دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- كرة القدم. اللعبة الشعبية ومحبوبة الجماهير التي تعتبر حلماً بالنسبة للكثير من الشباب، الذين يحلمون بأن يلعبوها ولربما يحترفوا لعبها بالانضمام إلى أعرق الأندية العالمية، فتراهم يشجعون ريال مدريد أو برشلونة أو ليفربول أو غيرها، إلا أن هذه اللعبة وبالنسبة لخمسة شبان سوريين في الأردن غيرت حيواتهم بالكامل، عبر رحلة وثقتها سلسلة وثائقية بعنوان "الحلم".
التقينا بمخرج المسلسل، المخرج الأردني باسل غندور، الذي يقول: "الفكرة بدأت من هاشم صباغ، منتج المسلسل، الذي كان يعمل مع إحدى المؤسسات في البرازيل، واقترح عليهم استقطاب شباب سوريين من مخيم الزعتري في الأردن يلعبون كرة القدم وتجربة أدائهم في اللعب. وقد شارك أكثر من 200 شاب في تجارب الأداء، إلا أن البحث عن المواهب لم يركز على أفضل المهارات والتقنيات في اللعب، ولكن البحث عن من لديهم القدرة على تطوير أنفسهم ومهاراتهم في اللعب. وفعلا، جرت التجارب وتم اختيار خمسة شباب لخوض هذه التجربة".
يحكي المسلسل الوثائقي قصة خمسة شباب سوريين يعيشون في مخيم الزعتري في الأردن، يجمعهم حلم واحد: أن يلعبوا كرة قدم!
الشباب الخمسة هم: حافظ، وقيس، وعمر، وأحمد، ومصطفى.
وعن فكرة تحويل هذه التجربة إلى مسلسل وثائقي، يقول غندور: "طرح علي هاشم الفكرة، وكان علي قبل البدء في هذه الرحلة أن أتعرف إليهم شخصيا. ولعل أكثر ما لفت انتباهي هو براءتهم وشغفهم للعب كرة القدم، إضافة إلى صداقتهم القوية. التساؤل الأكبر الذي كان يدور في ذهني هو، هل سينجح هؤلاء الشباب أم لا. إلا أنني وبعد تفكير طويل أدركت أن النجاح ليس الغاية، والقصة تستحق التوثيق بصرف النظر عما إذا حققوا النجاح في النهاية أم لا. فالمهم خوضهم لهذه التجربة".
المسلسل الذي يعرض على منصة شاهد، من إنتاج استوديوهات كاتارا، التي تؤكد على ضرورة الاهتمام بقضايا اللاجئين وتسليط الضوء عليها عبر الأفلام السينمائية. وفي هذا الإطار، قال حسين فخري، المنتج المنفذ في ستوديوهات كاتارا: "هذا المسلسل ساعدنا في التأكيد على أن كرة القدم يمكنها أن تساعد في خلق الأثر الإيجابي خصوصا بين الشباب، وخصوصاً أيضاً بعد أن كانت قطر أول بلد عربي يستضيف نهائيات كأس العالم. فما يهم في النهاية هو أن نضع الإنسان والقصة الإنسانية في المقدمة".
مؤسسة "الجيل المبهر" في قطر هي الجهة الداعمة لهذا المسلسل، والتي تؤكد أن السينما والتلفزيون لا ترويان القصص فحسب، بل لديها القدرة على إحداث تأثير دائم على الأجيال الشابة. ويعتبر مسلسل "الحلم" من الأمثلة القوية على الطريقة التي توضح كيف يمكن لسرد القصص البصرية أن يسلط الضوء على صمود الشباب وإمكاناتهم، خصوصاً أولئك الذي يعيشون في مناطق نزاع أو حرب.
