دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- وسط الصراع الذي كان محتدماً بين المعسكرين الشرقي والغربي أوائل سبعينيات القرن الماضي، عانت عدة دول آسيوية اضطرابات وحروب قاسية، لعل من أبرزها ما جرى في كمبوديا، ومازالت أثاره ماثلة حتى الآن.
فقد دفعت حملة "القصف السري"، التي قادها ونظم لها الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، قبل قليل من انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، ووزير خارجيته آنذاك، هنري كيسنغر، إلى انضمام العديد من الوسطيين في تلك الدولة الآسيوية، إلى الجماعة المعروفة باسم "الخمير الحمر."
وبعد أن قام مسلحو جماعة "الخمير الحمر" باقتحام العاصمة الكمبودية بنوم بنه، في أبريل/ نيسان 1975، أعلنت تلك الجماعة انتصارها على معارضيها، لتبدأ فترة "عهد الطغيان"، والتي يصفها كثير من المؤرخين بأنها "الشيوعية الأكثر راديكالية على الإطلاق."
وتضمنت برامج عمل تلك الجماعة سياسات قامت على إشعال حرب طبقية، سعت إلى تفريغ المدن، ومنع الأموال، وإعدام المثقفين، بل وإعدام أي شخص يرتدي النظارات، في محاولة من أجل تأسيس "المدينة الزراعية الفاضلة."
ولكن بدلاً من تأسيس تلك المدينة المنشودة، انتهى الأمر بتلك الجماعة إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أودت بحياة ما يقرب من مليوني شخص.
وأصبحت مدينة بنوم بنه تعرف بشعبية مواقعها السياحية المظلمة مثل السجن السري في "تول سلينغ"، وحقول القتل.
فقد قام مسلحو الخمير الحمر بتحويل مبنى المدرسة الثانوية في تول سلينغ، إلى مركز للاستجواب، وسجن سري يعرف بالرمز "إس-21"، فضلاً عن أنه رمز للوحشية، وبلغ عدد المعتقلين 20 ألف معتقل خلال مدة أربع سنوات، نجا منهم سبعة فقط، ومن بين السجناء كان هنالك فقط أربعة فرنسيين، وبريطاني، واثنين أمريكيين.
ويمكن للسائح مشاهدة لوحات معلقة بالأبيض والأسود على أحد مباني السجن الأربعة، إذ عمد الحزب إلى التقاط صور للسجناء، وتعتبر هذا اللوحات الجزء الأكثر تأثيراً في هذا الموقع التذكاري.
وقد اشتملت تلك اللوحات على صور ضحايا التعذيب من الرجال والنساء والأطفال.
وتعبر تلك الصور عن الوجه الإنساني لأفراد عاشوا خلال نظام غير إنساني، اتسم باضطهاد كل من رفض الولاء له.
وقام حزب الخمير الحمر إلى تسمية نفسه بـ "آنغكار"، أي المنظمة، وأشار فيليب شورت في السيرة الذاتية الشاملة للزعيم بول بوت، "بول بوت: تاريخ كابوس"، بأنه كان مصاب بجنون العظمة.
ويعتبر متحف الإبادة الجماعية في تول سلينغ تجسيداً للمأساة التي تعرض لها الناس.
وما زال أحد مباني السجن، المبنى "أيه" تحديداً، يحتفظ بشكله كما كان عندما قامت القوات الفيتنامية بمهاجمة نظام الخمير الحمر، والإطاحة به في العام 1979، حيث ما زالت بقع الدم على الأرض، وأدوات التعذيب الصدئة فوق أطراف السرير.
وفي مبنى آخر، يمكن للزائر مشاهدة اللوحات التي رسمها فان ناث، أحد السجناء السبعة الناجين، وتوضح تلك اللوحات أشكال التعذيب التي تم اتباعها في السجن حتى الموت، فضلاً عن الوسائل البربرية التي استخدمت في انتزاع الاعتراف من أفواه السجناء.
وأصدرت محكمة تدعمها الأمم المتحدة حكماً بالسجن مدى الحياة على "الرفيق دويتش"، مسؤول السجن السابق، والمعروف باسم كاينغ غويك إياف.
ويتوقع البدء في جلسات محاكمة اثنين من القيادات العليا في الحزب، نيون شيا، وخيو سامفان قريباً.
تجدر الإشارة، إلى أنه أطلق على المقابر الجماعية اسم "حقول القتل"، ويستطيع المارّة من جانب الحقول رؤية شجرة كتب عليها لافتة بلغة الخمير واللغة الإنجليزية تقول: "شجرة شانكيري ضد الجلادين الذين يجلدون الأطفال."
وما زال يوجد على تلك الشجرة أثار المسامير التي كانت تستخدم لتسريع أحكام إعدام المناهضين للحزب.
وعمدت السلطات المحلية إلى ترميم حقول القتل في العام 2011، وحولتها إلى موقع يوثق بدقة الفظائع التي ارتكبها المتطرفون الماويون.
ويتوسط حقول القتل معبد "باغودا الجماجم"، المؤثر في الزوار.
ومن ضمن أعمال الترميم، فقد تم إضافة مكبرات الصوت لتمكن الزائر من الاستماع إلى أصوات أباطرة الموت من جلادي الخمير الحمر، وتطغى عليها أصوات ضحايا التعذيب من النساء والأطفال، الذين تعرضوا للضرب حتى الموت.
وتجسّد تلك المواقع التذكارية الماضي المظلم من تاريخ كمبوديا، الذي مزّق أوصال البلاد، كما يُنظر إلى جرائم الإبادة تلك بأنها السبب في أن 70 في المائة من سكان كمبوديا تحت سن الثلاثين.