هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية المستقلة، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
قبل أسابيع قليلة من بدء عرضه، كان المسلسل السعودي المرتقب على نتفليكس "وساوس" حديث الجميع على وسائل التواصل الاجتماعي: فهو أول مسلسل سعودي من إنتاج أصلي للمنصة العالمية، أخرجته وكتبت السيناريو والحوار المبدعة دائما هناء العمير، بطولته نسائية بنسبة كبيرة، يقدم القصة في 8 حلقات فقط، ويعتبر النقلة المقبلة للمسلسلات السعودية والخليجية خلال الفترة القادمة.
بدأ عرض المسلسل، وتقصدت قبلها بأيام قليلة وخلال الفترة الحالية ألا أقرأ أي ملاحظات أو آراء عن المسلسل، حتى لا أنحاز بأفكاري، أو أتأثر من أي طرف كان (حتى كتابة هذا المقال لم أقرأ شيئا عن رأي الناس بالمسلسل).
شاهدت وساوس، وهو من بطولة كل من شيماء الفضل، ميسون الرويلي، إلهام علي، ندى توحيد، نور العنبر، ليلى عربي، إلى جانب النجم عبدالمحسن النمر. والمسلسل من تأليف رولان حسن.
لن أكذب، فلم أتمكن من مشاهدة الحلقات الثمانية دفعة واحدة، فانشغالات الحياة لا تسمح بهذا الترف، بل شاهدته على 3 أيام كانت كافية للتفكر ومراجعة ما شاهدته.
بصورة عامة، فوجئت.. فالمسلسل قدم مستوى عاليا من الإخراج والتصوير، قصته مترابطة، ومتماسكة، وكان من الواضح أن هناك جهدا كبيرا قد بذل لربط خيوط القصة مع بعضها البعض، حتى تنتهي بهذا الشكل الذي انتهت إليه.
كان من الممتع بصريا مشاهدة العباءة السعودية والثوب الرجالي السعودي على خلفية عصرية، كما أن نسق المشاهد وتتابعها وترتيبها كان موفقا جدا، وكانت المخرجة قادرة على أن تحكي هذه الحكاية خلال 8 حلقات مثيرة.
جهد مشكور قدمه طاقم العمل، وأخص هناء العمير، وهي اسم عريق صنع بصمة واضحة في السينما السعودية، فكان اختيار نتفليكس لها موفقا في قيادة هذا العمل. وبالاطلاع على المحتوى البصري من السعودية، نعلم أن المملكة برعت بشكل كبير في المجال السينمائي، إذ أن نتفليكس عرضت قبل فترة أيضا مجموعة من الأفلام السعودية القصيرة التي حملت اسم "ستة شبابيك من الصحراء"، وكانت مجموعة متميزة من القصص المختلفة.
كما أننا إن قارننا هذا المسلسل بسياق إنتاج المسلسلات السعودية، فلا مقارنة على الإطلاق، إذ أنه من الواضح أن الجهد الجبار والحرفي أتى بثماره، ليقدم عملا سعوديا جميلا.
ولكن…
شعرت لوهلة بأن هذا المسلسل وقصته وإنما تؤطر لنموذج مصمم مسبقا لدى نتفليكس في عرض القصص، وأن هذا النموذج يمكن أن يطبق في فرنسا، أو أستراليا، أو الصين، أو الهند أو غيرها، أي أن القصة لا تحمل بعدا سعوديا خالصا، أو تفصيلة تجعل من شخصيات العمل أو أحداثه محددة للسعودية فقط (باستثناء الملابس فقط).
لماذا أرى في هذا الأمر مشكلة؟ لأن المسلسلات على ما يبدو وبوجود منصة مثل نتفليكس أصبحت تنتج للجماهير الكبيرة، بأعداد كثيرة، فبالتالي قد يفقد المسلسل بصمته المحلية، لأنه أصبح سيشاهد مترجما في كافة أنحاء العالم (ومع ذلك لا أرى أن إضافة التفاصيل المحلية هي من الصعوبة بحيث يفهمها أي كان في أي مكان).
المشكلة الثانية لهذا القالب "العام" هو أن التركيز يصبح على ربط الأحداث بحيث تخلق شكلا من الإثارة والترقب من قبل المشاهد، على حساب الشخصيات. كان من الواضح أن الشخصيات جميعها لديها أسرار، وهو أمر طبيعي، ولكننا لم نتعمق أكثر من ذلك في هذه الشخصيات، بدءا من أمل، وانتهاء بوعد التي عانت مشكلة نفسية أفقدتها الكلام (وهذا كل ما نعرفه).
إن بقينا في الشخصيات، أعتقد أن وجود عبدالمحسن النمر رفع المعيار أمام باقي الممثلين، وأظهر الاختلاف في الأداء، فكان هو على حدة، وباقي الشخصيات الأخرى على حدة: هو يقدم شخصية لا يظهر أنه يمثل فيها أبدا، وتمكن من عرض التراكمات التاريخية في حياته، وكيف انعكست على علاقته بالآخرين. بينما بدا أداء معظم الشخصيات الأخرى مباشرا ومسرحيا، كان من الممكن أن يكون أفضل بتدريبات إضافية مع الممثلين.
بعض الشخصيات في المسلسل بدا مسار حياتها مضخما وبعيدا عن الواقعية والمنطق، مثل سمر، وخالد، وحتى الشخصية التي ظهرت في النهاية بالمسلسل... عندما نقدم عملا يعتمد على ارتباط خيوط الأحداث والشخصيات بهذه الطريقة المعقدة، فأعتقد أنه لا بد من الوقوع في إحدى الشخصيات بثغرات كهذه.
إن لم تشاهد المسلسل حتى الآن، فتوقف هنا، لأنني سأتحدث قليلا في السطور التالية عن النهاية.
كانت أمنيتي لو كان المشهد الأخير في المسلسل هو وصول المقاعد والسجاد للعزاء، ليفهم المشاهد أن الحياة في النهاية وجهات نظر، وليس من الضروري أن وجهة النظر لكل من هذه الشخصيات هي الحقيقة. غير أن الاستمرار في عرض ما حدث لحسان بعد وقوع الحادث، برأيي، لم يكن إلا محاولة غير موفقة لربط الأحداث وإضفاء جانب مثير على النهاية، حتى يقال إنها غير متوقعة.
أخاف في بعض الأحيان أن ننجرف خلف نموذج نتفليكس، وأن نبدأ بتقديم مسلسلاتنا في إطار الإثارة بعيدا عن القصة، وأتساءل دائما: ألا يمكن أن نقوم فحسب بسرد قصة بسيطة تحمل تفاصيل حياتنا من دون أن يكون فيها أسرار وتخطيط وجرائم وغيرها، أم أن حياتنا لشكلها الجديد أصبحت بلا تفاصيل، وبالتالي أصبحت شعوب العالم كلها تشبه بعضها البعض؟
ولكن ورغم ذلك، سعيدة جدا أن أقول إن هذا العمل فعلا سيكون نقلة نوعية في الدراما السعودية، وأن هناء العمير وفريقها وضعوا اللبنة الأولى الحقيقية أمام الشباب والشابات لسرد قصص من واقعهم وحياتهم وأن بإمكانهم أن يجدوا طريقهم إلى منصات عالمية.