ولعل العمل على مسلسل وثائقي لفترة طويلة من دون أن يكون هناك أي معرفة بالنهاية هو واحد من أكبر التحديات التي واجهها الفريق. فكيف تم بناء القصة؟
يقول غندور: "اعتدت على إنتاج أفلام روائية، أما خوض تجربة الفيلم الوثائقي فهي جديدة. ففي هذا الفيلم لا أعرف أين تتجه القصة وما هو مصير الشخصيات، ولكني اكتشفت أن هذا هو الجانب الممتع. كنا نصور المشاهد ونحاول توقع ما يمكن حصوله. أي أننا وكما نقول بالعامية، نبني عالماشي. وفي البداية، لم نكن نعلم إن كنا نعمل على إنتاج فيلم أو مسلسل. لكن بعد الانتهاء من التصوير كاملا، وضحت الصورة أمامنا تماماً".
ويضيف باسل: "بداية التصوير كانت في الأيام الأولى لجائحة كورونا، وهو ما وضع عراقيل كثيرة حول إمكانية السفر، خصوصاً وأن الفترة الزمنية لتصوير هذه الرحلة طويل جداً. وحتى عندما قررنا التعامل مع فريق تصوير في البرازيل، كان من المهم التأكد أن اللحظات المهمة في حيوات الشبان يتم توثيقها. لكن أهم تحدي كنا نخشاه هو خوف الشباب من الكاميرا، والتي تجاوزوها سريعاً، وأصبحوا لا يخجلون أو يخشون الوقوف أمامها".
أن يترك شباب صغار أهلهم والمكان الذي اعتادوا عليه وعاشوا فيه، ليس بالأمر السهل على الإطلاق، ولعل تجربة تصويرهم في أفضل اللحظات وأكثرها سوءاً هو أيضا من التحديات التي واجهها فريق العمل، والتي يوجزها باسل بالقول: "مر الشباب بظروف صعبة خصوصاً في المخيم، وفي المسلسل، حاولنا قدر المستطاع، تقديم العمل من وجه نظرهم، والتركيز على الأمل الموجود لديهم. كانت المشاعر مختلطة، وعندما توجهوا إلى البرازيل، افتقدوا العائلة ولكنهم أصبحوا يساندون بعضهم البعض، وهذا جزء من رحلتهم".
من جهته، يقول حسين فخري "إن من أصعب التحديات التي واجهت المسلسل هو العمل ضمن المجهول، فلا أحد يعلم ما هو مصير الشباب الخمسة في البرازيل؛ هل سينجحون؟ هل سيفشلون؟ كان علينا الاعتماد على الحدس والشعور، فبالنسبة لنا النتيجة ليست مهمة بقدر القصة التي نرويها".
وبالنسبة لصناع الأفلام عموماً، عادة ما يكون التصوير مع الأطفال أو اليافعين هو الأصعب، وهو ما واجهه باسل وفريقه عند التصوير، إلا أن العلاقة القوية التي تطورت بينهم في هذه الرحلة، ومساندتهم لبعضهم البعض، والتشجيع الذي قدموه كان مؤشرا على أن هذا التحدي بالتحديد ليس عائقاً أمام استمرار تصوير المسلسل وعرضه في النهاية.
الفيلم عرضت بعض حلقاته في المخيم، وحضرته عائلات الشباب، وكان التأثر واضحاً على الجميع، ولكن في نفس الوقت كان هناك فرح وفخر بتمكن الشباب من الوصول إلى هذه المرحلة في حيواتهم. كما عرض المسلسل أيضا في أمسية في قطر بحضور الشباب الخمسة أنفسهم، الذين لم يتمكنوا من مغالبة دموعهم، خصوصاً عن رؤية عائلاتهم على الشاشة.
وعن الأثر الذي يطمح المسلسل بتحقيقه، يقول باسل: "الكثيرون قالوا إنه كان علينا في البداية عرض المعاناة والصعوبات التي يعيشها الشباب في المخيم، ولكن كان قراراً جماعياً منا التركيز على الأمل والحماس الموجود لديهم وهم يخوضون هذه الرحلة. وفي هذا المسلسل رسالة مهمة جدً وهي أن أي إنسان يحلم بتحقيق حلمه، ولكن قد لا تتحقق كلها، فالفكرة في المسلسل أن لكل شخص الحق في الحلم، والسعي لتحقيق هذا الحلم. لم نصنع مسلسلاً رومانسياً أو مسلسلاً كئيباً، ولكننا صنعنا عملاً واقعياً من وجهة نظر الشباب الخمسة".