هذا المقال بقلم علياء الملا وعمر جزيرلي محاميان، قسم فض المنازعات، حبيب الملا ومشاركوه، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظرهما ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.
شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا تزال، تطورًا سريعًا في شتى المجالات خلال أعوامها الخمسين، لا سيما في المجال الاقتصادي. وقد استفادت العديد من العوائل المحلية من ذلك التطور السريع من خلال إنشاء شركات تجارية نمت في الحجم والنشاط وتوسعت جغرافيًا حتى أصبحت اليوم من أعمدة الاقتصاد في دولة الإمارات. ولقد تأسس عدد من تلك الشركات من قبل شخص واحد أو أفراد محدودين من أبناء عائلة واحدة، مما أضفى الطابع العائلي على إدارتها وأصبح يطلق عليها مسمى "الشركات العائلية". ووفقًا للمجلد 19 من العدد الثالث من مجلة أكاديمية الإدارة الاستراتيجية 2020، فإن هذه الشركات تساهم بأكثر من 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الخليج وتوظف أكثر من 80٪ من القوى العاملة. ويقدر أن 90٪ تقريبًا من القطاع الخاص في دولتي الإمارات والمملكة العربية السعودية يتكون من شركات عائلية.
ولقد طالت رياح التجدد خلال العقد الماضي العديد من هذه الشركات وذلك بفعل قواعد الميراث وانتقالها من يد المؤسس إلى أبنائه وأحفاده. وفي حين أن هذا يبدو للوهلة الأولى وكأنه تغيير إيجابي يضيف بعدًا جديدًا للاستثمار وتطوير أعمال هذه الشركات من قبل جيل جديد يواكب تطورات السوق، إلا أن معظم هذه الشركات لم تتطور من ناحية الحوكمة وغلبها طابعها العائلي، خاصة من الناحية الإدارية، ورؤيتها العامة واستراتيجيتها في التوسع واختيار من هو كفؤ وقادر على الإدارة.
وغني عن البيان أن انتقال الملكية من جيل إلى آخر ومن إدارة إلى أخرى قد ينتج عنه العديد من الخلافات والنزاعات التي باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا على تلك الكيانات الاقتصادية. وقد كان لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تدخلًا حاسمًا في هذا الصدد حيث أصدر عدة مراسيم بتشكيل لجان قضائية خاصة لحل مثل تلك النزاعات التي تتسم بالخصوصية. ويرجع ذلك إلى الطبيعة الحساسة لمثل هذه الخلافات والمصلحة الاقتصادية العامة المتمثلة في الحفاظ على مثل هذه الكيانات العملاقة وتسليمها لأيدٍ أمينة مع الحفاظ على الطبيعة العائلية لها.
وقد يتساءل الكثيرون عن سبب احتياج مثل هذه الشركات الضخمة إلى تدخل لجنة خارجية في إدارة شؤون أعمالها، في حين أنه يجب أن يقودها ويسيطر عليها بشكل طبيعي ورثتها من الجيل الثاني.
ولقد لاحظنا أثناء عملنا على العديد من القضايا منذ أواخر عام 2015، وهي الفترة التي بدأت فيها النزاعات من هذا النوع بالظهور بشكل لافت، أن الأسباب الرئيسية الثلاث التي أدت إلى تدخل اللجان القضائية الخاصة للحفاظ على هذه الشركات هي كما يلي:
• إن معظم هذه الشركات بدأت بشكل صغير وكانت تُدار إما من قبل مؤسس واحد أو من قبل اثنين إلى ثلاث أشقاء. وعلى الرغم من أن ذلك أعطى تلك الكيانات مرونة في ممارسة اعمالها التجارية بما يتفق مع ظهورها إلا انه مع مرور الوقت تطورت تلك الشركات وتوسعت أعمالها، إلا أن نظم الحوكمة الخاصة بها لم تتطور على نفس المنوال. فمثلًا هناك تساهل في إدراك أهمية عقد اجتماعات منظمة ووجود مستندات ورقية، إذ افتقرت تلك الشركات إلى وجود وثائق مناسبة توضح كيفية إدارة هذه الأعمال، وكيفية اتخاذ القرارات فيها، وما هو الاتجاه العام لأعمال الشركة، ولنكون أكثر تحديدًا، لم يتم توثيق اجتماعات الجمعيات العمومية، إذا عقدت أصلاً. والشيء نفسه ينطبق على اجتماعات مجالس الإدارة حيث يتم اتخاذ قرارات العمل في كثير من الحالات شفهيًا مع عدم وجود منتدى مناسب لتقريرها. كما تفتقر العمليات الإدارية إلى التنفيذ السليم، فالثقة كانت هي الأساس التي بُنيت عليها تلك الشركات. مثل هذه الممارسات تكون غالبًا شائعة لدى الشركات العائلية.
