعدل 5,5%. كما نشرت الصين بيانات تظهر أن اقتصادها سجّل بنهاية مارس / آذار انكماشا بنسبة 6,8%. بينما تشير التوقعات إلى أن الانكماش الاقتصادي في بعض الدول كاليونان قد يصل إلى 10%.

كما أدى وقف الأنشطة إلى ازدياد معدلات البطالة التي وصلت على مستوى الاتحاد الأوروبي إلى 22,3% في حين ان الولايات المتحدة قد تفقد 4,5 مليون وظيفة في الربع الثاني وسيؤثر فقدان الوظائف على الانفاق الذي يعتبر المحرك الرئيسي للاقتصاد، حيث يمثل الانفاق الاستهلاكي حوالي 70% من النمو الاقتصادي. كل ذلك أدى بالعديد من الخبراء إلى التحذير من أن كورونا قد تتسبب في أسوأ تراجع اقتصادي منذ الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي.

وقد تمثل مدفوعات الديون تحويلا خطيراً لموارد البلدان النامية الشحيحة أصلا في وقت تتعرض فيه ميزانيات حكوماتها لضغوط لمعالجة الأزمة الصحية وعواقبها.

وأشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن التداعيات السلبية لكورونا ستبقى لسنوات متوقعة أن تكون الآثار لعقود قادمة.

وفي دراسة تحليلية أصدرتها "الأونكتاد"، أشارت إلى أن العالم قد يشهد موجة إفلاس واسعة النطاق وربما انهياراً مفاجئاً لقيم الأصول التي تمثل نهاية مرحلة النمو في هذه الدورة.

كما أدت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول وحالة الإقفال شبه التام إلى وقف عجلة الإنتاج، إذ أغلقت معظم دول العالم حدودها، كذلك تم وقف حركة النقل الجوي وفرض قيود صارمة على حركة البشر مما أدى إلى انخفاض استهلاك النفط وبالتالي زيادة العرض على الطلب بشكل كبير لم تفلح معه جهود منظمة أوبك في تخفيض الإنتاج في تحسين السعر. وسيشكل انخفاض أسعار النفط ضغطا إضافيا على ميزانيات دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط.

ويشير معظم الخبراء إلى أنه لن يكون من السهل إعادة تشغيل اقتصاد عالمي مترابط بعد انتهاء الأزمة. إذ يقوم النظام الرأسمالي على مبدأ الانتقال السريع والدائم للسلع والخدمات والبشر. وعندما تتوقف صناعة الطيران تتوقف السياحة. وعندما تتوقف السياحة يتوقف تدفق العملات الأجنبية. وعندما يتوقف تدفق العملات الأجنبية يتوقف الاستيراد وبالتالي يقل الطلب وقد تتوقف المصانع. دائرة كبيرة وهائلة تعتمد على الحركة الدائمة بين مختلف دول العالم وعندما تتوقف تلك الحركة ينهار الاقتصاد وتبدأ الأسواق المالية والبورصات في السقوط الحر.

ولن يكون بمقدور الحكومات تقديم حوافز مالية كبيرة بالشكل الذي شهدناه أثناء الأزمة المالية العالمية 2008 بسبب أن مداخيل هذه الحكومات متأثرة أساسا بسبب شلل الاقتصاد المحلي والعالمي.

كما أن الأزمة الاقتصادية اليوم مضاعفة، إذ أنه في خلال الأزمة المالية العالمية سنة 2008 كانت المشكلة في قلة الطلب أما اليوم وبسبب حالة الإغلاق شبه التام للعديد من الدول وتعطل وسائل الإنتاج والعمل فإن الأزمة أزمة عرض أيضاً وليس فقط مجرد أزمة طلب.

ويذهب معظم المحللين بما في ذلك صندوق النقد الدولي في بناء استنتاجاتهم لتعافي الاقتصاد إلى البناء على ما حدث في الأزمة المالية العالمية سنة 2008، حيث استغرق الأمر حوالي 3 سنوات قبل أن يبدأ الاقتصاد في التعافي.

إلا ان الفارق في نظري أنه في سنة 2008 كان النموذج الاقتصادي ذاته معيب وغير صالح للاستمرار. ففقاعة الرهن العقاري انفجرت ولم يكن في الإمكان استمرار ذلك النموذج الذي انهار. لذلك لا يمكن القياس على ذلك النموذج بل وعلى أي نموذج آخر لأنه لم يتم في أي من النماذج السابقة إغلاق الأعمال ووقف حركة الاقتصاد بشكل إرادي ووقف حركة البشر بهذا الشكل الذي يحصل الآن.

الفارق في الأزمة الحالية أن النموذج الاقتصادي صحيح والمقومات الاقتصادية سليمة، بل أن الاقتصاد كان يحقق معدلات نمو عالية. لكن ما حصل أنه بسبب أزمة كورونا تم اتخاذ قرار إغلاق الأعمال ووقف الحركة الاقتصادية كنتيجة لسياسة التباعد الاجتماعي ووقف حركة البشر.

هذا الأمر قد يعني أنه بمجرد إنهاء إغلاق الأعمال ولو جزئيا، فإنه يمكن للنموذج الاقتصادي أن يعود إلى العمل مرة أخرى بنفس وتيرته السابقة ويحقق معدلات نمو قريبة من المعدلات السابقة الأمر الذي قد يكون بشرى سارة لدول العالم في التعافي الاقتصادي السريع بمجرد أن تتم السيطرة على الجائحة.