المقال بقلم الزميلة: سامية عايش، (الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر لـ CNN)
في عالم بدت ألوانه باهتة وقريبة من واقع تعيشه المرأة العربية عموما، والمصرية خصوصا، قدم لنا المخرج محمد حماد فيلمه الروائي الأول "أخضر يابس"، ليترك تساؤلا كبير في ذهن كل من يشاهده، مفاده: هل تجد المرأة العربية نفسها يوما مستقلة عن الرجل، قادرة على اتخاذ قرارها، ومؤمنة أنها إنسانة كما هو تماما، تملك فكرا وشعورا يدلانها على الطريق الصحيح والخيار الصائب؟
بعد مشاهدة هذا الفيلم، قد تدخل في حالة من الكآبة والبؤس والتشاؤم في أن مثل هذا اليوم لن يأتي أبدا، ولكن إن أعدت التفكير في قصة الفيلم، ستجد أن بطلة الفيلم كانت في النهاية قادرة على مواجهة أكثر المحرمات خطورة في المجتمع العربي، وبالتالي، فالأمل موجود في أن يصبح مثل هذا اليوم حقيقة واقعة.
يحكي فيلم "أخضر يابس" قصة إيمان، فتاة مصرية ملتزمة دينيا ولم تتزوج برغم سنها المتقدم، وتعيش مع شقيقتها نهى. تطلب إيمان من أعمامها الثلاثة الحضور لمقابلة عريس تقدم لشقيقتها، ولكن كلا منهم يقدم عذرا حتى لا يأتي. تعيش إيمان حالة من القلق بسبب انقطاع دورتها الشهرية، وحالة من الانعزال بسبب تراكم المسؤوليات عليها، وحالة من الحزن لشعورها بالوحدة في هذه الحياة.
الفيلم تغلب عليه روح الصمت، فهنالك هدوء المكان، داخل منزل إيمان ونهى، وهنالك السكون الداخلي الذي تعيشه إيمان بسبب تضارب الأفكار والظروف التي تعيشها. كما أن الألوان التي خيمت على الفيلم كانت ألوانا رتيبة باهتة لا حياة فيها.
وبرع الفيلم في تقديم شخصية الفتاة المكسورة، إيمان، والتي ترى في نفسها قادرة على تحمل جميع مسؤولياتها تجاه نفسها وتجاه شقيقتها (ماديا على الأقل)، ولكن تقاليد المجتمع البائسة تمنعها من أن تكون مستقلة وقادرة على تحمل العبء العائلي، وهو ما تمثل في ضرورة وجود "ذكر" من العائلة ليقابل العريس القادم.
الفيلم قدم فكرة مهمة أيضا، فمن يقف ضد استقلالية المرأة وقدرتها على تحمل مسؤولياتها، قد لا يكون الرجل فحسب، بل قد تكون بنت جنسها: امرأة أخرى. وهو ما تمثل في دور نهى، شقيقتها، الكسولة، التي لا تبالي بمشاعر شقيقتها، وتعبها، وكل جهودها التي تبذلها لأجلها. كما بدا ذلك واضحا من خلال شخصية زوجة العم، التي تحرض زوجها على عدم مساعدة الفتاتين، وعدم تحمل مسؤوليتهما.
في الوقت ذاته، حرص الفيلم على ألا يقدم شخصية الرجل بمظهرها المتطرف، أي المتجبر، المتسلط طول مدة الفيلم، فهناك شخصية العم الثالث، الذي برغم مرضه وتعبه يوافق على الحضور عند زيارة أهل العريس لمنزل إيمان ونهى، إضافة إلى شخصية الرجل الذي تعمل لديه إيمان، والذي حرص على أن تأخذ مما لذ وطاب من المأكولات لتقديم الضيافة لزوارها، ولعبه دور الأب الحنون لها في ظروفها.
الفيلم عبر عن حالة يأس تعيشها نسبة كبيرة من النساء في مجتمعنا، تنهيها إيمان بشكل مفاجئ (لن نكتبها حتى لا نكشف نهاية الفيلم)، وهو في الوقت ذاته يسلط الضوء على تفاصيل لا تغطيها القوانين والتشريعات، ولكنها تبقى عقبة في وجه استقلالية المرأة.
ولا بد من الوقوف عند أداء الممثلين، وخصوصا البطلة الرئيسية، أسماء فوزي، التي استطاعت بتعابيرها، وصمتها تقديم شخصية إيمان بعمق، كما انعكست الكثير من مفردات المكان ورموزه على شخصيتها، فكانت السلحفاة التي تعيش معها في المنزل رمزا لبطء حياتها، وحديقة الصبار الخارجي رمزا آخر للتحديات في حياتها، وصبرها في الوقت ذاته على كل ما تمر به من ظروف.
"أخضر يابس" يقدم حالة تباين بين واقع جاف أو "يابس" وسكون داخلي يحمل أملا بالقدرة على الوقوف في وجه الظلم والتهميش، أو ما يمكن أن نطلق عليه مستقبلا أشد "خضارا"، وهو في الوقت ذاته، فيلم لا يمكن وصفه إلا بـ"الشجاع."