عمان، الأردن (CNN) -- عند البحث عن موطن ولادة الفيلم الأردني "ذيب" الذي أعلن عن ترشحه لجائزة "الأوسكار" عن فئة الأفلام الأجنبية، الأسبوع الماضي، لأول مرة في تاريخ الحركة الفنية الأردنية، يتكرر اسم قرية "الشاكرية" في وادي رم جنوب الأردن، القرية النائية، التي لا يزيد عن سكانها مائتي نسمة، ونالت من الشهرة ما لم تنله مدن آهلة.
"الشاكرية" التي تتشابه مع نظيراتها جنوب البلاد في "التهميش والنسيان وانقطاعها عن ركب الحداثة"، أخرجت للعالم اليوم عملا سينمائيا فارقا يسعى لاقتحام السينما العربية المستقلة، بحسب كاتب القصة وأحد منتجي الفيلم باسل غندور، قبل أن يفكر منتجو الفيلم بحصد 19 لقبا وجائزة، من أبرزها الترشح لجائزة "البافتا" البريطانية ولاحقا "الأوسكار" لسنة 2016 المقرر إعلان نتائجها في 28 فبراير/ شباط المقبل.
ولا يعتبر العمل الروائي الأول لمخرجه الأردني ناجي أبو نوار، مجرد قصة شعبية تستحضر قيم الرجولة والشجاعة لسيرة "ذيب" الطفل البدوي الفطن الذي يقوده شغفه بمعلمه وأخيه الأكبر، لخوض مغامرة استكشاف الصحراء بما تحمله من مخاطر إبان الثورة العربية الكبرى، بل "حالة تجمع بين الجمالية والاستكشاف.. هي هنا رحلة ذيب من الطفولة إلى الرجولة في بيئة قاسية"، بحسب تعبير غندور.
فنيا، خاض طاقم العمل تحديات تبدو غير عقلانية، كاختيار ممثلين لم يخوضوا غمار التمثيل، كحال "ذيب" البطل الذي جسد دوره الطفل جاسر عيد، وحسين سلامة (بدور شقيق ذيب) وحسن مطلق (بدور الغريب دليل الحجاج)، إضافة إلى 8 آخرين، من عشيرة الحويطات الشهيرة في شبه الجزيرة العربية، قادتهم صدفة قراءة إعلان طلب ممثلين للفيلم، إلى أن يقفوا بين ليلة وضحاها أمام آلة التصوير.
وكتبت قصة الفيلم الذي صدر في 2014 وبدأ عرضه في دور السينما في مارس/ آذار 2015، باستمزاج أهالي المنطقة الذين أبدوا معارضتهم بادئ الأمر، واختيرت اللهجة البدوية القديمة للحوار، كما يشير غندور، ولم تخل مراحل التصوير من عقبات، كإعادة تصوير بعض المشاهد المصورة جميعها في صحراء رم، لصعوبة المناخ والجغرافيا.
ويشكل استحضار جماليات صحراء رم دون مشاهد مصطنعة، إلى جانب عفوية أداء الممثلين لمغامرة شيقة تعكس عمق الثقافة البدوية ومعاناة الجوع والعطش ومواجهة الموت، عناصر أساسية أنجحت الفيلم، كما يرى غندور.
ويضيف: "لم نكن نأمل بالوصول إلى ما وصلنا له اليوم، ما كان يخيفنا عدة قضايا أولها الميزانية المتواضعة وتصوير لمدة 5 أسابيع في صحراء متقلبة وقاسية، اضطررنا لإعادة كتابة مشاهد بسبب تحميض الفيلم في النمسا، كنا نرى المشاهد المصورة بعد أيام حتى تصل من هناك، الجميع عمل بدافع الشغف والمردود كان متواضعا لمن شارك في حينه".
وأضاف غندور: "حبنا الأول كان أن نصنع فيلما يخوض غمار السينما المستقلة وخلق ثقافة سينمائية.. والآن نحن سعيدون جدا".
ولا تبتعد قصة الفيلم المتخيلة في حبكتها عن واقع الثورة العربية آنذاك، مضافة إليها عفوية "ذيب" في الاستكشاف التي تبدأ بتردده في مسك السلاح وذبح "الحلال" بالسكين لضيوف قبيلته، وينهيها بقتل الغريب، قاتل شقيقه انتصارا لكرامته.
ويقول حسن مطلق (الغريب) عن مشاركته في الفيلم: "في صيف 2012 خرجت لإحضار فطور صباح يوم لأبنائي الثمانية ووجدت إعلانا معلقا على واجهة الفرن، أعجبتني الفكرة وقررت الاتصال.. خضعت لاختبار كاميرا لمدة 10 دقائق وبعد شهر اتصل بي المخرج أبو نوار وأخبرني بوقوع الاختيار علي للتمثيل في الفيلم.. هنا بدأت محطة جديدة في حياتي بعد أن مررت بتعثر في عملي وكنت لمدة عاطلا عن العمل".
كما يفخر مطلق، بإظهار قيم المجتمع البدوي في الفيلم، رغم الاشتباك الذي تبرزه القصة في انقسام العرب بين الخلافة العثمانية والوجود الانجليزي، مشيرا الى حالة الاشتباك بالمقابل التي تولدت بينه وبين التمثيل، داعيا الجهات المعنية في بلده الى الالتفات إلى المواهب الشابة الجديدة، ورعايتها.
أما جاسر عيد الذي بات اسم "ذيب" ملازما له، فيرى أن تجربته في التمثيل ما هي إلا رسالة إلى المسؤولين في بلده للاهتمام بجيل الشباب في المناطق النائية، التي لم تنل نصيبها من خطط التنمية الرسمية.
ويقول "ذيب" بلهجته البدوية البسيطة لـCNN بالعربية: "التجربة كانت ممتعة العادات والتقاليد ذاتها.. أهالي المنطقة شجعوني، أتمنى أن يحصل كل من هو في عمري بفرصة كالتي حظيت بها".
ويشير ذيب إلى أن مشهد سقوطه في البئر هربا من قطاع الطرق كان أصعب مشهد قام به، وأضاف: "أصعب مشهد كان البير والوقت كان شتاء وأمطار غزيرة".
لم يحظ الفيلم ذو الانتاج المشترك، في مراحله الأولى بدعم ملحوظ، لكنه استطاع بعد تسويق عدة مشاهد منه، أن يحظى بدعم صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية في الأردن، ومن قبلها، مؤسسة الدوحة للأفلام، وصندوق "سند" للأفلام في أبوظبي، وبمشاركة كوادر أجنبية.
ويتنافس "ذيب" في الأوسكار، على فئة الأفلام الأجنبية مع خمسة أفلام عالمية أخرى من كولومبيا وفرنسا وتركيا والمجر والدانمارك، فيما حاز الفيلم على جائزة لجنة التحكيم لأفضل تصوير من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2014، وجائزة أفضل مخرج ضمن قسم آفاق جديدة في مهرجان فينيسيا السينمائي.