هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
تبدأ الحلقة الأولى من مسلسل "الغريب"، الذي بدأ عرضه هذا الأسبوع على منصة شاهد، بمشهد للقدير بسام كوسا وهو يجلس على الشرفة يشرب فنجان القهوة. هذا المشهد بالتحديد كان الأقرب إلى قلبي، ربما لأنه يذكرني بمسلسلات الزمن الجميل في سوريا، حينما كانت القصص والمدن والأشخاص كلها تشبهنا، وتعكس القصص اليومية التي نعيشها.
يحكي الغريب قصة القاضي يوسف مير علم، الذي يعيش مع عائلته في مدينة دمشق، ويجد نفسه في يوم من الأيام أمام جريمة قتل ارتكبها ابنه عن طريق الخطأ، فيضطر إلى الهرب مع عائلته من سوريا إلى لبنان، ويجد نفسه أمام خيارات صعبة لم يتوقع أن يواجهها في حياته أبدا.
المسلسل من بطولة بسام كوسا، وفرح بسيسو، وجمال قبش، وسعيد سرحان، وساندي نحاس، وهو من تأليف لبنى حداد، ومن إخراج صوفي بطرس.
أكثر ما يشد الانتباه في المسلسل لمن يرغب بمتابعته هو وجود بسام كوسا، الذي يؤدي دور القاضي والأب. يوسف مير علم هو قاضي نزيه يرفض القيام بأي تنازلات أمام سير القضاء، وأعتقد أن اختيار كوسا جاء في مكانه إذ أن لديه قدرة كبيرة على أداء أدوار الخير والشر ببراعة، كما رأينا في مسلسلات سابقة بدءا من الفصول الأربعة وانتهاء بباب الحارة.
على الجانب الآخر، تعود فرح بسيسو إلى الدراما السورية في دور زوجة القاضي، وهي التي غابت طويلا وعادت مؤخرا من خلال المسلسل الذي أنتجته وعرضته منصة نتفليكس، Mo، عن عائلة فلسطينية أمريكية تعيش في مدينة هيوستن بولاية تكساس.
قد يكون من المبكر الحكم على المسلسل من ناحية القصة والشخصيات، فالإيقاع في الحلقات الأربعة الأولى تنوع بين البطيء والطبيعي، إضافة إلى أن هناك إطالة في بعض المشاهد، ربما لإدخال المُشاهد في الأجواء، أو أنها طريقة لإطالة عمر الحلقات، كالمشهد الذي يتجه فيه رامي، ابن القاضي، للقاء وائل صديقه، الساعة الثالثة والنصف صباحا بعد أن اتصل به الأخير. نشاهد رامي يقود السيارة متجها إلى موقع اللقاء وهو يحمل هاتفه ليسترشد من خلاله. كان من الممكن أن يكون هذا المشهد أقصر، لأن الفكرة قد وصلت، والترقب بدأ أصلا من المشهد الذي سبقه عند تلقي رامي الاتصال.
سعدت بأن أسمع أسماء البلدان والمدن في هذا المسلسل: سوريا، لبنان، دمشق وبيروت. هذه الأسماء تضفي على المسلسل صبغة واقعية، تجعل أحداثه أقرب إلينا، وفي نفس الوقت نبتعد من خلالها قليلا عن الشكل السائد من مسلسلات اليوم، وهي مسلسلات اللازمان واللامكان، أو تلك المنسوخة من مجتمعات وقصص أخرى.
في المسلسل يظهر نوعين من الوجوه: الوجوه المألوفة لنا من جيل الممثلين والممثلات، وجيل جديد يعتبر مثل هذه المسلسلات فرصة ذهبية له للصعود والظهور.
غير أنني أتساءل هنا إن كان لهؤلاء الشباب فرصة حقيقية للظهور وإثبات مواهبهم عبر هذه المنصات. أتخوف من فكرة أن المنصات تعتمد في نجاح هذه المسلسلات على الأسماء التي لمعت تلفزيونيا، كطريقة لجذب الجمهور، وبالتالي أي استعانة بنجوم شباب ستبقيهم في أدوار ثانوية لن يخرجوا منها إلا فيما ندر.
تجربة مشاهدة المسلسلات الدرامية كما كانت في السابق، أي الحلقة اليومية على التلفزيون، لن تعود مجددا، إذ أن الوقت المحدد لعرض الحلقة كان يفرض على المشاهد الالتزام به، على عكس مسلسلات المنصات، التي فرضت شكل تجربة مختلف، يتميز بالفردية والمرونة.
فما دخل تجربة المستخدم بصناعة النجم؟
أذكر أنه في إحدى السنوات، وخلال شهر رمضان، عرض مسلسل "الحور العين" للمخرج نجدت إسماعيل أنزور. المسلسل وقصته ليستا الأفضل على الإطلاق بالنسبة لي، ولكن معايشة الشخصيات بصورة يومية، ومشاهدة الحلقة في نفس الوقت كان له تأثير كبير علي شخصيا في ذلك الوقت، خصوصا في الحلقة التي وقع فيها الانفجار وتسبب في مقتل الكثير من الشخصيات. أذكر أنني تأثرت كثيرا لدرجة أنني خفت النوم ليلا لوحدي، لارتباطي بشخصيات هذا المسلسل. أعتقد أن السبب الأساسي لذلك هو الحلقة اليومية التي كانت جزءا من الروتين اليومي، ومعايشة الشخصيات في كل ما كانت تقوم به.
منصات اليوم تفرض تجربة مختلفة، إذ يمكنك على بعض المنصات مشاهدة المسلسل كاملا في ليلة واحدة، أو الانتظار على منصات أخرى حتى تتوافر حلقات المسلسل كاملة وتشاهده كله في جلسة واحدة، أو ما أصبح يعرف بـ Binge Watching . مثل هذه التجارب لا تعطيك مساحة للتفكير، ولا للتأمل في الشخصيات، بل يصبح الأمر وكأنه مهمة علينا الانتهاء منها، حتى نبدأ بمشاهدة التالي، وهكذا.
ولكل هذه الأسباب وغيرها، أصبح السهل هو عرض مسلسل عن الجرائم أو القتل، أو فيه بعض الإثارة والترقب، لأنه يساهم في الدفع نحو هذه التجربة، تجربة الـBinge Watching، حتى يدخل المشاهد في "إدمان" على مشاهدة الحلقات، وعدد أكبر من المسلسلات.
هذه السطور لم تكن أبدا مخصصة لمراجعة مسلسل "الغريب"، فالمسلسل في بدايته، ولن يكون من العدل مراجعته ونقده من الآن، ولكن وجدت فيه مدخلا جيدا للحديث عن الاختلاف في تجارب المشاهدة بين الأمس واليوم، ولربما كان الملهم الأكبر في ذلك هو بسام كوسا.