رأي.. الوصفات الطبية عبر الانترنت: مخاطر وتوجيهات

منوعات
نشر
7 دقائق قراءة
رأي.. الوصفات الطبية عبر الانترنت: مخاطر وتوجيهات
Credit: getty images

هذا المقال بقلم الدكتور جواد فراج، خريج كلية الطب والصيدلة بفاس. يعبّر المقال عن وجهة نظر كاتبه وليس وجهة نظر CNN.

جواد فراج -- شهدت الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة الوصفات الطبية عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حيث يتم الترويج للكثير من الأدوية الطبية والمستحضرات العشبية وبيعها الكترونيا.

وتجاوز الأمر ذلك إلى تبادل الخبرات عبر مجموعات فيسبوكية عملا بمبدأ "اسأل المجرب قبل أن تسأل الطبيب"، و بذلك اقتحم الإنترنت عالم الطب وجعله "عيادة صغيرة"، لكن ليس أي عيادة بل هي عيادة  يغلب عليها طابع العشوائية وعدم الدقة لا في التشخيص ولا في وصف الأدوية ممّا قد يؤدي لكوارث لا تحمد عقباها على الشخص طالب العالج.

 وهنا تتحول هذه التكنولوجيا من نعمة لنقمة ولسموم تؤذي من حولها من دون أن يكون هناك أي محاذير أو ضوابط تنظم عمله. فما هي حقيقة هذه الظاهرة وهل هي آمنة وكيف يمكن التعامل معها؟

الإنترنت تقنية حديثة أثرت كثيرًا في حياة الناس عموما وفي مجال الطب خصوصا إذ تلعب دورًا حيويًا في التواصل والوصول إلى المعلومة الصحية، فبكبسة زر واحدة نستطيع الوصول إلى أي مادة طبية مكتوبة أو مسموعة أو مصورة، و نستطيع القول أنها قصرت المسافات ووفرت الوقت والمجهود لكل من الطبيب والمريض.

 ورغم ذلك لا يجب الاستناد إلى المعلومات الطبية المقدمة من أي موقع، فالمعلومات الطبية قابلة للتغيير بسرعة، وقد تكون المعلومة انتهت صلاحيتها أو خاطئة، لذا يجب الابتعاد عن تطبيق أي وصفة طبية منتشرة عبر المواقع الإلكترونية بغرض تشخيص أو علاج أية حالة مرضية من دون إشراف الطبيب. لأنه من الضروري جداً أن يتم التشخيص مباشرة من قبله، ذلك أن تشخيص المرض يعتمد على استجواب مفصللمعرفة تاريخ المرض وفحص سريري دقيق للمريض ووصف تحاليل مخبريه أو اشعاعية أو منظاريه إن تطلب الأمر.

كما أن طبيعة العلاج تختلف باختلاف شدة المرض وتاريخ الإصابة به والعوامل المسببة له وسن المريض. فتتغير الوصفات والمقادير بتغير الحالة الصحية للمريض فظهور حساسية أو عارض جانبي خطير قد يؤدي لضرورة تغيير دواء بآخر و تحسن المريض قد يستدعي خفض الجرعة أو إيقاف تناول دواء ما، كل هذا لا يتوفر عبر الشبكة العنكبوتية حيث يستحيل على المريض تقديم شكوى إلى طبيب في حال حدوث مضاعفات أو تطورغير إيجابي للحالة المرضية.

إن وصف الأدوية والتشخيص من خلال المواقع المختلفة و مجموعات فيسبوك و الواتساب أمر منافٍ للأخلاق و غير علمي، ويجب على المريض أن يكون حذراً من المخاطر الكبيرة لهاته الظاهرة، فلكل حالة مرضية تشخيص مختلف وإن تشابهت أسماء الأمراض و أعراضها.

بل إنه ولو كان المرض هو نفسه فالحالة الصحية والتاريخ المرضي للشخص موضوع الاستشارة الطبية يختلفان من مريض لآخر، فالمصاب بالسكري ليس كالذي يعاني من ارتفاع ضغط الدم، و كثير مما هو مسموح به للرجل ممنوع على المرأة الحامل و المرضعة، وتختلف الجرعات باختلاف الوزن و السن و الأمراض، وكذلك مدة العلاج. وهذا التطرق الإجمالي للمريض والمرض يغيب عن المواقع الإلكترونية حيث التشخيص في أغلب الأحيان موحد.

