دمشق، سوريا (CNN)-- استأنفت المؤسسة العامَة للخط الحديدي الحجازي ، تسيير قطار "النزهات" بدمشق، صباح الجمعة، بعد توقف أربع سنوات تقريباً، ليعيد القطار بعربته الصفراء البهجة إلى قلوب أهالي المنطقة... (شاهد الفيديو عبر الرابط)
ولكن القطار سار هذه المرّة بدون القاطرة البخارية الشهيرة، حيث استخدمت قاطرتين هنغاريتي الصنع من طراز Schoma 1974، تم إعادة تأهيلهما، لجر عربة، تتسع لـ 80 شخصاً، في رحلة القطار التي قطعها بين منطقتي "الربوة" و"دمرّ" (مسافة بين 3 إلى4 كلم)، بمحاذاة مجرى نهر بردى، واستغرقت الرحلة قرابة النصف ساعة ذهاباً وإياباً، وسط بهجة الدمشقيين الذين اعتادوا التنزه يوم الجمعة بمقاهي المنطقة الممتدة على ضفاف النهر.
الحادية عشرة صباحاً بتوقيت دمشق، عاد صفير القطار ليملاً سماء المكان، ولكن لمسافة تبدو محدودة جداً، مقارنةً بمسافات كبيرة كان يقطعها على مدى سنواتٍ وسنوات من عمر الخط الحديدي الحجازي الذي احتفل بمئويته الأولى سنة 2009، حيث كانت رحلة قطار النزهات تمتد من محطة "القدم" جنوبي دمشق، إلى بلدة "سرغايا" السوريّة على الحدود اللبنانية، باستخدام قاطرة بخاريّة، تجر عرباتٍ خشبية، ضجتّ مقصوراتها بضحكات السوريين، لاسيما الدمشقيين لأجيال، خلال رحلات "السيران" الأسبوعية وظهر هذا القطار بأعمال سينمائية، كفيلم "خيّاط السيّدات" الشهير (بطولة المصرية شاديا، ودريد لحّام، والراحل نهاد قلعي)، يومها أنشدت الممثلة والمغنية الشهيرة، بصوتها الدافئ أغنية "ياطيرة طيري ياحمامة ما بين دمر والهامة." المستوحاة من تراث أبو المسرح السوري أبو خليل القباني.
اليوم توقف القطار عند حدود "دمّر"، ولم يبلغ "الهامة" التي تعتبر منطقة ساخنة منذ العام 2011، عشيّة سيطرة المعارضة المسلحّة عليها، واستيلاءها على محطة القطار هناك، وقاطراته البخاريّة، وتوقفت رحلات قطار النزهات منذ ذلك التاريخ، كذلك محطّة قطارات "القدم" الكبرى والرئيسية جنوبي دمشق، تعرضت للتخريب على يد مسلحي المعارضة، قبل أن يستعيد الجيش السوري السيطرة عليها لاحقاً، ونجحت المؤسسة العامّة للخط الحديدي الحجازي، باستقدام قاطرتين منها، وعربة لنقل الركّاب، اشتغل عمّالها على إعادة تأهيلها، تمهيداً لاستئناف الرحلات بعد غياب، ولو بالحد الأدنى.
إسماعيل إسماعيل رئيس قسم الحركة في المؤسسة، قال لـ CNN بالعربية، إن التحضيرات لإعادة استئناف الرحلات استمرت نحو الثلاثة أشهر، وشملت إصلاح سكة القطار، بين "الربوة" و"دمّر"، وإزالة التعديّات عليها من أصحاب المطاعم بالمنطقة، وتأهيل القاطرتين، والعربة.
هكذا تنوي المؤسسة الاستمرار بتسيير الرحلات، طوال فصل الصيف، بواقع رحلةٍ صباحية يومياً، ويمكن زيادة عددها لتصل إلى ثلاثة، أو أربعة، وربما يتم إعادة تسيير القطار انطلاقاً من منطقة "كيوان" المجاورة لـ "الربوة" لتطول الرحلة أكثر، أما سعر التذكرة، فيعتبر رمزياً، حيث لايتجاوز الـ 50 ليرة سوريّة.
خلال مواكبة CNN بالعربية، لرحلة القطار، لاحظنا حجم بهجة الناس، التي قوبل بها على امتداد الرحلة، كذلك بدا الحال في قمرة القيادة، حيث كان طاقم السائقين، والفنيين، يستعيدون أغاني النزهات الشهيرة، والمرتبطة بالقطار، خاصّة أغنيّة فنان الشعب رفيق سبيعي "صفّر صفّر يا بابور خدني عالزبداني."، بينما كان صوت الأغنية يتماهى مع صوت القطار منبعثاً من مكبرّات الصوت، كما كان لـ "ياطيرة طيري ياحمامة" بصوت صباح فخري نصيب في الرحلة.
بالبهجة ذاتها، قابل سائق التاكسي الدمشقي أبو هاشم، طلبنا بالسير نحو محطّة القطار، حينما علم بأنّ قطار نزهات طفولته سيعود للانطلاق، تناول قطعة نقدية صفراء من على "تابلو السيّارة"، تعرف بـ "الفرنك" وتعادل خمسة قروش سوريّة، فركها بيده كما لو كانت تميمة، وقال "اسقى الله... كنّا نروح كل جمعة بالقطار على سرغايا بفرنك"، وروى لنا ذكرياته عن سيارين القطار مع والده وعائلته إلى "سرغايا"، و"الزبداني"، و"الفيجة"، وطقوس أكلة الفول التي كانوا يعدّونها بالقطار، ورائحة القهوة المعدّة باستخدام "بابور الكاز"، ولقاء أخيه بزوجة المستقبل، وأرساله والدته لخطبتها، بعد أن لمحها لأوّل مرّة خلال إحدى الرحلات.
أبو هاشم اعترض على تأخر القطار، بالعودة للانطلاق، فالموعد المحدد الذي كان ينبغي الالتزام به من وجهة نظره هو يوم 17 نيسان، ذكرى الجلاء، والذي كان يعني للدمشقيين كل عام، عودة موعد السيارين... لكنّه عاد للقول "الله يفرّج أحسن شي."