هل جنت السعودية الأموال من الحج؟

اقتصاد
نشر
13 دقيقة قراءة
المسلمون يصلون حول الكعبة المشرفة في المسجد الحرام في مدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية يوم 5 يوليو/ تموز.
المسلمون يصلون حول الكعبة المشرفة في المسجد الحرام في مدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية يوم 5 يوليو/ تموز.Credit: CHRISTINA ASSI/AFP via Getty Images

تقرير من إعداد عباس اللواتي، محرر نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN، ومساهمة نادين إبراهيم. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)

أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- على مدى عقود، أضاف النفط تريليونات الدولارات إلى خزائن المملكة العربية السعودية، إلا أن هذا المورد سينفد يومًا ما أو سيفقد قيمته مع تحول العالم إلى طاقة بديلة.

ورغم ارتفاع أسعار النفط الحالية، فإن المملكة تعرف ذلك، وشرعت في مشروع طموح لتنويع مصادر إيراداتها لمستقبل ما بعد النفط، وأحد هذه المصادر هو الحج، وهو احتكار أبدي يحتمل أن يصل سوقه إلى ما يقرب من ملياري مسلم.

وبعد فترة وجيزة من تولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة في عام 2015، أطلقت المملكة العربية السعودية مشروعًا بقيمة 21 مليار دولار لتوسيع المسجد الحرام في مكة لاستيعاب 300 ألف مصلي إضافي.

وبعد عام، حدّد ولي العهد آنذاك الأمير محمد بن سلمان الحج على أنه عنصر أساسي في خطة لتنويع الاقتصاد السعودي بحلول عام 2030.

وقال عمر العبيدلي، مدير الأبحاث بمركز "دراسات" البحثي الذي يتخذ من البحرين مقرًا له، إنه "على عكس قطاع الطاقة، يتعين على المملكة العربية السعودية دائمًا أن تقلق بشأن المنافسين المستقبليين، ففي مجال الحج والعمرة، فهي تضمن عدم وجود أي منافسة إلى الأبد".

وأضاف العبيدلي أن التهديد الوحيد الذي يواجه طموحات السعودية في الاستفادة من الحج "هو تقليص التدين في العالم، لكن طالما استمر المسلمون في الرغبة في زيارة هذه المواقع، فسوف يمثلون فرصًا اقتصادية هائلة للمملكة العربية السعودية."

وعاد المسلمون من جميع أنحاء العالم إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي لأداء فريضة الحج السنوية بعد توقف دام عامين بسبب قيود كوفيد- 19، وهي فرصة للمسلمين للوفاء بواجب ديني يحدث مرة واحدة في العمر، لكنها أيضًا فرصة لاقتصاد المدن المقدسة في المملكة العربية السعودية للبدء بقفزة.

وتسبب الوباء في تضاؤل عدد الحجاج إلى 1000 في عام 2020، لكنه ارتفع إلى حوالي 60 ألفًا في عام 2021، عندما تم فتح الحج فقط للمقيمين في المملكة العربية السعودية، وهذا العام، سمحت المملكة لمليون مسلم لأداء الشعائر.

ويقول الخبراء إنه مع أسعار النفط الخام التي تحوم حول 100 دولار للبرميل، وتدر مليارات الدولارات يوميًا، فإن الفوائد الاقتصادية للحج تعد هامشية، لكن إمكاناتها العظيمة غير المستغلة يمكن أن تجلب ثروات كبيرة للمملكة على المدى الطويل.

وقال روبرت موغيلنيكي، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: "قد لا تتمتع السياحة الدينية في المملكة العربية السعودية بالقدرة الحالية لتوليد الدخل من قطاع النفط والغاز، لكن الأهمية الدينية لمكة والمدينة لن تنضب أبدًا، فهي بمثابة أساس لبناء قطاع السياحة السعودي الأوسع وتسويقه للجمهور المحلي والإقليمي والدولي."

ويقول ستيفن هيرتوغ، الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد، إن إمكانات التوسع كبيرة، وأوضح أنه على سبيل المثال يمكن تحفيز الحجاج على تمديد رحلاتهم في البلاد لزيارة مواقع دينية أخرى أو الانخراط في الترفيه، لا سيما خلال موسم العمرة على مدار العام، حيثي مكن تجنب الاختناقات المتعلقة بالحج.

وفقا لأحدث مؤشر عالمي لمدن الوجهات من "ماستر كارد"، جذبت مكة 20 مليار دولار من الدولارات السياحية في عام 2018، لتحتل المرتبة الثانية بعد دبي.

قبل الوباء، كان من المتوقع أن يبلغ متوسط عائدات الحج حوالي 30 مليار دولار سنويًا، وأن تخلق 100 ألف فرصة عمل للسعوديين بحلول عام 2022.