• السبب الثاني يتمثل في الافتقار إلى هيكلة سليمة للشؤون الداخلية للشركة. فعلى سبيل المثال، عقود التأسيس لبعض الشركات العائلية لم يطرأ عليها تحديث منذ سنين طويلة وغالبًا ما تكون غامضة ولا تعالج العديد من التحديات التي تواجهها الشركة بشكل مستمر. بالإضافة إلى غياب التدرج الهرمي لهيكل الشركة ولجانها بما ينعكس بالسلب على سياساتها وعجزها عن تسيير أعمالها بشكل واضح.
• والسبب الأخير هو اعتماد معظم أعمال الشركة بشكل كبير على المؤسس. بمعنى أن معظم التصرفات، إن لم تكن جميعها، كانت بقيادة وتنفيذ المؤسس دون إشراك حقيقي لأفراد العائلة في عملية صنع القرار أو حتى توظيف أفراد العائلة في أي جانب من جوانب العمل. هذا الأمر بالإضافة إلى غياب التدريب الكافي والإعداد المسبق والاطلاع المناسب يجعل الجيل الثاني غافلًا عن اتجاه الأعمال والعمليات والأهداف العامة لاستمرارية العمل وتطويره بشكل أكبر.
لذلك، نلاحظ في بعض الحالات أن بعض الأفراد من خارج العائلة يمثلون الإدارة العليا لتلك الشركات، يؤثرون على مجرى هذه النزاعات لمحاولة حرمان ورثة الجيل الثاني من حقوقهم في الاشتراك في الأعمال التجارية للشركة وذلك من خلال محاولة إعاقة أية سلطات إدارية قد تؤول إليهم من مورثهم ومنعهم من اتخاذ أية قرارات بشأن أعمال الشركة وجعلهم شركاء صامتين يستلمون أرباحًا سنوية فحسب.
بسبب الافتقار إلى التوثيق المناسب، والإدارة المنظمة للعمليات التجارية، ومعرفة وخبرة الجيل الثاني، فإن هذه الكيانات الضخمة مهددة بالانهيار وأثر ذلك لن يقتصر على الأعمال التجارية للشركة فحسب، بل وعلى اقتصاد الدول التي تتواجد فيها هذه الشركات.
ومن هنا تكمن أهمية الدور الحكومي في توفير حلول مؤقتة للمخاوف المتزايدة التي تواجهها هذه الكيانات. ولكن هذه الشركات بحاجة إلى حلول مستدامة لاستيعاب التغيير الهيكلي. ويمكن أن تكون إحدى هذه الحلول من خلال طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام. ومؤخرًا قامت شركة علي الغانم وأولاده للسيارات بهذه المبادرة لتكون من أوائل الشركات الخليجية العائلية التي تقوم بطرح بعض أسهمها في بورصة الكويت. ونظرًا للرغبة المشتركة من قبل أفراد العائلة والمستثمرين الخارجيين في نجاح هذه الشركات، فإن الاكتتاب العام يمكن أن يوفر مزيدًا من الشفافية، ويضمن الحوكمة السليمة، كما يوفر نطاقًا أوسع من الأسواق الخارجية المتنوعة لتطوير الشركات العائلية ومساعدتها في الوصول إلى العالمية. هذا الحل، وبالطبع، قد لا ينطبق على جميع الشركات العائلية.
ولقد أطلق مركز دبي المالي العالمي مؤخرًا مركزًا عالميًا للشركات العائلية والثروة الخاصة، وقامت عدة مكاتب محاماة مرموقة بتوفير آلية جديدة لتقديم المساعدة في حل النزاعات العائلية، وتقديم الخدمات الاستشارية لمثل هذه الشركات والأفراد للمساعدة في إعادة إنشاء مؤسسات منظمة وذات كفاءة عالية. والغرض من ذلك هو دعم وتطوير هذه الشركات العائلية والثروات كي تنمو وتزدهر، بدلًا من أن تتقلص في أيدي الجيل القادم.