هذا المقال بقلم الصحفي المغربي إسماعيل عزام، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
أظن أن غوستاف لوبون لو أمكنه أن يعيش في هذا العصر ويفتح حسابًا فيسبوكيًا كي يتفاعل مع أصدقائه وقرائه، لأضاف فصولًا كثيرة إلى كتابه الشهير "سيكولوجية الجماهير"، لا سيما في ما قاله عن أن العواطف المتطرفة تحرّك الجماهير وتؤثر عليها، فمجرّد مطالعة منه لصورة "اضغط رقم 2 وتختفي القطة" وكيف يصدق مئات الآلاف، غالبيتهم يمتلكون حسابات شخصية حقيقية، خدعة فيسبوكية سخيفة، ستجعله يضيف فكرة أن التفاهة الإلكترونية تحرّك كذلك هذه الجماهير بشكل تعجز عنه أقوى نصوص الخطابة.
الضليعون في المجال الإلكتروني ومن يستخدمون القليل من عقولهم يدركون أن هذه الأساليب مجرّد تفاهات هدفها الرئيسي نشر صفحات إلكترونية على أبعد مدى، وبقليل من الشرح، فالحسابات التي تنشر صور القطة التي ستختفي عبر كتابة رقم 2 والفاتنة التي ستتضح ملامحها عبر كتابة رقم 6، تستعمل غالبًا أسماء مستعارة لفتيات، يلجأ من قاموا بإنشائها، إلى استخدامها في أعمال تجارية، أو بيعها حال وصولها إلى أرقام كبيرة من المتابعين، ويمكن لمن اشتراها أن يغيّر الإسم بسهولة، ويحوّلها مثلًا إلى "شركة أبو الشمقمق للمعلوميات".
ولا تتوّقف مآسينا بخصوص صورتي القطة والفاتنة عند مجرد الفضول في معرفة ما سيحلّ بالصورة بعد كتابة 2 أو 6، فهناك ارتباط كبير بين الموضوع والكبت الجنسي الذي يخيّم في هذه المنطقة، ويكفي أن ترى كيف أن الكثير من المعلّقين ينتظرون اختفاء القطة كي يرون صدر الذي كانت تجلس عليه، أو ليرون جسد الفاتنة بعد اتضاح الصورة. دون نسيان أن الصور الشخصية لهذه الحسابات، تعود غالبًا لفتيات جميلات المنظر، ولا مانع من إضافة بعض توابل التشويق الإسلامي الذي يعدّ مطلوبًا في فيسبوك، عبر اختيار صور "محججات-لايت"، بمعنى أولئك اللواتي يرتدين الحجاب للإيقاع بقلوب الرجال "الأتقياء"، وليس تقرّبًا من الله.
بيدَ أن الفاجعة الإلكترونية تمتد إلى أكثر من هذا، يمكنك وأنت تبحث في فيسبوك عمّا يفتح لك شهيّة الصباح، أن تصطدم بصورة حبة طماطم يتوّهم ناشرها أنها تسبّح بحمد الله، وكيف يتتبعه الآلاف من المهللين والراغبين في حسنات إلكترونية، وبعدها تصطدم بصورة أوروبا وقد تم تحويلها إلى هيئة رجل ساجد يقبل المغرب، على أن أكبر الفواجع هي المتاجرة بصورة طفل يعاني من تشوّه خلقي، وتحته توجد عبارة: "اكتب الحمد لله لأن الله لم يصبك بهذا المرض".. ولو علم المعلّقون أن تشوّه أعماقهم لا يعادل أبدًا في فظاعته تشوّه مظهر هذا الطفل، لخجلوا من التعليق ولبحثوا عن قليل من العلم النافع الذي يحارب جعلهم.
هذه الصور التي تحقق أكبر معدلات المشاركة والانتشار، تتيح للكثير من المواقع الإلكترونية شراء صفحات تحفل بآلاف المتابعين القادرين على مشاركة أيّ شيء مهما بلغت درجة تفاهته، ممّا يتيح لهذه المواقع، وهي في الغالب مواقع إخبارية، الحصول على جمهور يصدق أي خبر تنشره.. جمهور ينقر على أي شيء ويشارك أي شيء، ولا يستخدم جزءًا من المادية الرمادية التي تسكن عقله كي يحلل. لذلك لن تستغرب عندما تجد مواقع لا مصداقية لها، تتقدم في الترتيب الإجمالي على مواقع أخرى تعاني من أجل الحصول على الخبر الحقيقي والمعلومة الدقيقة.
الشبكات الاجتماعية اليوم ليست مجرّد فضاء لتمضية الوقت، بل هي جزء من معيش ساكنة هذه الأرض، ولن تجد، إلّا في حالات قليلة، مواطنًا في مقتبل العمر لا يقضي ساعات من يومه في فيسبوك أو تويتر، فمن هذه الشبكات، تندلع الكثير من النقاشات المجتمعية التي تفضي إلى وقوع تغيير في العالم الواقعي، ولنا في الانتفاضات العربية خير مثال. بيدَ أن القطة وحبة الطماطم خلقتا جمهورًا سهل الانقياد إلى الأكاذيب، يمكن تحريكه دون كثير من الجهد، ويمكن حتى الافتراء عليه في هذه النقاشات الجادة بنشر معلومات مغلوطة يصدّقها بكل سهولة.. ولا غرابة في ذلك، فإن لم يصدقها فليعلم أن ذنوبه هي التي منعته.