هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية المستقلة، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بينما كنت أتابع أحداث الجزء الرابع من مسلسل "الهيبة"، الذي اعتدنا عليه في شهر رمضان من كل عام، وتابعت بالتحديد شخصية "نمر السعيد"، التي يؤديها عادل كرم، وركزت على حركاته، ونواياه، وطريقة استدراجه أهل الهيبة، أحسست لوهلة أنني رأيت هذه الشخصية في السابق.. فكرت وفكرت إلى أن لمعت في رأسي الفكرة: نمر السعيد يذكرني بشخصية مأمون بيك في باب الحارة.
الفكرة اتسعت في رأسي أكثر. فأوجه التشابه بين المسلسلين لم تتوقف هنا. إذ أن كلاهما استمر برغم الانتقادات المستمرة بوقف إنتاج الأجزاء المتتالية، التي تجتر القصة اجترارا بطريقة مملة. كلاهما يقدم أهل الحارة/ الضيعة على أنهم مجموعة من الأشخاص الطيبين، الكرماء، الذين عندما يأتي إليهم الضيف يرحبون به ويصدقونه ويستقبلونه بينهم وكأنهم يعرفونه من مئات الأعوام. لكأن أهل القرى محكوم عليهم أن يقدموا تلفزيونيا بهذه الطريقة "البلهاء"، وهذا موضوع يحتاج نقاشا في مقال مختلف.
في هذا العمل، لا يزال البطل هو جبل شيخ الجبل. لا زال الكل يهابه ويخافه. ولا زال طبعا تيم حسن يقدم هذه الشخصية. منذ بدايات تيم حسن، وأنا أؤمن أن لدى هذا النجم موهبة تختلف عن كل من هم في جيله، ولا زلت أؤمن بذلك. ولكن، رغم الأداء الجيد في الجزء الأول، لا يأت جبل بجديد. كل ما يعتمد عليه تيم حسن في أداء هذه الشخصية هو تضخيم الصوت، والنبرة الجامدة، وغمزة الشفاه، وإطلاق جمل تبدو عليها الشدة والرهبة من الخارج. برأيي أن الضعف في النص المكتوب وليس في قدرة الممثل على أداء الشخصية.
دعوني أتوقف قليلا عند هذه الفكرة التي يبدو أنها قد أصبحت الموضة الجديدة في "الهيبة"، إذ أنه من الواضح أن تعليمات أداء الشخصية على أفضل وجه هي أن يقوم الممثل بتفخيم صوته، والشد على أسنانه عند الحديث، وإطلاق جمله بصرامة وشدة. أمر لاحظته كثيرا في شخصيتي شاهين وصخر. لا أجد سببا لذلك إلا أن الممثل لم يدرس طبقات الشخصية الداخلية وأبعادها، وإنما ركز على العرض الخارجي، الذي وفي مسلسل من أربعة أجزاء، لا يعني شيئا.
لننتقل مباشرة إلى العنصر النسائي في العمل. شخصيات مثل أم جبل ومنى وأم علي وأم شاهين تستكمل وجودها من الجزء الأول، وشخصية مروة تستكمل وجودها من الجزء السابق، وشخصيات أخرى مثل رانيا و "الست" تطل في هذا الجزء للمرة الأولى.
ما يثير الاهتمام في الشخصيات الأصغر سنا، هو أنه ورغم اختلاف البيئة التي تعيش فيها هذه الشخصيات، تظهر جميعها بنفس المظهر الخارجي: المكياج، والملابس، والحوارات. أفكر في بعض الأحيان: هل يعقل أن تكون ابنة القرية شبيهة بابنة المدينة؟ وهل يعقل أن تكون ابنة الهيبة شبيهة بابنة الشام؟ بالنسبة لي، كانت كل الشخصيات النسائية واحدة، لا فرق بينها وبالتالي لم تعكس عمق الأدوار الموكلة إليها.
منذ الجزء الثاني تقريبا والمسلسل يعاني من بطء المشاهد، واجترار القصة، وتكرار مشاهد عدة، وعدم منطقية أحداث كثيرة بداخلها. وأعتقد أن المسلسل لا زال يعاني من كل هذه الهفوات. لعل أحد أبرز النقاط التقنية التي تم استخدامها بكثرة وزيادة عن الحاجة هو تبطيء اللقطات حتى يكون لها وقع درامي على المشاهد: مثل المشهد الذي يمشي فيه جبل مع كلبه في بداية الجزء الرابع. لو أن العمل توقف بعد الجزء الثاني لكان ترك في عقول المشاهدين مسلسلا لن ينسى.. ولكن.
مع مشاهدتي لهذا المسلسل، فكرت بتاريخ الدراما السورية، خصوصا خلال العقد الماضي، أي قبل الحرب السورية، تلك الفترة التي أبرز ما كان فيها هو البطولة الجماعية لنجوم كثر. اليوم، أفكر في مسلسل مثل الهيبة، الذي يعتمد على البطل الواحد، فهذا عمل لن يكون بنفس القوة إن لم يكن جبل شيخ الجبل بطله. أزمة النجم الواحد مشكلة عانت منها الدراما المصرية في فترة من الوقت، ولكنها بدأت اليوم تخرج من هذا الفخ، فكيف يعود إليها مسلسل كهذا؟
الإضاءة الوحيدة في العمل، التي قد تشفع له الكثير من الهفوات ولحظات الملل، وجود السيدة منى واصف. بعيدا عن البهرجة الخارجية والمبالغة في الأداء، قدمت أم جبل عددا من المشاهد في هذا الجزء بالتحديد، والتي أعتقد أنها لن تنسَ أبدا. مشهد عودة جبل واحتضان أمه له أعتقد أنه سيكون واحدا من المشاهد الخالدة لهذه النجمة الكبيرة.
كلي أمل أن يكون هذا الجزء هو الجزء الأخير. يكفينا تكرار قصة تسلك نفس المسار منذ أربع سنوات، شخصياتها أصبحت أكثر سطحية، ولا وجود لأي جديد عليها. وحتى بدخول شخصيات جديدة ومختلفة، لم نعد نستطعم النجاح أو الهيبة في "الهيبة".