دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كانت جدتي تسمعني دائماً "يا رب تكبري وأراك عروساً،" كنت أفرح لسماعي ذلك، وكأني في سنواتي الخمس، كنت أخاف من أصبح "عانساً" (علماً أني لم أعد أؤمن بوجود عنوسة في مجتمعاتنا) فتثلج قلبي كلماتها بأني حتماً سأصير عروساً، بفستان أبيض. يأتي "سعيد الحظ" أو ربما لن يكون سعيداً أبداً، ويحملني على حصان أبيض..حكاية سندريلا والتي كنت أعشقها في طفولتي، كانت ترسخ في مخيلتي صورة المرأة الضعيفة، التي لا حيلة لها إلا تنظيف المنزل ليلاً نهاراً، حتى يأتي رجلاً في نهاية المطاف وينقذها من حياتها البائسة.
هذه كانت أحلامي السخيفة، أحمل صحناً من صحون البورسلان التي كانت رائجة في الثمانينيات، أجلس في مطبخ بيتنا الصغير، أتقوقع على نفسي على الأرض، وأحول الصحن البورسلاني إلى صحن طائر تحملني رسوماته الزرقاء إلى عالم وردي اللون. كان في الرسومات أمير وأميرة، يتجولان في حديقة قصر مهيب، يمسك الأمير بيد الأميرة ويتجولان معا بسعادة.. وكأن الحياة تبدأ وتنتهي هنا.
وكنت لسذاجتي أجلس ساعات في المطبخ، وأنا أتخايل الصورة في الصحن تخرج رويداً إلى الحياة. أرتدي فستان الأميرة، وأتخيل المطبخ الصغير حديقة كبيرة، أما الكرسي الخشبي في زاوية المطبخ، فهذا أميري الحالم، الذي سأرقص معه بعد قليل.
كنت أعتقد في صغري أن العشق والزواج هو فقط ما خلقت لأجله. وكرهت المدرسة، لأنها كانت تؤجل أحلامي.
كيف يمكن أن أفكر بشيء غير الزواج، نهاية حتمية لي، إذا كان كل من يراني يدعو لي هذا الدعاء.
لحسن الحظ، انكسرت جميع صحون البورسلان في مطبخنا الصغير، تشتت الحلم، وأتتني تلك الصفقة القاسية على وجهي، عندما وقفت أمام جارتي، سألتني ماذا أريد أن أفعل عندما أكبر..وكان جوابي واضحا أريد أن أتزوج وأصبح أميرة. ضربتني بشدة على وجهي..وما زلت أشعر بقوة هذه الضربة وأسمع زقزقة العصافير تدور فوق رأسي الذي برم 180 درجة في وقتها. نهرتني قائلة: "هل تريدين أن تعيدي تجربة أمك وجدتك، وقريباتك؟ لماذا أتيت إذاً إلى هذه الحياة؟
كانت هذه الضربة كافية لانتشالي من حوض الطين الزهري اللون.
حلت مكان صحون البورسلان، قصص أغاتا كريستيي، وكامو وميلان كونديرا، وانتبهت إلى تفاصيل باتت كثيرة البشاعة بعدما كنت أراها جميلة قبلاً. لم يعد جلي الصحون أمراً يبث المتعة في نفسي، ولم أعد أرى أمي جميلة وهي تحمل مكواة البخار بسبب انقطاع الكهرباء في الحرب الأهلية اللبنانية، وتحاول كي الثياب بصعوبة.
ما زلت أعشق كل طبخ والدتي، علماً أن أحلامي صارت أكبر من قدرتي فقط على تقليد هذه المأكولات الرائعة.
أردت أن أشبه الرجل أكثر من المرأة، ليس لأقلل من أنوثتي، إنما محاولة للتمرد على ما ترسخ في رأسي من صور نمطية. أردت أن أقلب الطاولة على كل المفاهيم الخاطئة التي تربيت عليها، وعشتها من خلال محيطي.
كنت أحب جدي كثيرا، علماً أن جدي كان كبقية الرجال، ذكورياً، ولكنه كان يحترم المرأة كثيراً، فكان يسمح لأمي مثلاً أن تنفث السجائر بحضرته، رغم أن هذا الأمر كان خطاً أحمر في المجتمع.
هذا التمرد الصغير لأمي وغيره من حالات التمرد الأكبر، علمني، أن لا أرضخ لما أعتبره غير منطقياً.
صرت صحافية لأن جدي كان صحافياً، وكان يأخذني أنا الفتاة الصغيرة على دراجته الهوائية إلى حيث كانت الجريدة اليومية التي يعمل فيها في مبنى يشبه الهيكل العظمي المتداعي.
كان جدي أول من كسر صورة المرأة النمطية في رأسي..وأشكره على ذلك في هذا اليوم تحديداً.