وكان ذلك عندما استقطبت المملكة حوالي 21 مليون مصلٍ سنويًا خلال فترة الحج والعمرة لمدة 10 أيام، وفقا لبيانات رسمية ذكرتها وكالة"رويترز" للأنباء.

وانكمش عدد الحجاج بشكل كبير خلال الوباء، ومع هذا، فإن الحكومة السعودية تسعى إلى استقبال 30 مليون حاج بحلول عام 2030، وهو ما قال بعض المحللين إنه رقم طموح.

وفقا لهيرتوغ، كان الحج يستنزف الموارد المالية للحكومة بسبب تكلفة البنية التحتية والصيانة والأمن، لكنه حقق أرباحًا كبيرة للقطاع الخاص.

ويزدحم أفق مكة حول موقع الحج الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين بناطحات السحاب الفخمة التي تضم سلاسل فنادق غربية تطل على الكعبة.

وتبلغ تكلفة ليلة في فندق برج ساعة مكة الملكي، فيرمونت الشهير، المطل على الكعبة، ما يصل إلى 4000 دولار لأجنحة الفندق الأكثر فخامة لموسم الحج لهذا العام.

لكن الحكومة كانت تحاول الحصول على قطعة من تلك الكعكة، ففي غضون عامين، يخطط صندوق الاستثمارات العامة المملوك للدولة لافتتاح مشروع "رؤى الحرم المكي" على بعد ميل من الكعبة، مع 70 ألف غرفة فندقية جديدة و9000 وحدة سكنية.

ومن المتوقع أن تساهم بمبلغ 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار) في الاقتصاد السعودي.

وفي ضربة لوكالات السفر الخاصة في الخارج التي تنظم رحلات الحج للمسلمين في الغرب، إذ أعلنت الحكومة السعودية هذا العام عن منصة حجز جديدة تلزم الحجاج الأجانب بالتسجيل والدفع مقابل العملية مباشرة من خلال النظام الجديد الذي تديره الحكومة، والذي يسمى "مُطوف".

وتم تصميم النظام لتبسيط عملية تقديم الطلبات، لكنه أدى إلى توقف عمل وكالات السفر في الخارج.

وفقا لصحيفة "إندبندنت"، تبلغ قيمة القطاع في المملكة المتحدة وحدها حوالي 240 مليون دولار، ويواجه العديد من مشغلي الحج هناك الآن تصفية لأنشطتهم.

هذا ولم ترد السلطات السعودية على طلب شبكة CNN للتعليق.

 

هل جنت السعودية الأموال من الحج؟

تقرير من إعداد عباس اللواتي، محرر نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN ومساهمة نادين إبراهيم

أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة-- (CNN) على مدى عقود، أضاف النفط تريليونات الدولارات إلى خزائن المملكة العربية السعودية، إلا أن هذا المورد سينفد يومًا ما أو سيفقد قيمته مع تحول العالم إلى طاقة بديلة.

ورغم ارتفاع أسعار النفط الحالية، فإن المملكة تعرف ذلك، وشرعت في مشروع طموح لتنويع مصادر إيراداتها لمستقبل ما بعد النفط، وأحد هذه المصادر هو الحج، وهو احتكار أبدي يحتمل أن يصل سوقه إلى ما يقرب من ملياري مسلم.

وبعد فترة وجيزة من تولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة في عام 2015، أطلقت المملكة العربية السعودية مشروعًا بقيمة 21 مليار دولار لتوسيع المسجد الحرام في مكة لاستيعاب 300 ألف مصلي إضافي.

وبعد عام، حدّد ولي العهد آنذاك الأمير محمد بن سلمان الحج على أنه عنصر أساسي في خطة لتنويع الاقتصاد السعودي بحلول عام 2030.

وقال عمر العبيدلي، مدير الأبحاث بمركز "دراسات" البحثي الذي يتخذ من البحرين مقرًا له، إنه "على عكس قطاع الطاقة، يتعين على المملكة العربية السعودية دائمًا أن تقلق بشأن المنافسين المستقبليين، ففي مجال الحج والعمرة، فهي تضمن عدم وجود أي منافسة إلى الأبد".

وأضاف العبيدلي أن التهديد الوحيد الذي يواجه طموحات السعودية في الاستفادة من الحج "هو تقليص التدين في العالم، لكن طالما استمر المسلمون في الرغبة في زيارة هذه المواقع، فسوف يمثلون فرصًا اقتصادية هائلة للمملكة العربية السعودية."

