ماجدة بوعزة/ مراكش، المغرب CNN – ميرجان بو شعيا، الكاتب والمخرج اللبناني، صاحب الفيلم الطويل "فيلم كثير كبير"، الذي عرض في مهرجانات دولية كثيرة، منها مهرجان تورونتو العالمي للافلام السينمائية، كما عرض ببرلين ويعرض حاليا بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وهو الفيلم الذي لاقى إعجابا كبيرا من الجمهور والنقاد.
CNN بالعربية كان لها لقاء مع المخرج اللبناني الشاب، الذي تحدث لنا عن تجربته السينمائية الأولى في مجال الفيلم الطويل والمبتغى منها، كما أفصح عن تصوره كسينمائي عن مفهوم نقل الواقع سينمائيا ومحاولات التغيير، مبديا رأيه في محاولات الشباب اللبناني والعربي عامة في الانتقال من واقع مفروض عليهم لنمط عيش آخر يتمنونه.
بداية، حدثنا عن تجربة فيلمك الطويل الأول ''فيلم كثير كبير''، الذي لقي كل هذه الحفاوة من ممتهني المجال السينمائي والجمهور، وأوضح لنا ما كان هدفك من إنجازه؟
لم يكن غرضي من الفيلم توجيه رسائل أو وعظ أحد، صحيح أن "فيلم كثير كبير" فيه العديد من الرسائل وأسهما موجهة للعديدين، لكن هدفي منه كان محاولة تطوير مفهوم "قوة الصورة" ومدى تأثيرها على المجتمع وعلى حياتنا اليومية، هذا المفهوم وجدت له قالبا في قصة الشباب الثلاثة أبطال الفيلم، وبما أنني جربت أن أكون صادقا مع نفسي ومع البيئة التي أتيت منها، انعكست مشاكل البلد برمته وواقعه في المنتوج.
العديد من المنتقدين قالوا إن التركيز على الواقع ونقله بحذافره، قد تسبب في إعطاء صورة قاتمة عن الوضع في لبنان وسود الواقع أكثر، هل تتفق مع هذا الطرح؟
فيلمي لا يسوّد الواقع، فبالنسبة لي الواقع أسود أصلا، وأنا لا أتقن الاختباء وراء أصبعي، صحيح أن السينما يمكن لها أن تلعب دورا تجميليا وتلميعيا لواقع معين، وتنقل القصص بصورة غير حقيقية وبعيدة عن الواقع، لكن هذا أنا لم يكن مبتغاي، فقد كنت أبحث عن الحقيقة والواقعية بالفيلم، واليوم واقعنا بشع للغاية، وأمامنا خيارين لا غير، إما أن نتعايش معه ونرضى به، أو نغيره، وهدفي من الفيلم ليس التغيير بقدر ما هو إرادة للتعبير عن واقع، وعرض قصة حقيقية على العالم، ففي النهاية تظل السينما فنا ترفيهيا.
حتى وإن لم يكن من أهدافك تحقيق تغيير بفيلمك، هل ترى أنه بمقدور السينما أن تغير في الواقع، وأن أن تدفع على الأقل إلى التفكير في ذلك؟
بالنسبة لي، إن استطاعت السينما كفن أن تصل إلى مرحلة تغيير الواقع، فستكون قد وصلت بذلك إلى أرقى أهدافها، ولكن ذلك ليس بالأمر الهين، وأنا لا أدعي أن الفيلم أتى لتيغير الواقع، لكن في حالة أنه تمكن من ذلك بشكل معين، فسنكون قد وصلنا لأرقى أهداف الفن، وأكيد هذا من متمنياتنا.
