مقال رأي للزميلة سامية عايش، المتخصصة في التغطية السينمائية والفنية على موقع CNNArabic. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتبة ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
"الشقلباظ" .. لم يبق شخص يتابع برامج التلفزيون ومسلسلاته في رمضان إلا وسمع به، وبالجدل الذي أثاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أما لمن لم يسمع به، فسأتحدث عنه في السطور التالية وعن كل الجدل الذي أثاره.
"الشقلباظ" برنامج مقالب ساخر، تدور أحداثه داخل "ميكروباص" في مصر. بطلته سيدة داكنة البشرة، ترتدي نظارات بيضاء وتضع مكياجا فاقع اللون، ويبدو أنها حامل. تجلس هذه السيدة إلى جانب أحد الركاب، وفي كل حلقة، هناك مقلب مختلف.
هذه السيدة ما هي إلا شيماء سيف، الممثلة الكوميدية المصرية، التي اشتهرت بتقديم برامج مثل "نفسنة"، و "ثلاثة بواحد". كما شاركت في عدة مسلسلات وأفلام مصرية.
لتقدم هذا البرنامج، قررت شيماء أن تلون وجهها باللون البني الغامق، وتكسب وجهها شكلا اعتقدت أنه كوميدي ومضحك، ولكنه مسيء أكثر من كونه أي شيء آخر.
بحسب المراجع والأبحاث، يعرف هذا التقديم بمصطلح الوجه الأسود، أو Blackface، وهو شكل من أشكال المكياج المسرحي، المستخدم بصورة غالبة من قبل ذوي البشرة البيضاء، لتقديم شخصية كاريكاتورية لشخص أسود. الأمر انتشر في القرن التاسع عشر، وساهم بشكل كبير في نشر ظاهرة الصورة النمطية العنصرية.
في بدايات القرن الحالي، بدأت هذه الظاهرة تلقى معارضة كبيرة نظرا لما فيها من إساءة، وعدم احترام وتقليل من شأن الأشخاص.
ولكن، يبدو أن هناك من لم ينتبه لتأثير هذا النوع من الممارسات، وقرر تقديمه على أنه شكل من أشكال إضحاك الناس.
بصرف النظر عن أن موضوع المقالب أصبح مستهلكا جدا في رمضان، يبدو أن حتى المقالب في نوعيتها تستهين بذكاء المشاهد، إذ أصبحت تعتمد على الموضوعات غير اللائقة، مثل الحلقة الأولى من البرنامج، حين طلب الطفل الصغير من شيماء سيف الذهاب إلى الحمام، فقررت إفراغ حاجته في زجاجة تحملها، بل وطلبت من "الضحية" رميها في الشارع من النافذة.
حلقة أخرى من البرنامج، اعتبرها المشاهدون إهانة للشعب السوداني، فبعيدا عن أجواء التهريج والتحدث بلغة غير مفهومة بقصد الإضحاك، ارتدت شيماء سيف في هذه الحلقة ملابس سودانية، وتحدثت بلهجة شعب السودان، لتقدم حلقة كانت بكل معايير الكوميديا سيئة، ولتخرج على متابعيها عبر فيسبوك وتقدم اعتذارا عن هذه الحلقة عبر صفحتها الخاصة على فيسبوك.
من المهم جدا أن يراعي الفنان الاختلافات بين الناس، وألا يوظفها لمصلحته الخاصة، ففي النهاية، برنامج كهذا حقق المشاهدات وردود الأفعال الواسعة، ولكنها كانت في معظمها سلبية، وهو في نفس الوقت خلق جوا من الغضب تجاه هذا النوع من المحتوى الترفيهي، الذي انقلب على الساحر.
فكرة عمل مقالب داخل حافلة صغيرة كان من الممكن أن تستغل بشكل أفضل. كان من الممكن أن تقدم شيماء سيف ذاتها كما هي، من دون أي إضافات أو تغيير في الألوان أو الألسن. حتى نوعية المقالب، ليس من الضروري أن يكون مبالغا فيها أو أن ترتكز على التهريج.
في النهاية، منتجو هذا النوع من البرامج يرون فيه دجاجة تبيض ذهبا، فعادة ما تجتذب مثل هذه البرامج مشاهدات واسعة، ولأجل ذلك، يجب أن يبدأ الرد من الجمهور نفسه، بالابتعاد عن الوقوع في مثل هذا الفخ، والتعبير عن آرائهم عبر حسابات التواصل الاجتماعي لنشر هذا الوعي.
هذه السلوكيات قد تلفت انتباه المنتجين إلى أن المشاهد ليس سخيفا إلى هذه الدرجة، بل هو قادر على التمييز بين برنامج يحترم ذكاءه، وآخر ينتقص من شأنه.