دمشق، سوريا (CNN)-- يبدو الدفء حاجةً صعبة المنال بالنسبة لمهجري الحرب، الذين مازال العديد منهم يفترشون الأرصفة، والحدائق بدمشق، ومدنٍ سوريةٍ أخرى، أمام ذلك أطلق ناشطون في المجتمع المدني السوري مؤخراً، مبادراتٍ لتأمين كسوة الشتاء للمهجرين، بدأت بنداءاتٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سرعان ما وجدت تجاوباً كبيراً على أرض الواقع، كمبادرتي "كف وطاقيّة"، و"حقي إلبس".
"أم وأربعة أطفال، يفترشون حديقةً عاّمة بدمشق، ويلتحفون عباءة الأم أملاً بالدفء، طفلان آخران يسعيان لالتقاط قبسٍ من دفء يبعثه (اشطمان) سيارة تهم بالإقلاع، وغيرهم تجمّعوا حول محركات وحدات التكييف المركزي لأحد المحلات في الشارع"؛ تلك الحالات، وغيرها حفزّت فريق "كنّا وسنبقى" للعمل المجتمعي، على الاستمرار بمبادرة "كف وطاقية" للعام الثاني على التوالي، كما شرح مجد اليوسف منسق العلاقات العامة في الفريق لـ CNN بالعربية.
مبادرةٌ تسعى لجمع ملابس الشتاء المستعملة، أو الجديدة، والأغطية الشتوية من العائلات التي تبدو أفضلَ حالاً، وتوزيعها لمهجري الحرب، ممن لا يقيمون ضمن "مراكز الإيواء"، أو لا تصل إليهم مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية.
بعد نجاحٍ محدود خلال العام الفائت؛ أعاد فريق "كنّا وسنبقى" جدولة عمله على مبادرة "كف وطاقيّة"، هذه السنة، (منذ شهرٍ ونصف تقريباً)، البداية كانت بمشاركة 15 متطوع، ليتجاوز عددهم مؤخراً الـ 80، يعملون "تطوعيّاً 100%" كما أوضح مجد لـ CNN بالعربية، وأضاف: "لا نقبل التبرعات الماديّة، فقط الملابس، والأغطية الشتوية، ومن يعرض علينا التبرع بمبالغ مالية، نطلب إليه شراء ملابس بقيمتها وإرسالها إلينا، وهذا ما يحدث بالفعل."
وأشار مجد اليوسف إلى أنّ المبادرة تنشط بأكثر من مدينة سورية، لكنّها أكثر نشاطاً، في "دمشق، وحلب، وحمص،" وأكّد على كون مبادرتهم: "اجتماعية بحتة، لا علاقة لها بأي توجه سياسي."
تجاوز عدد متابعي صفحة فريق "كنّا وسنبقى" على "فيسبوك" الثمانية آلاف، ونجحوا من خلالها باستقطاب المزيد من التبرعات، والمتطوعين، عبر نشرهم الأرقام الهاتفية المخصصة للتواصل معهم.
لدى زيارة CNN بالعربية، لمقر مبادرة "كف وطاقيّة"، تحدّث لنا سائد عبد الغني مدير فريق "كنّا وسنبقى"، عن آلية عمل المتطوعين، الذين يجتمعون ثلاثة أيّام بالأسبوع، ليقوموا بفرز التبرعات التي يتلقونها على مدار الأسبوع، وتوزيعها لاحقاً.
وقال سائد إنهم يقومون بتصنيف الملابس والأغطية، بحسب العمر، والقياسات المتوفرة، ثم إجراء عمليات الإصلاح (كالخياطة، والغسيل) لبعضها، وتغليفها، وإيداعها مصنفةً بالمستودع، لتصبح جاهزةً للتوزيع، وفقاً للائحة الاحتياجات المتوفرة لديهم، ولائحة المستفيدين؛ "تكون بناءً على عمليات مسح يومية، يقوم بها متطوعون من الفريق، يقومون بزياراتٍ دورية، لأماكن انتشار مهجري الحرب، في حدائق دمشق، وعلى أرصفتها."
يقدّر عدد مستفيدي مبادرة "كف وطاقية" مؤخراً، بـ 180 عائلة في دمشق ومحيطها، (يتراوح عدد أفراد العائلة الواحدة بين 5 و11 فرد)، ووصلهم ما يزيد على الـ 4000 آلاف قطّعة، وزع منها حوالي الـ 3000، بينما لم يتجاوز العام الفائت الـ 35 عائلة، وبرر سائد عبد الغني هذه الزيادة بعدد المستفيدين للعام الحالي بتطوير آلية عمل الفريق، و"الاستفادة من أخطاء الماضي" بحسب قوله.
