شاهدت فيلم "راشد ورجب" للمخرج الإماراتي محمد سعيد حارب. لست من عشاق الأفلام الكوميديا الخفيفة، فأنا أرى فيها بعدا سطحيا هدفه فقط إضحاك الناس على أمور أنا نفسي قد لا أجدها مضحكة، وعادة ما تكون القصة مقتبسة عن قصة أجنبية (أمريكية بالتحديد) لا تظهر فيها الصورة العربية إلا بالأسماء والملابس والمدينة.
هذا بالضبط ما دار في خلدي خلال مشاهدتي لهذا الفيلم... ولكن مقابلتي لاحقا مع المخرج محمد سعيد حارب غيرت لدي الكثير من المفاهيم، وجعلتني أفكر من جديد: هل يجب أن تكون كل الأفلام التي نشاهدها في السينما عميقة تحمل رسالة وهدفا وبعدا ثقافيا واجتماعيا؟
الإجابة هي لا!
بداية لنغص في قصة هذا الفيلم: يحكي الفيلم قصة الإماراتي راشد، وهو رجل أعمال يهتم بشكله وأناقته، ولديه زوجة وبنت ليستا قريبتان منه بالحد الكبير، وعلى الجهة الثانية هناك رجب، وهو عامل توصيل مصري في الإمارات، يمكن أن نقول أنه على النقيض تماما من راشد.
يتعرض الرجلان لحادث، وبإعجاز لا تراه إلا في السينما يتبادل الرجلان الأجساد، فيصبح راشد في جسد رجب، ويصبح رجب في جسد راشد. طبعا الآن المعضلة هي كيف سيتعامل كل شخص مع محيطه الجديد (هذه سنتركها لكم لمتابعتها في الفيلم).
أحسست أن الشخصيات كانت كرتونية بعض الشيء، أي أنها تبالغ في ردود أفعالها، خصوصا عند الركض، أو الهروب، أو الضحك أو غيرها. هذا شيء لم يعجبني كثيرا، لأنني كنت أريد مشاهدة فيلم يضحكني ولا "يضحك علي"، ولكن عندما سألت حارب عن هذه النقطة، أجابني بالقول: "وهل تتوقعين في حياتنا الواقعية أن تري شخصين يتبادلان أجسادهما بأي شكل من الأشكال؟ القصة خيالية وكرتونية وتحتمل كل هذا الأداء".
الفكرة أقنعتني!
جوهر الفيلم وأكثر ما أعجبني فيه هو التركيز على الاختلاف الثقافي بين راشد ورجب، من حيث الملابس، واللهجة، والتعامل مع الأشخاص من حولهما. بعض المشاهد كانت مضحكة لأنها تتعمق في قلب هذا الاختلاف، وتجعل منه مثارا للسخرية، أليس الاختلاف هو ما يجعل واقعنا أجمل، وأكثر متعة في الوقت ذاته؟
استوقفني كثيرا أداء الممثل الإماراتي مروان عبدالله، الذي أدى دور راشد. هذا الشاب يقدم الكوميديا بسلاسة ومن دون تكلف (هذا لا يعني أن شادي ألفونس كان متواضعا في أدائه، ولكن لشادي تاريخ جيد في الكوميديا أمتعنا فيها لفترة). كان واضحا الاختلاف في شخصية راشد حينما كان إماراتيا، وبعدها حين تحول إلى الشخصية المصرية.
بناء القصة وسلاسة أحداثها كانت جيدة، فهي مبنية على النمط الأمريكي والهوليوودي في الإخراج والتقديم. كنت أتمنى لو كان البناء مرتبطا أكثر بالمكان كأن نسمع عن أسماء الشوارع أو المناطق في دبي، ولا نكتفي بالإشارة إلى المدينة من خلال برج خليفة.
يبقى أن أقول إن هذه الإنتاجات جيدة كبداية، تدفع الجمهور العربي إلى الإيمان بالإنتاجات المحلية في دور العرض التجارية، وأتمنى أن يحقق الفيلم إيرادات يبحث عنها تجاريا، ولكنها أيضا فرصة ثمينة للغوص بحثا عن نصوص عربية أكثر ثراء من الناحية الثقافية والاجتماعية.