هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية المستقلة، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
دارت أقاويل كثيرة بأن مسلسلا يحمل اسم "المنصة" سيتم عرضه خلال شهر رمضان الماضي، فبحثت وبحثت، ولكن لم أجد شيئا حينها. أحد أسباب حماسي للمسلسل هذا بالتحديد بكل اختصار هو لأن النص لهوزان عكو (مؤلف "الهيبة" و "أسعد الوراق")، كما أنه يجمع عددا من النجوم العرب من سوريا ولبنان والإمارات والسعودية، ولطالما كنت أبحث عن عمل يغير لي الفكرة النمطية (غير الجيدة في معظم الأحيان) عن المسلسلات المعروفة بـPan Arabs.
منذ عدة أيام، بدأ عرض المسلسل عبر نتفليكس وتلفزيون أبوظبي. 12 حلقة تحكي قصة كرم، الشاب الملم بالتقنية والذكاء الاصطناعي، والذي يطلق موقعا إلكترونيا يحمل اسم "المنصة". الهدف من هذا الموقع هو فتح المجال أمام أي شخص لإرسال معلومات أو وثائق تكون مصدرا مفتوحا لكشف المؤامرات والتنظيمات السرية والجرائم حول العالم.
حياة كرم الشخصية ليست بالسهلة أبدًا، فقد كبر في كنف أب قاسٍ متشدد، وأخ تعرض للاغتصاب على يد رفيق والده، وأم مغلوب على أمرها. يقرر كرم الابتعاد عن هذه الأجواء بالانتقال إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك يتعرف إلى ناصر، الذي يقنعه بالذهاب إلى أبوظبي ليكون شريكه في "المنصة". تتسارع الأحداث بعد وفاة والدة كرم، فيبدأ بالبحث عمن يمكن أن يكون له يد بالتسبب في موتها، ليظهر له الماضي من جديد.
سأكتفي بهذا القدر من القصة، حتى لا نخرّب مفاجآت العمل، الذي وبشكل عام أجده موفقا في طرح الحبكة، ورواية القصة، فهي تبدو في مجملها مترابطة ومنطقية. بعد كل المسلسلات العربية التي عرضت على نتفليكس، يعد هذا المسلسل جيدا من ناحية القصة وشخصياته الرئيسية.
وبالحديث عن الشخصيات الرئيسية، قدم مكسيم خليل واحدًا من أجمل أدواره، التي أعتقد أنني رأيت فيها شخصية مكسيم نفسه: الشخصية الهادئة، وغير المتسرعة، والمحبة. على الناحية الثانية، هناك قامات تمثيلية كبيرة شكلت هرم المسلسل: سلوم حداد بدور حازم، وخالد السيد بدور ناجي، وعبد المحسن النمر بدور ناصر. إضافة إلى ذلك، تجب أيضا الإشادة بالأدوار التي قدمها كل من سامر اسماعيل وشادي الصفدي وياسر النيادي وخالد القيش. كلهم قدموا أدوارا في العمل ستكون مهمة في مسيرتهم الفنية.
على الطرف الآخر، كانت الأدوار النسائية في المسلسل مخيبة لأمالي، فشخصية سارة لم تكن مقنعة بالشكل الكامل، كما أن أداء الممثلة لين غرة كان مبالغا به بعض الشيء (خصوصا من ناحية المكياج وردات الفعل وغيرها). بالنسبة لي شخصيا، لم أجد سارة مقنعة إلا في بدايات ظهورها بالعمل، لكن مع الوقت، وجدت ضياعا في عمق الشخصية وتكوينها ودورها في المسلسل بشكل عام.
أيضًا شخصية مهيرة عبدالعزيز، التي لم أكن متأكدة في سياق العمل ما إذا كانت صحفية أم مؤثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سيأخذني لموضوع آخر سأتحدث عنه في السطور اللاحقة. مهيرة عبدالعزيز إعلامية قديرة تقدم في هذا المسلسل ثاني تجاربها التمثيلية، بعد أن كانت ضيفة شرف في إحدى حلقات مسلسل "سيلفي" سابقا. في المسلسل، عند ظهور مهيرة عبدالعزيز كمحاورة ومقدمة برنامج أمام الكاميرا، أعتقد أنها قدمت هذه المشاهد بشكل جيد، نظرًا لخلفيتها الإعلامية، ولكن في المشاهد الأخرى، أعتقد أن أمامها طريقا سيكون طويلا في مجال التمثيل، إن هي اختارت المضي قدما فيه.