وعاد المسلمون من جميع أنحاء العالم إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي لأداء فريضة الحج السنوية بعد توقف دام عامين بسبب قيود كوفيد- 19، وهي فرصة للمسلمين للوفاء بواجب ديني يحدث مرة واحدة في العمر، لكنها أيضًا فرصة لاقتصاد المدن المقدسة في المملكة العربية السعودية للبدء بقفزة.

وتسبب الوباء في تضاؤل عدد الحجاج إلى 1000 في عام 2020، لكنه ارتفع إلى حوالي 60 ألفًا في عام 2021، عندما تم فتح الحج فقط للمقيمين في المملكة العربية السعودية، وهذا العام، سمحت المملكة لمليون مسلم لأداء الشعائر.

ويقول الخبراء إنه مع أسعار النفط الخام التي تحوم حول 100 دولار للبرميل، وتدر مليارات الدولارات يوميًا، فإن الفوائد الاقتصادية للحج تعد هامشية، لكن إمكاناتها العظيمة غير المستغلة يمكن أن تجلب ثروات كبيرة للمملكة على المدى الطويل.

وقال روبرت موغيلنيكي، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: "قد لا تتمتع السياحة الدينية في المملكة العربية السعودية بالقدرة الحالية لتوليد الدخل من قطاع النفط والغاز، لكن الأهمية الدينية لمكة والمدينة لن تنضب أبدًا، فهي بمثابة أساس لبناء قطاع السياحة السعودي الأوسع وتسويقه للجمهور المحلي والإقليمي والدولي."

ويقول ستيفن هيرتوغ، الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد، إن إمكانات التوسع كبيرة، وأوضح أنه على سبيل المثال يمكن تحفيز الحجاج على تمديد رحلاتهم في البلاد لزيارة مواقع دينية أخرى أو الانخراط في الترفيه، لا سيما خلال موسم العمرة على مدار العام، حيثي مكن تجنب الاختناقات المتعلقة بالحج.

وفقا لأحدث مؤشر عالمي لمدن الوجهات من "ماستر كارد"، جذبت مكة 20 مليار دولار من الدولارات السياحية في عام 2018، لتحتل المرتبة الثانية بعد دبي.

وقبل الوباء، كان من المتوقع أن يبلغ متوسط عائدات الحج حوالي 30 مليار دولار سنويًا، وأن تخلق 100 ألف فرصة عمل للسعوديين بحلول عام 2022.

وكان ذلك عندما استقطبت المملكة حوالي 21 مليون مصلٍ سنويًا خلال فترة الحج والعمرة لمدة 10 أيام، وفقا لبيانات رسمية ذكرتها وكالة"رويترز" للأنباء.

وانكمش عدد الحجاج بشكل كبير خلال الوباء، ومع هذا، فإن الحكومة السعودية تسعى إلى استقبال 30 مليون حاج بحلول عام 2030، وهو ما قال بعض المحللين إنه رقم طموح.

وفقا لهيرتوغ، كان الحج يستنزف الموارد المالية للحكومة بسبب تكلفة البنية التحتية والصيانة والأمن، لكنه حقق أرباحًا كبيرة للقطاع الخاص.

ويزدحم أفق مكة حول موقع الحج الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين بناطحات السحاب الفخمة التي تضم سلاسل فنادق غربية تطل على الكعبة.

وتبلغ تكلفة ليلة في فندق برج ساعة مكة الملكي، فيرمونت الشهير، المطل على الكعبة، ما يصل إلى 4000 دولار لأجنحة الفندق الأكثر فخامة لموسم الحج لهذا العام.

لكن الحكومة كانت تحاول الحصول على قطعة من تلك الكعكة، ففي غضون عامين، يخطط صندوق الاستثمارات العامة المملوك للدولة لافتتاح مشروع "رؤى الحرم المكي" على بعد ميل من الكعبة، مع 70 ألف غرفة فندقية جديدة و9000 وحدة سكنية.

ومن المتوقع أن تساهم بمبلغ 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار) في الاقتصاد السعودي.

وفي ضربة لوكالات السفر الخاصة في الخارج التي تنظم رحلات الحج للمسلمين في الغرب، إذ أعلنت الحكومة السعودية هذا العام عن منصة حجز جديدة تلزم الحجاج الأجانب بالتسجيل والدفع مقابل العملية مباشرة من خلال النظام الجديد الذي تديره الحكومة، والذي يسمى "مُطوف".

وتم تصميم النظام لتبسيط عملية تقديم الطلبات، لكنه أدى إلى توقف عمل وكالات السفر في الخارج.

وفقا لصحيفة "إندبندنت"، تبلغ قيمة القطاع في المملكة المتحدة وحدها حوالي 240 مليون دولار، ويواجه العديد من مشغلي الحج هناك الآن تصفية لأنشطتهم.

هذا ولم ترد السلطات السعودية على طلب شبكة CNN للتعليق.