"فالنتاين" يواجه الانتحاريين بلبنان.. هل يبدد الحب رعب العبوات؟

منوعات
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير دارين العمري
بيروت..ثورة الملابس الداخلية الحمراء اللون في "عيد الحب"
JOSEPH EID/AFP/Getty Images
6/6بيروت..ثورة الملابس الداخلية الحمراء اللون في "عيد الحب"

ملابس داخلية مخصصة لعيد الحب تعرض خارج إحدى المحلات التجارية في العاصمة اللبنانية بيروت في 11 شباط/فبراير العام 2011

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يكاد النوم أن ينسى المرور على جفني ربى قبل أيام من عيد الحب "الفالنتاين". فابنة الـ22 ربيعا تنتظر هذه المناسبة الرومانسية من عام لآخر لتعبر لكمال عن حبها المجنون، وكأن باقي أيام العام لا تكفيها، بل تريد أن تخصص يوما كاملاً لتعبر له عن فيض من الحب يغطي الـ365 يوما في السنة. ذهبت إلى إحدى أسواق العاصمة اللبنانية بيروت، وتحديدا إلى شارع الحمرا الرئيسي حيث يوجد العشرات من المحلات التجارية التي تعرض هدايا مميزة خاصة بالمناسبة، وتملأ واجهاتها الزجاجية رسومات على شكل قلوب و"ملاك الحب" المعروف "كيوبيد" ذي الجناحين في تناقض لحالة التوتر والعنف الذي يضرب اللبنانيين. اختارت ربى فستاناً أحمر اللون، وحذاء أسود بكعب عال. هذا ما سترتديه في ليلتها الرومانسية مع حبيبها كمال الذي دعاها إلى عشاء رومانسي في إحدى الملاهي الليلة على مشارف العاصمة. تفكر ملياً في هديتها له، تنتابها الحيرة، إذ في العام الماضي قدمت إليه دب أبيض كبير كثيف الشعر ويحمل قلب أحمر صغير، فيما أهدته سلسة فضية اللون ونقش عليها أول حرفين من اسمهما في العام الذي سبقه.

تضحك بسرها.."وجدتها" تصرخ بهيستيرية من نوبة ضحك يشوبها الكثير من اليأس. "سأبحث له عن مسدس يحميه من الشر ويقيه من العنف في شوارع بيروت." بالطبع، تعرف ربى أنها لن تتمكن من شراء المسدس، مع أن الأمر يكاد أن يكون سهلا في هذه الأوقات الحامية في بيروت حيث الجميع بات يملك الأسلحة ولا يخاف من الإفصاح عن ذلك حتى يحمي نفسه وعائلته. ما زالت ربى محتارة، مع أن ساعات معدودة تفصلها عن ليلة 14 فبراير/شباط.

أما لينا، فلم تفكر كثيرا، إذ أن حبيبها برأيها هو من يجب أن يبتاع لها الهدية. تبتسم في سرها قائلة "أنا أكبر هدية في حياته." ولكن لن يطاوعها قلبها، هي تريد أن تقلد كل رفيقاتها اللواتي اشترين هدايا لعشاقهن. ستنزل هي ورفيقاتها الثلاث إلى السوق، تنتقي كل واحدة منهن هدية لحبيبها. ما زالت لينا في الجامعة ولا تعمل، ولكن قبل أسابيع عدة من "الفالنتاين" ادخرت قليلا من المصروف الذي يخصصه لها والدها، لشراء الهدية. تعيش لينا في منطقة الطريق الجديدة، حيث تتزين المحلات، بالأضواء البراقة، وحيث الواجهات تعرض "اللانجري" الأحمر اللون. هنا "مانيكان" تقف عارية وتغطي قطع حمراء شفافة أجزاء من جسمها النحيف الذي يشبه "الزرافة." يقف أمامها لاجئ سوري شاب. لا يملك الشاب اللاجئ إلا الحلم بفتاة جميلة من بلاده. ليس أمامه إلا الحلم بليلة حميمة بعيدة عن أنواع العنف وقساوة أيام اللجوء في بلد آخر.

ورغم أن لينا، تعيش في منطقة الطريق الجديدة، إلا أنها لن تجد ضالتها هنا، إذ أن الهدايا تتسم ببعض الشعبية بالنسبة إليها. ستذهب إلى إحدى المكتبات في قلب بيروت، حيث تزينت شوارع الوسط التجاري في العاصمة بالألوان والقلوب. وهناك ستفتش عن كتاب حب هندي "هذا كتاب يجب أن يحظى به أي عاشق." تقولها بثقة امرأة تعرف من الحب الكثير.