وفي سياق متصل، طفت إلى السطح ظاهرة بيع الأدوية عبر مواقع الأنترنيت  مع ما يشكله ذلك من خطورة على مستهلكيها، حيث إنّها عادةً ما تكون مجهولة المصدر، ولا يمكن معرفة أين و كيف تم تصنيعها أو المواد التي تدخل  في تركيبها، إذ قد تصل لمعدلات سامة لانعدام الرقابة، وبذلك فهي قد تشكل خطرا على صحة متناولها خاصة كونها تفتقر للجودة و تعليمات الأمان (التأثيرات الجانبية و موانع الاستعمال).

 وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى ما تحتويه الأعشاب التي تدخل بالأساس في تركيبة الوصفات الشعبية، من مواد سامة و فطريات العفن، بل إن بعضها محشو بمواد دوائية كمضادات الالتهاب و الكورتيزون و الباراسيتامول و مضادات حيوية لا تعرف مدة صلاحياتها.

وتعدّ مواقع التواصل الاجتماعي سلاحًا ذو حدين، فإذا كان السائل يعرف من يسأل، وهو من الموثوق فيه وفي علمه، فإن الاستشارة هنا تكون مفيدة و لا ضرر من تبادل  المعلومات الطبية حول طبيعة المرض وطرق الوقاية منه وما يجب تجنبه من الطعام، ولكن أن يصل الأمر الى التشخيص والعلاج فهو أمر غير مقبول. وأما إذا كان الذي يجيب شخص غير معروف تماماً، فلا يجب الأخذ برأيه لشبهة المصدر ولحساسية الموضوع.

ويمكن أن نرجع ظاهرة الاستشفاء عبر الانترنيت إلى صعوبة ولوج المؤسسات الصحية وطول مدة المواعيد و ضعف التجهيزات الطبية، يضاف إلى هذا غلاء تكاليف زيارة طبيب في القطاع الخاص، وأحيانا تدهور ثقة المريض بالطبيب لما نراه في الإعلام من حملات تضرب في كرامة و كفاءته خصوصا إذا صادف هذا وجود بعض الأطباء الدين يقتصرون في فحصهم على ما هو شفوي ويساهمون في اقتناع المريض بأن الفحص الإكلينيكي ليس ذي أهمية، وبذلك فالمجموعات الفيسبوكية و المنتديات يمكن أن تقوم بنفس دور الطبيب.

لقد أصبح محتومًا أن يرجع الناس إلى الإنترنت أكثر فأكثر في المستقبل وعلى الأطباء أن يتقبلوا ذلك باعتباره شيئًا جيدًا، ولكن من ناحية أخرى على الأطباء أن يحذروا مرضاهم من الوقوع ضحية لمعلومات و تقارير زائفة أو متجاوزة، وأن يسألوهم باستمرار على المعلومات المتوفرة لديهم بخصوص مرضهم قصد تصحيحها أو تأكيدها.

وكي لا نبخس الأنترنت حقه، فمن اللازم الاعتراف أنه ساهم إلى حد كبير في إنعاش المجال الطبي، إذ أن يتبادل الأطباء والباحثون رغم بعد المسافات المعارف والخبرات ويتمكنون من متابعة مرضاهم عبر أجهزة الاتصالات الحديثة بالصوت و الصورة، حتى إن بعض العمليات الجراحية يتم فيها تبادل الخبرات الطبية مباشرة مع زملاء المهنة الموجودين في مواقع جغرافية بعيدة.

وفي الختام فإن الوسائل الالكترونية ستظل تطرح تساؤلات جدية عن مدى مصداقية خدماتها وحجم المخاطر التي قد تنجم عنها، ويظل العمل على زيادة الوعي الصحي داخل المجتمع هو نقطة الأساس لتأطير هذه الظاهرة.