رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: بعد "مدرسة الروابي" أقول: "يا رب تيما الشوملي تعمل كمان مسلسلات!"

منوعات
نشر
7 دقائق قراءة
رأي… بعد "مدرسة الروابي" أقول: "يا رب تيما الشوملي تعمل كمان مسلسلات!"
Credit: Twitter/@@NetflixMENA

هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

هذا ما فكرت به بعد أن أنهيت مشاهدة مسلسل "مدرسة الروابي للبنات"، على منصة نتفليكس. مثل كثيرين غيري، المسلسل نال إعجابي، وبصورة كبيرة فاقت توقعاتي. الجميع تحدث عن المسلسل، وأشاد بالقصة والإخراج والمشاهد والصور، وبعيدا عن كل هذا سأتحدث عن "تماسك المَشاهد"، من خلال مشهد واحد في المسلسل أعتقد أنه كان القمة في هذا العمل.

المشهد، لمن لم يشاهد المسلسل بعد، وأعدكم أن هذا المقال لن يحتوي على أي حرق للنهاية، هو مشهد التحرش بنوف في بركة السباحة. في المسبح، تجلس كل من نوف وليان، كل واحدة على حدة، وهما الفتاتان اللتان لا تطيق إحداهما الأخرى. ليان مشغولة بهاتفها، ونوف عند طرف المسبح تنظر نحو الأفق. يقترب رجل خمسيني من نوف ويبدأ بمعاكستها وملامستها بشكل غير لائق. تطلب منه نوف الابتعاد، ومن ثم تبدأ بالصراخ، فتهرع ليان إليها لمساعدتها وتصرخ في وجه المتحرش بأن يبتعد.

عندما تخرج الفتاتان من المسبح، تأتي مس عبير، متسائلة عما جرى، فتصمت نوف لأنها لا تريد كشف ما حدث، خوفا من الفضيحة، فتخبر ليان مس عبير بما حصل. بنظرة منكسرة، تقول مس عبير: "معه حق صراحة، شوفو انتو شو لابسين وكيف بتتصرفوا." في هذه الأثناء، يخرج المتحرش من البركة، وينظر إلى مس عبير التي ترتدي لباس بحر محتشم وتغطي شعرها، ويغمزها مع ابتسامة، فتصدم مس عبير، غير مصدقة لما حدث للتو.

في هذا المشهد كل ما يتعلق بالتحرش: صمت ضحية التحرش وخوفها من الحديث، وضع اللوم على الفتيات بسبب لبسهن أو طريقة كلامهن، المتحرش لا يميز بين فتاة وأخرى بصرف النظر عما ترتديه، والأهم من ذلك برغم العداوة بين ليان ونوف، هرعت ليان لنجدة زميلتها، فالتضامن في هذه الحوادث مهم. مشهد واحد لخص كل ذلك بطريقة خالية من الشعارات، سلسة ضمن مضمون القصة، ومن دون الخطاب المباشر الذي تضيع فيه الضحية أمام المتحرش بها. تيما الشوملي وشيرين كمال كتبتا النص بطريقة مبدعة جدا، نادرا ما نجد مثيلا لها في المحيط الدرامي العربي.

إن انتقلنا إلى جزئية أخرى، وهي الشخصيات، هناك الكثير عما يمكن أن يقال عن ذلك. ولكن أعتقد أن بإمكاني تلخيص ذلك بالقول إن هذا المسلسل كان قادرا على أن يجعلنا نحب الشخصيات التي كرهناها في البداية، ونكره الشخصيات التي أحببناها في البداية. هذه القدرة على تطوير الشخصيات في ست حلقات فقط كانت باهرة، كما أن البحث عن فتيات شابات قدمن هذه الأدوار وكأنها حياتهن الحقيقية كان أمرا رائعا جدا. سعيدة باكتشاف كل هذه المواهب الأردنية الجديدة.

