هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
"هلا بالخميس"! وليس أي خميس، فهذا خميس النجمة الأميركية ماريا كاري في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في المملكة العربية السعودية. حدث استثنائي في برامج هيئة الترفيه التي أثارت "حفيظة البعض" وقد شارفت على الاحتفال بسنويتها الثالثة على خطى رؤية ٢٠٣٠ التي بشّر بها العاهل السعودي وحمل لواءها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
ثمة فارق موضوعي بين تقييم مدى نجاح هيئة الترفيه في تحقيق مهامها وبين مدى رضى الجمهور المستهدف في المقام الأول وهو الشباب السعودي. لست معنيا بالدخول في تفاصيل أي من المسألتين في هذا المقام، كون ما يعنينا جميعا هو استقرار وتقدم هذه البلاد بالغة الأهمية إقليميا وعالميا.
بصرف النظر عن مدى مسؤولية الوهابية عن التشدد أو التطرف الإسلامي في المنطقة والعالم، فإن دور السعودية الآن لا يقل خطورة عن دورها منذ قيام المملكة على أساس التحالف الديني القبلي. الزلزال الأكبر تمثّل قبل سنوات بقطع الرياض "شعرة معاوية" مع جماعة "الإخوان المسلمين" بصفتها تنظيما إرهابيا.
منذ تلك اللحظة، انبرت أذرع هذا التنظيم ومن اتفق مع أجندته ومنطلقاته كليا، جزئيا أو مرحليا، لشيطنة محاولات السعودية الانفكاك من ماضيها والتحرر من شرانق الوضع القائم وماض عفا عنه الزمن فيما يخص العادات الاجتماعية ومن ضمنها أوضاع المرأة. لم تكن قيادة السيارات المحطة الأولى والأخيرة بطبيعة الحال لرحلة المرأة السعودية نحو التحرر والانعتاق.
وكما هو التغيير في أي مجتمع محافظ منغلق إلى حد التمترس، لا بد من المماحكة والمماطلة والممانعة، ولكل من تلك المراحل صداعها بالنسبة لأصحاب القرار الذين لا يُحسدون على ما هم فيه.
المضحك المبكي هنا هو نظرية المؤامرة والاسطوانة المشروخة التي تتحدث عن أياد خفية تتحكم في العالم وكأنها يد الخالق سبحانه -"تعالى الله عما يصفون". يزعم هؤلاء إن "الماسونية" تستهدف "آخر قلاع" المسلمين بدخول "المعازف" إلى بلاد الحرمين الشريفين.
رؤية ٢٠٣٠ تنموية في المقام الأول، وحفلة ماريا كاري فنية أولا وآخرا. وما يجري في السعودية لا يعدو عن كونه استحقاقا تأخر كثيرا، وما الخطوات المتخذة إلا مقدمة لما هو آت لا ريب. الترفيه حق أساسي من حقوق مخلوقات الله لا البشر وحدهم، لكن العاقل من أحسن الترفيه بالمعروف ولم ينه عن التغيير لما فيه الخير..