هذا المقال بقلم جابر بكر، كتبه أثناء قيامه باجراء تحقيق في أوروبا عن الجهاديين الذين ذهبوا للقتال في سوريا، وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
"إن الرجال هم أبناء عصرهم أكثر من كونهم أبناء آبائهم" قول المؤرخ الفرنسي مارك بلوخ هذا ينطبق كثيراً على "هبة". هبة فتاة بعقدها الثالث، ولدت في هولندا لوالدين مهاجرين. الوالد علماني من عائلة شيعية المذهب والوالدة سنية ملتزمة باعتدال. تربت مع أختها "ندى" في بيت واحد. هبة تلتف اليوم بثوب سلفي وبرقع يغطي الوجه. ندى ترتدي بنطالاً وقمصياً وشعرها يغطي كتفيها. هبة تُكفر الجميع بداية بوالدها الذي تُبيح قتله. ندى ترتاد الجامعة وتحضر لدراسات عليا. هبة عزمت الرحيل إلى سوريا للجهاد. ندى تأمل أن تدير مشروعاً لإدماج المهاجرين.
"لا تقبل أن تسير معي في الشارع، ربما تعتقد بأني عار عليها"، هكذا وصفت ندى حال أختها التي غدت شديدة الانطواء على نفسها. أطرقت صامتة تتأمل الفضاء ثم أردفت "هي تقتدي اليوم بمشايخ السلفية المغاربة الذين يروجون لأفكار ابن عثيمين والشيخ البزاز" بالطبع ندى لم تسمع بهم إلا من أختها التي ناقشتها مراراً وتكراراً دون جدوى. "لافائدة من الحديث معها" تؤكد ندى التي ترى أن حال أختها تغيرت مذ تعرفت إلى أحد الشبان السلفيين من أبناء المهاجرين أيضاً، ومن يومها بدأت تزور مساجد السلفية في أوترخت ولاهاي.
هبة تؤمن أن الدولة الهولندية وقوانينها كلها كافرة. تُصر على أن الشريعة الاسلامية أصح من كل القوانين الوضعية -- جابر بكر. وتبرر لحالات تعدد الزوجات المخالفة للقانون الهولندي أصلاً. تراها أمراً واجباً فعلى المسلم الالتزام بشريعة ربه. والله أحل تعدد الزوجات وهو أمر مستحب. هذا الذي نقلته ندى عن أختها يتفق ورأي رواد أحد مساجد السلفية في مدينة أوترخت. ويوافقهم جميعاً شيخهم الذي تحلقوا من حوله. يستفسرون عن أحكام الزواج والطلاق حلالها وحرامها.
كان الحديث عن كيد النساء، وكن يستمعن لحديثه في القسم المخصص لهن. بالطبع لم يعترضن. ثم وبسؤال شاب ذو لهجة مغاربية عن شرعية عقود الزواج الهولندية التي تسجل في البلديات، افتتح الشيخ حديثاً طويلاً. بدأ الحديث بإبطال كل هذه العقود المدنية التي لا تعتبر عقود زواج شرعية. "هذه العقود تبيح لك الزواج بأختك أو أمك أو ابنتك وحتى بكلبتك فكيف تكون عقوداً شرعية؟". وتابع الشيخ "العقد المدني ليس بزواج إنما عقد شراكة "بزنس" دوره تنظيم الضرائب فقط لا غير ولذا فإلغائه لا يعني الطلاق وإتمامه لا يعني الزواج أبداً".
"إذا وماذا عن تعدد الزوجات يا شيخنا؟" سأل إمام المسجد وأردف "هناك قانون يمنعنا أن نعقد لمتزوج نكاحاً ثانيا" فأنبرى الشيخ صارخاً "لا عقوبة عليك أبداً، وصلنا من مجلس الشريعة في لندن أن القوانين الهولندية والأوروبية
كاملة لا تمنع الإمام من عقد القران فهم لا يعترفون بهذا الزواج أصلاً ولذا فإن تعدد الزوجات أمر بسيط عليكم بالعقود الشرعية فقط" وتابع "إذا تزوجت بعقد شرعي ودخلت على زوجتك فهل يسألك أحد من هذه؟" جاء الرد مدوياً "لا"، "إذا ما المشكلة؟ إذا طرق شرطي باب بيتك وسألك من هذه فأغلق الباب في وجهه".
تشعب الحديث كثيراً بعدها وصولاً لمسألة الطلاق الصوري، أي أن تطلق زوجتك بالعقد المدني وتبقيها بالعقد الشرعي، وكيف أنهم يكذبون على البلديات كي يتمكنوا من زيارة زوجاتهم في بيوتهن التي تعطيها لهن البلديات، فرأى الشيخ أنهم آثمون بالكذب ولكن ليسوا بزناة "فالعقد الشرعي هو كلمة الله، ونحن لا نعترف بعقودهم الباطلة أصلاً" ختم الشيخ حديثه متجاهلاً استفسار أحدهم بأن كيف للمسلم أن يكذب؟ "أنا لم أقل أكذبوا عليهم ولكن لا يحق لهم منعكم عن زوجاتكم".
بالطبع لا تحتاج أن تكون مليونيراً لتتزوج بأربع نساء في هولندا فالدولة تدعم الأمهات العازبات بالمساعدة الاجتماعية أكثر من المتزوجة وتصل هذه المساعدة لحوالي 1200 يورو إذا كان لها طفل واحد فقط ويتناسب الراتب طرديا مع عدد الأطفال، كما تحظى الأم العازبة بالكثير من الخصومات وتعفى ضريبياً، ولذا فإن النساء المسلمات المتزوجات بعقود شرعية هن أمهات عازبات بالقانون الهولندي. وهذا يسهل تعدد الزوجات على المسلمين وبالذات السلفيين -- جابر بكر الذين يقطنون أحيائهم الخاصة في معظم المدن الكبرى في هولندا، ويلتزمون بقوانينهم الخاصة ويعتبرون المشاركة بالحياة العامة كفر بداية بالزواج المدني وانتهاءاً بالانتخابات.
قال عالم النفس الفرنسي غوستاف لوبون "القادة الحقيقيون للشعوب هم تقاليدها الموروثة". هذا ينساق على حال هبة والرجال المتحلقون حول شيخهم وكثير من مسلمي هذه البلاد. مليون مسلم أو يزيد في هولندا هم أسرى لتقاليدهم. تقاليد أجبرت إحدى شركات البناء على إعادة تجديد سلسلة عمارات بالعاصمة أمستردام بما يتماشى مع رغبات المؤجرين المسلمين الذين يمثلون أغلبية سكان المدينة.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.