المسلسل لم يذكر بأي شكل من الأشكال أن أحداثه تقع في عمان، ولم تتم الإشارة إلى التفاصيل الجغرافية في المسلسل، وهذه دائما تكون بالنسبة لي نقطة خلافية، لأن المنصات الرقمية تتعامل مع هذه المسلسلات لتكون Generic، أي أنه يمكن أن تحدث في أي زمان ومكان في العالم. ولكن ورغم ذلك، في هذا المسلسل بالتحديد كانت هناك تفاصيل أخرى أظهرت خصوصية المكان بشكل غير مباشر. مثلا، مس عبير، المعلمة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وتحمل عصاها دائما حتى تمنع الاختلاط بين البنات والشباب في حفلات المدرسة أو النشاطات العامة. شقيقا ليان اللذان يتحكمان بها، ويريدان التعرف على خصوصياتها. رقية التي أرسلت صورة من غير حجاب إلى شاب عبر فيسبوك، وعندما تم نشر الصورة علنا، قوبلت بأبشع الألفاظ، وكأن الفتاة لا يمكن لها أن تختار خلع الحجاب من لبسه. كل هذه وغيرها مشاهد مرتبطة بمجتمعاتنا العربية، وقد يكون من الصعب أن تحدث في أماكن أخرى من العالم.

نأتي إلى النقطة الأهم، وهي الانتقادات التي وجهت إلى المسلسل، ومفادها أنه لا يمثل المجتمع الأردني. برأيي الشخصي، هذا أكثر مسلسل يمثل المجتمع الأردني بكل أطيافه ومشاكله وهمومه:

- الفساد الذي تمثله مس فاتن في المدرسة، والتي تعتمد على علاقاتها بأولياء الأمور لتسيير أمور وظيفتها وعملها.

- المحسوبية التي تمثلها ليان باستخدامها بطاقة "انت ما بتعرف مين بيكون أبوي" حتى تنجو من أي مشكلة أو حادثة تتورط فيها.

- الطبقية التي يمثلها الحوار ما بين سمية، العاملة في المدرسة، وليان، عندما تهددها أنها إن لم تساعدها في إحضار المعلومات المطلوبة، فستخبر مس فاتن حتى تطردها من المدرسة. كما أن هذه النقطة تمثلها مس عبير التي كلما أرادت عقاب الفتيات المتنمرات تجد الأبواب مقفلة في وجهها لأن أولياء أمور هؤلاء الفتيات من الشخصيات العامة المهمة.

- التنمر المنتشر في المدارس والذي يبدو أنه لم يعد ينتج عنه حوادث بسيطة فقط، وإنما أصبح يدمر حيوات طلاب وطالبات وقد يودي بهم إلى الموت في النهاية. وكنت سعيدة أيضا أن هذا المسلسل يحاول أيضا إحداث التأثير، إذ أن دعوة لتقديم المساعدة لضحايا التنمر تظهر في نهاية كل حلقة من حلقات المسلسل.

- جرائم الشرف موجودة أيضا في الأردن، ولن نتحدث أكثر في هذا الجانب حتى لا نحرق الأحداث.

- تحكم الإخوان بأخواتهم ضمن إطار العائلة وسكوت الأب والأم عن ذلك، لأن الابن له دائما امتيازات مختلفة عن البنت، تجعله يمتلك سلطة لا تمتلكها هي.

- العنف الأسري الذي تمثله رانيا وعلاقتها بوالدها الذي يدمن الكحول ويفرغ غضبه عليها في المنزل.

كل هذه النقاط موجودة في المجتمع الأردني، وما خفي أعظم.

إن كان هناك شيء واحد نتعلمه من هذا المسلسل، فهو كيف يجب لنا الحديث مع أبنائنا وبناتنا. جل المشاكل التي تحدث لهذه الفئة العمرية مرتبطة بعدم وجود حوار ضمن إطار العائلة. الأهل منشغلون بأعمالهم وحياتهم، وبعضهم يجد في الأبناء عبئا وحملا ثقيلا، كما رأينا في علاقة رقية مع والدتها، وعلاقة ليان بأهلها.

تجربة رائعة في تقدم هذا المسلسل، أتمنى أن تتكرر مستقبلا، وسأبقى أقول كما بدأت: "يا رب تيما الشوملي تعمل كمان مسلسلات"!