من جانبه، لا يعرف أحمد، ماذا سيقدم لزوجته هذا العام بالتحديد، إذ عادة ما يدعوها إلى تناول العشاء في أحد أمكنة السهر في شرق بيروت، حيث تلبس المطاعم والملاهي الليلية حلة مميزة حمراء اللون للإحتفال بـ"الفالنتاين"، وتقدم أجواء رومانسية وحفنة من المطربين اللبنانيين الذين يؤدون أغنيات خاصة للعشاق.

ولكن أحمد ينتابه الخوف مثل جميع اللبنانيين، ويخشى في الوقت ذاته أن تفوته لحظات الرومانسية في عيد الحب، إذ رغم النوايا الطيبة قد يظل سهم الحب طريقه إلى الهدف. "ماذا لو قرر انتحاري ما أن يفجر نفسه في إحدى المطاعم اللبنانية، وأن يفسد هذه الليلة. ماذا لو أراد الانتحاري أن ينتقم من العشاق." ترعبه الفكرة. يطرح الأمر على زوجته، عادة ما تكون قد حجزت سرا، ولكن في هذه الفترة الساخنة في بيروت، لا مكان لأسرار العشق الصغيرة. يسألها أحمد عن احتمال إقامة عشاء رومانسي في البيت، يقنعها بأنه لا يريد لانتحاري أن يخطف قلبهما الصغير. تقتنع الزوجة أخيراً. سيقيمان عشاء صغيرا، تزينه الكثير من الشموع. سيطلب هو العشاء "سوشي" أكلتها اليابانية المفضة من أحد المطاعم اليابانية التي تعج بها العاصمة. وسيجلسان معا حتى الفجر يتغزلان بالحب، ويستمعان إلى أغنيات فيروز أو فرانك سيناترا، ولكن الأهم أن يحظيا بلية هادئة بعيدا عن عيني الانتحاري.

ويبدو صديقه حسام، حائراً أيضاً إذ لا يعرف ماذا سيقدم هديه لحبيبته في هذه الليلة. توقف حسام عن عمله منذ أشهر عدة، هو عاطل عن العمل كما الكثير من الشباب اللبناني. أما المصروف الصغير الذي يأخذ من شقيقه الأكبر فيكفيه فقط لتزويد سيارته بالبنزين، وشراء كوب من القهوة وعلبة دخان.

حسم أمره. سيأخذ حبيبته في جولة بالسيارة. سيشتري لها وردة حمراء يتيمة من أحد اللاجئين السورين الذين يملؤون الطرقات في هذه الليلة. وسيسمعها "سي دي" لأم كلثوم تؤدي فيه أغنيتهما المفضلة "أنا وأنت ظلمنا الحب." سيتجولان في السيارة الليل بطوله. قد يأخذها إلى رصيف المنارة في منطقة الروشة، ويجلسان على صخرتهما المفضلة قبالة البحر. يحكيان كلاما كثيرا في الحب. يقنع حسام نفسه، "الأهم هو حبي لها وليس المال. الفقر ليس عيبا، ولا البطالة أيضاً." يقولها بحسرة "هذه آفة القرن الواحد والعشرين."  ولكن لا تخلو فكرة أحمد من إمكانية لقاء انتحاري ما. ماذا لو سار بقربهما انتحاري في منطقة الروشة؟. يسترجع أحمد هدوئه "الإنتحاري لن يستهدف عيد الحب.. هو يستهدف الضاحية أو الأحياء المحسوبة طائفيا. الانتحاري لديه أجندة محددة سياسية وطائفية." يحاول حسام إقناع نفسه. "ما باله وبالنا." ويتساءل حسام "ماذا يا ترى تفعل خطيبات الإنتحاريين في هذه الليلة، هل يبكين أم ينتحبن قدرهن أم هل بدأن بالتفتيش عن حبيب جديد يشغل القلب؟"

بدورها، تحاول المحلات التجارية في الضاحية الجنوبية التزين بخجل. هنا في شارع الطيونة، تضع مارو، وهي صاحبة أحد صالونات التجميل، إعلانا صغيرا على واجهة محلها حول هدية مميزة للزبائن في "الفالنتاين." تأمل مارو أن يجذب إعلانها سكان هذا الشارع الخائفين من الخروج من منازلهم. تلتقط ملقط الحاجب بيديها وهي تنتزع الشعيرات من حاجب إحدى زبونتها، "ما تخافي" تقول لها "اللي الله كاتبو بدو يصير.. ضهري وانبسطي بدنا نبقى ناطرين الإنفجار."