هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية المستقلة، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بينما كنت أقوم بالطقوس الصباحية في متابعة تغريدات تويتر حول الانتخابات الأمريكية، وتطورات الوضع العالمي حول فيروس كورونا، وغير ذلك، استوقفتني تغريدة تتحدث عن برنامج جديد اسمه "برلمان شعيب". لم آبه بها. بعدها، بدأت تغريدات أخرى تظهر عن نفس البرنامج، فأصبح لدي فضول لمعرفة محتواه والموضوعات التي يناقشها، خصوصًا أن اسم شعيب راشد ليس غريبًا عن مواقع التواصل الاجتماعي.
الحلقة الأولى، مدتها 40 دقيقة تقريبًا. نظرت في ساعتي… فكرت: "لدي بعض الوقت… سأشاهده."
عبر صفحته على يوتيوب، يعرّف "برلمان شعيب" عن نفسه بالشكل التالي: "لأول مرة في الوطن العربي. برلمان يمثل أصواتكم، يتكون من 13 عضوًا من دول عربية مختلفة، برئاسة شعيب راشد. يعكس هموم مجتمعاتنا ويناقش قضاياها ويسوق أفكار الأغلبية. تسوده لغة الحوار والعمل الجماعي وتقبل الآخر."
الجملة الأخيرة هذه، بعد مشاهدتي للبرنامج، أصابتني بخيبة أمل، إذ يبدو أن هذا البرنامج لم يأت بجديد عن واقعنا، فهو صورة "يوتيوبية" عن حالة اللاحوار وعدم تقبل الرأي الآخر، التي تسود عالمنا العربي، إضافة إلى أنه برنامج يلعب على وتر المشاعر والدراما غير المبررة، إلى جانب أنه حتى الآن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأفكار والقضايا ستنعكس على أرض الواقع بشكل حقيقي وتتعدى كونها حوارات مصورة لا أكثر (لن أخوض في هذه النقطة كثيرًا حتى نتعرف في الحلقات التالية على ما سيقدمه البرنامج للمشاهدين العرب).
بعد البحث أكثر، تبين أن هناك تصويتا جرى للمشاركة في هذا البرنامج، لمجموعة من المؤثرين ومنتجي المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليتم اختيارهم ليكونوا ممثلين للشعوب العربية في هذا البرلمان. هناك من قال لي إنهم تلقوا الكثير من الإعلانات التي تدعوهم للمشاركة في هذا التصويت. أنا عن نفسي لم أتلق أيًا من هذه الإعلانات (يبدو أنني لست الفئة المستهدفة).
يعتمد البرنامج على 12 عضوًا يمثلون بلدانا عربية مختلفة… ولكن هناك الكثير من البلدان غير الموجودة، أبرزها: السعودية، والإمارات، وسوريا، والجزائر، والكويت، وسوريا. لم أر أي تفسير حول عدم وجود مشاركين من دول أخرى. باعتقادي إذا أردت أن تمثل برلمانا عربيًا، تجمع بين أعضائه لغة مشتركة، فيجب أن تقدم تفسيرًا على عدم وجود شباب وشابات من دول لم نرها.
الفقرة الأولى في البرنامج ركزت على انتخاب نائب للرئيس. الأعضاء المهتمون بالترشح أعلنوا عن برنامجهم الانتخابي، وتركوا الفرصة لباقي الأعضاء للاختيار. النتيجة في النهاية كانت اختيار جميلة العثماني من اليمن لتكون نائب الرئيس… حتى الآن يبدو كل شيء على ما يرام.
لكن، بدأت مداخلات من ممثلة الأردن وممثل فلسطين اعترضا فيها على "العملية الديمقراطية" التي تمت، بالقول إنهما لم يدخلا في ألاعيب ولوبيات، وإن المشاركين الآخرين ينخدعون من الكلام المعسول والوعود الفارغة. الأمر تطور لدرجة انسحاب ممثلة الأردن من الجلسة، متأثرة بما حصل، علمًا أن كل ما تم كان بطريقة "ديمقراطية" أمام الكاميرات والأعين.
يبدو أن هناك لعبًا على المشاعر بشكل كبير، تمامًا كما كنا نشاهد في "ستار أكاديمي" وغيره. ربما كان البرنامج بحاجة إلى ذلك لغرض الإثارة الإعلامية، لكن أعتقد أن الشباب العربي أصبح أكثر وعيًا، ولم تعد هذه الدموع والمشاعر تغشه، بل أصبح يبحث عن الحلول العملية، التي أتمنى أن تقدم خلال الحلقات المقبلة من البرنامج.
بعدها، انتقل رئيس البرلمان إلى اختيار اللجان الفرعية. أولى تلك اللجان كانت لجنة الحريات، التي كان فيها نصيبها من الدراما والاستخفاف بالآراء المتعددة تمامًا، كما حصل عند اختيار نائب الرئيس.
لكن الصدمة الأبرز بالنسبة لي كانت في اختيار لجنة الشؤون السياسية. كان أحد المرشحين فيها شاب يمثل فلسطين، الذي يبدو أن الحظ لم يحالفه فلم يكن ضمن الأعضاء المنتخبين. أثار الأمر حفيظته وأعلن انسحابه من تلك الجلسة، بحجة أن قضية فلسطين يجب أن تُمثل وتكون حاضرة في هذه اللجنة. بعدها، عندما أكد رئيس اللجنة، وهو شاب من اليمن، أن القضية الفلسطينية ستكون دائمًا حاضرة في النقاشات فهي قضية كل العرب، اعترض ممثل فلسطين بالقول إنه لا يجب أن نتاجر بقضية فلسطين لكسب العطف معها. لا أدري من كان المتاجر بالقضية هنا… في بعض الأحيان، أصحاب القضايا قد يكونوا أشد المتاجرين بها.
الأمر الوحيد الذي اتفق عليه الجميع هو اختيار اسم جديد للبرنامج، لكن سؤالي الآن هو أنه بعد كل هذه المشاحنات والدراما غير المبررة، كيف يمكن لهؤلاء الأعضاء العمل سوية؟ أم أن البرنامج سيعتاش على فتات هذه الخلافات، لكسب المشاهدات والتفاعلات؟
قد تكون الحلقات التالية في الأيام المقبلة خير إجابة على هذا التساؤل، ولكن شخصيًا، خيبة أملي كانت كبيرة من سير الحلقة الأولى، فبعضنا أثبت أنه غير قادر على تقبل الآخر ورأيه، وهو أمر لا يبشر بالخير تجاه أي حل عملي لمشاكلنا في هذه المنطقة.