هذا الفيلم عرض في مهرجانات كبرى، وفي بلدان كثيرة، لكن ما هي الإضافة التي يقدمها له عرضه بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش؟
مهرجان مراكش له طابع متميز، صحيح أننا افتتحنا بتورنتو وعرضنا بلندن وباليونان وبالدوحة، وفي هذه العروض اكتشفنا أن لكل مهرجان طابعه الخاص، ومراكش مدينة تعكس جماليتها وألوانها على الفيلم، كما أن خلق مساحة في قلب المهرجان منحتنا فرصة لنسمع صوتنا في هذا البلد وهذه نقطة جد مهمة، فنحن نفتش عن مساحات تخلق حتى يسمع صوت الفيلم وصوت الشباب الذين يصرخون داخله، وهم طاقات شبابية لبنانية تتشارك نفس الهدف ونفس النية. وبالإضافة إلى كل هذا، يظل هذا المهرجان تنظيميا من أرقى المهرجانات التي عرضنا بها، وينافس ضخم المهرجانات الدولية والعالمية، وهذه إضافة لنا أن نكون من المشاركين فيه، وإضافة قوية لمسار الفيلم.
بمحاولات الشباب اللبناني المهني، وبمحاولات كل السينمائيين اللبنانيين القدامى، هل استطاعت السينما اللبنانية أن تحقق لنفسها مكانة مهمة وسط الحقل السينمائي العربي؟
السينما اللبنانية اليوم لديها مشكلة على مستوى الصناعة، لكن في نفس الوقت هناك الكثير من السينمائيين اللبنانيين أثبتوا أنهم يستطيعون إنتاج فيلم لبناني بجدارة، يمكن عرضه أمام الجمهور العالمي، ويحققوا عبره صدى قوي ونجاح باهر، فأنا لست أول مخرج لبناني يطوف العالم بفيلمه ولن أكون الأخير، وتاريخ السينما اللبنانية تثبث ما أقول.
لكن ما ينقص السينما اللبنانية له ارتباط بالبلد، وعدم وجود صناعة سينمائية حقيقية بلبنان، وهذا سببه الكثير من العوامل كغياب دعم الدولة، وتغييب السينما عن سلم أولوياتها، فبالنظر إلى ما تمر به المنطقة، مستحيل أن تكون السينما من ضمن المجالات ذات الأهمية القصوى، لكننا نتمنى أن نصل إلى مستوى يدفع بالمسؤولين ويحثهم على جعلها ضمن لائحة الأولويات بالبلد، لأنها تعكس الواقع وقد تصل لدرجة التغير فيه.
بالحديث عن التغيير، هل ترون أن الثورات العربية التي أتت بالتغيير كعنوان لها، كان لها انعكاس على الشباب المبدع في مجال السينمائي، وأعطته جرعة من الجرأة للتعاطي مع الموضوعات الحساسة وتجسيدها في إنتاجاتهم؟
الشباب العربي عامة والشباب اللبناني بالأخص وأنا منهم، مؤمن أن إرادة الحياة أقوى من إرادة الموت، ولا يمكن أن ننجر مع حالة الإحباط الجماعي الذي يضرب شباب المنطقة، فما نجرب أن نفعله هو أن نكسر هذا الإحباط، ونجرب دائما أن نعاكس سياسة التخويف والإرهاب والترهيب، وهو ما يظهر بالعمل ككل (الفيلم) وعبر مشاركته مع العالم، ولعل الإقبال عليه يظهر فعلا أن الناس لا تريد أن تنجر في هذا الإحباط وفي هذه السياسات التي تعكس ثقافة الموت، والشباب اللبناني باختياره العمل في قطاعات كالسينما أو قطاع آخر يمكن من خلاله الوقوف في وجه تلك الأفكار، يثبت أننا مع إرادة الحياة وضد ثقافة الموت.
وفي هذا الصدد يمكن القول إنه من المعاناة يولد الفن، وبالنسبة لي الثورات التي حصلت بمختلف مناطق العالم العربي لا تشبه بعضها، فلكل منها خصوصياتها وأسبابها وأهدافها، الشيء الذي يجمع بينها هو كون المشاركون فيها هم أناس لهم إرادة حقيقية في تحقيق التغيير.
وإذا انطلقنا من مفهوم "من المعاناة يولد الفن"، فأكيد سيكون للثوراث انعكاسات على السينما وكيفية تعاطيها مع الواقع، نحن في منطقة غنية بالمشاكل، وبالثورات وبالجمال أيضا، وعندما ندرك ذلك يعطينا دافعا كبيرا للاشتغال. صحيح أنه ليس من الجميل أن يظل في مشاكل لكن من الجميل أن يظل هناك غنا وتنوع نشتغل عليه سينمائيا.