وقد يكون أحد أسباب تنامي الدعم لمبادرة "كف وطاقية"، سعي فريق "كنّا وسنبقى" لحشد دعم شخصيات عامّة سورية للمبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي، كالناشط يسر دولي، ومغني الراب السوري اسماعيل تمر، كما قام النجمان باسم ياخور، وديمة قندلفت بمشاركة رابطهم عبر حسابي "الفيسبوك" الخاصّيّن بهما، بينما زارت النجمة شكران مرتجى يوم الخميس الفائت (4 كانون الأوّل/ ديسمبر 2014) مقر المبادرة، وساهمت بتوضيب التبرعات مع فريق المتطوعين، وتوزيعها لاحقاً في إحدى حدائق دمشق، كما نشرتّ مرتجى في تدوينةٍ لها، أرقام الفريق لتلقي التبرعات، وطلبت من أصدقائها، ومتابعيها دعمهم.
في الإطار ذاته، استغّل فريق "سورية بتجمعنا"، إقامة بازارٍ خيري لعيد الميلاد، في "نادي الشرق"، التي تعد إحدى أفخم قاعات المناسبات بدمشق، وأطلق المرحلة الرابعة لحملةٍ بعنوان "من حقي إلبس"، تلقوا عبرها التبرعات بالملابس، على أن يتم توزيعها لاحقاً على متضرري الحرب.
الحال في "نادي الشرق" يبدو مختلفاً نوعاً ما، حيث انتصبت شجرة ميلادٍ ضخمة وسط القاعة، تحيط بها طاولات البازار، بينما يقصده أبناء الطبقة المتوسطة، والمخملية في العاصمة، بكامل أناقتهم لشراء الكماليات المعروضة، والتبرع لحملة "من حقي إلبس"، ثم يتوجهون بأطفالهم لمشاهدة المهرج، والتقاط الصور بجانب شجرة الميلاد الفخمة.
سيزار القصّار إحدى المتطوّعات بفريق "سورية بتجمعنا"، أوضحت لـ CNN بالعربية أنهّم أرادوا من خلال هذا البازار: "توجيه رسالة للمجتمع السوري والعالم، بأننا لا زلنا نعيش، ونريد أن نفرح ونحس بالعيد، إلى جانب العمل الخيري، وإضفاء بعد إنساني على هذا التجمع الاقتصادي والاجتماعي، ووجودنا هنا سمح لنا بالاحتكاك مع شريحة كبيرة من المجتمع، وزيادة عدد المتبرعين والداعمين للحملة، بعضهم تبرع بملابس جديدة، تم شراؤها خصيصاً لهذا الغرض، والإقبال ممتاز عموماً."
وأشارت القصّار إلى أن حملة "من حقي إلبس": "لا تقتصر على هذا البازار، حيث بدأت منذ العام 2012، وهي مستمرة، ومرتبطة بالمواسم والأعياد."
ويقوم فريق "سورية بتجمعنا"، بإعادة تهيئة ما يتلقاه من تبرعات الملابس مستعملة، لتوزيعها لاحقاً، إلى جانب الملابس الجديدة، في أماكن تواجد المهجرين: "داخل مراكز الإيواء، وخارجها بناءً على قاعدة بيانات من المستفيدين يتم تحديثها باستمرار."
وتوجهت سيزار القصّار بالشكر لكل مَنْ ساهم بحملة "من حقي إلبس"، أو دعمها، وأكدت مجدداً أن الحملة لن تنتهي بانتهاء البازار، ويمكن للمهتمين متابعتها، ومتابعة كافة أنشطة فريق "سورية بتجمعنا"، عبر صفحة الفريق على موقع "فيسبوك"، والتي تحمل الاسم ذاته.
ولفتت القصّار في ختام تصريحاتها لـ CNN بالعربية، بأن "المجتمع السوري متماسك، ولازال لدينا إحساس ببعضنا البعض، خلافاً لما يروّج عن سوريا في العديد من وسائل الإعلام."
ويبقى الدفء أملاً منشوداً، للكثير من السوريين داخل البلاد اليوم، وسط شتاء الحرب القارس، وصعوبة تحقيقه لا تقتصر على المهجرين فقط، بسبب غلاء الوقود، وصعوبة توفيره، وانقطاع التيار الكهربائي لساعاتٍ طويلة.