لنعد للنقطة المتعلقة بما إذا كانت "شيخة" صحفية أم مؤثرة تحاور المشاهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أعتقد أننا لا يجب أن نخلط ما بين المفهومين: الصحفي والمؤثر عبر السوشال ميديا. ولا يمكن أبدا في يوم من الأيام أن يكونا واحدا. فللصحافة معايير وأخلاقيات وأسس قد لا يعرفها الشخص النشط على وسائل التواصل الاجتماعي. وإن نحن قدمنا الأخير على أنه صحفي، نكون قد ظلمنا مهنة الصحافة.
لم يكن مظهر شيخة الخارجي يوحي بأنها صحفية استقصائية تسعى لكشف المستور وأخبار المؤامرات والتنظيمات وغيرها. وليست من شيم الصحفي أن يرعب ضيوفه، ويكشف لهم خبايا قد تحرجهم بهدف النشر وجمع المشاهدات. الصحفي الاستقصائي بالتحديد يعلم أنه يجب أن يكسب ثقة المصدر، ويشعره أنه في أمان، خصوصا وإن كان هذا المصدر شخصا مغلوبا على أمره والهدف من الحوار معه هو الوصول في النهاية إلى المخطط ورأس التنظيم. في هذه الحالة، أتحدث عن شخصية رواد، التي تم تخويفها وكان مصيرها الموت.
الإشادة أيضًا تطال التصوير الذي كان محكمًا وشادًا للمشاهد. كما أنه بالكاد كانت هناك أي مشاهد فيها ملل أو إطالة. في المقابل، أْتقد أن الحوار كان كاريكاتوريا بعض الشيء في عدد من المشاهد، وكان من الممكن ألا يكون مباشرا بهذه الطريقة، خصوصا في المشاهد التي جمعت على سبيل المثال "شيخة" بـ "ناصر" أو "فهد".
في أحد المشاهد.. تسأل سارة كرم.. "ما نزلت، ولا مرة على البلد؟" … البلد… كانت لدي أيضا مشكلة حقيقية في ملامح هذا البلد، الذي لم يتم الإشارة إلى اسمه أبدا. وهذا أمر مفهوم إن تمت الإشارة إلى المواقع والمدن الأخرى بـ"المكان" أو "الموقع" أو الدولة" أو ما شابه. عدم التجانس والتوازن في تقديم الأماكن كان أيضا مشكلة بالنسبة لي، خصوصا وأنها قد تسلب القليل من واقعية العمل.
** احذروا.. هنا حرق للأحداث في الفقرة التالية
أعتقد أن واحدة من النقاط القوية في المسلسل والتي مهدت للتشويق في الانتقال إلى الموسم الثاني هي عندما عرض ناجي خيارين أمام كرم: "إما سارة وإما جثة أخيه". الخيار لم يكن واضحا، وهذه ستكون نقطة الانتقال إلى موسم ثان من هذا المسلسل.
لن أتطرق لإطار العمل، الذي ينتمي إلى حبكة الإثارة والجريمة، إذ يبدو أنها أصبحت "الفورما" المتداولة والمقبولة على كل المنصات العالمية، فهو حديث يطول، رغم أنني لا زلت أدعو إلى الخروج منها لأن هناك أنواعا أخرى من القصص خصوصا في المنطقة العربية التي يمكن أن تقدم بشكل مختلف بعيدا عن الألغاز وغيرها.
لدي الكثير من التساؤلات حول المسلسل، أعتقد أن الموسم الثاني سيجيبنا عليها، فالمشاهد الأخيرة من الحلقة الأخيرة أظهرت أن القصة لم تكتمل بعد، وأن هناك عدة شخصيات لم نعلم سبب وجودها والهدف منها بعد. كما أن لدي بعض التساؤلات عن موقع مثل "المنصة"، وتمويله والجهات التي تقف خلفه، لأن المكتب، والسيارات الفاخرة التي يركبها العاملون فيه، لا تندمج أبدا مع فكرة أن مثل هذه المنصة موجودة لكشف الحقيقة لا أكثر.
في المختصر، "المنصة" عمل جيد، كانت التقنية فيه هي البطل الأول، ربما لأنها ظلت لفترة طويلة بعيدة عن الظهور في المسلسلات العربية. فحتى لو شعرتم للحظة أنها غريبة أو دخيلة، أعتقد أن علينا الاعتياد عليها لأننا سنراها كثيرا. و بانتظار الجزء الثاني، الذي بالتأكيد سيكشف لنا الكثير.