هل مازال الوصول إلى مناعة القطيع ضد كوفيد-19 ممكنًا؟

علوم وصحة
نشر
8 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في مثل هذا الوقت من العام الماضي، طرحت لقاحات كوفيد-19 الجديدة والفعالة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مما أدى إلى ضخ جرعة قوية من التفاؤل في استجابة البلاد الوبائية التي كانت متعثرة في السابق.

وكان يصطف الملايين من الأشخاص يوميًا لأخذ جرعات اللقاح.

وبدلًا من متابعة عدد الإصابات والحالات داخل المستشفى والوفيات، كان هناك رقمًا جديدًا يتم رصده، أي النسبة المئوية للأمريكيين الذين تلقوا التطعيم ضد كوفيد-19، إذ كان يعتقد حينها أن هذا الرقم هو أفضل فرصة للتغلب على الفيروس.

وكانت الولايات المتحدة عالقة في حلم متمثل في الوصول إلى مناعة القطيع، وهي عتبة يمكن لعبورها أن يتيح حماية الأفراد المعرضين للخطر - بما في ذلك أولئك الذين لم يتلقوا التطعيم أو الذين لم يستجيبوا جيدًا للقاحات - لأن المجتمع سينسج شبكة أمان غير مرئية حول أولئك الأفراد.

مع مناعة القطيع، إذا أصيب شخص ما بفيروس، فإنه محاط بعدد كافٍ من الأشخاص المحصنين ضد العدوى بحيث لا يوجد مكان يذهب إليه الفيروس، لذا فإنه يفشل في الانتشار.

وكدولة، وصلت الولايات المتحدة إلى هذه النقطة ضد بعض الفيروسات الهائلة، مثل الحصبة، وكان هناك اعتقاد أنه يمكن الوصول إليها ضد كوفيد-19.

قال الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعاهد الوطنية للحساسية والأمراض المعدية، في مقابلة مع CNN إن "مفهوم مناعة القطيع الكلاسيكية قد لا ينطبق على كوفيد-19".

وأوضح فاوتشي، الذي شارك مؤخرًا في تأليف ورقة بحثية عن مناعة القطيع لمجلة الأمراض المعدية، أن هذا "يعني أننا لن نكون بدون سارس-كوف-2  لفترة طويلة من الزمن".

كيف تغلبت الولايات المتحدة على الحصبة

ويشير فاوتشي إلى الحصبة كدراسة حالة مثالية حول مناعة القطيع.

ينتشر فيروس الحصبة عن طريق الهواء مثل الفيروس المسبب لكوفيد-19، ويعد معديًا لدرجة أنه إذا كان لدى شخص واحد، فإن 9 من كل 10 أشخاص من حولهم سيصابون به إذا لم يكونوا محصنين ضده، وفقًا لمراكز مكافحة الأمراض.

وقدّر بعض الخبراء أن فيروسات أوميكرون معدية مثل الحصبة.

قضت الولايات المتحدة على انتقال مرض الحصبة ونجحت في منع انتشار الفيروس فيها بفضل ثلاثة عوامل: لقاح فعال للغاية ؛  فيروس لا يتغير أو يتحور بطرق مهمة بمرور الوقت ؛ وحملة تطعيم ناجحة للأطفال.

ولقاح الحصبة فعال بنسبة 97% في الوقاية من المرض، وفقًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. وبمجرد تلقيح الشخص، توصلت الدراسات إلى أن الحماية تدوم فعليًا طوال حياته.

وقد ساعد المستوى العالي من توزيع التطعيم، ومتانة اللقاح وفعاليته، والاستقرار النسبي للفيروس، الولايات المتحدة على منع تفشي المرض بشكل كبير لأكثر من 20 عامًا.

ومع ذلك، يجب أن تمتد مناعة القطيع إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة.

ووفي كل عام، يظهر عدد معين من الحالات عندما يجلبها المسافرون إلى البلاد، لكنها لم تستعد أبدًا موطئ قدم وتستمر في الانتشار، ذلك لأن هناك حماية على مستوى المجتمع ضدها.

وفي الولايات المتحدة، تنفد مناعة القطيع ضد الحصبة في أجزاء كثيرة من البلاد - وفي الواقع في جميع أنحاء العالم - بسبب التردد في أخذ اللقاحات.

وحذرت منظمة الصحة العالمية في عام 2019 من أن الحصبة يمكن أن تصبح وبائية مرة أخرى في جميع أنحاء العالم حيث يرفض المزيد من الناس تلقي الجرعات.

ولسوء الحظ، كوفيد-19 ليس مثل الحصبة 

وقال فاوتشي "الخبر السيئ الأول" هو أن الفيروس الذي يسبب كوفيد-19 يتغير كثيرًا وبطرق مهمة.

وأضاف: "لقد مررنا بالفعل على مدار عامين بخمس متحورات منفصلة ألفا وبيتا ودلتا وأوميكرون، والآن BA.2 من أوميكرون".

والخبر السيئ الثاني هو أن "هناك نقصًا في القبول الواسع للقاحات الآمنة والفعالة"، ببساطة، لم يتم تطعيم عدد كافٍ من الناس، حسبما ذكره فاوتشي.

وكلما كان الفيروس معديًا، زاد عدد الأشخاص متلقي التطعيم لمنعه من اختراق المجتمع، وفقًا للدكتور آدم كوتشارسكي، المدير المشارك لمركز التأهب والاستجابة للأوبئة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.

وفي مقابلة حديثة مع CNN، أوضح كوتشارسكي كيف يجب أن تتغير التوقعات حول مناعة القطيع عندما تصبح الفيروسات أكثر عدوى.

وقدّر كوتشارسكي أنه بالنسبة لفيروس معدي مثل متحور دلتا، ستحتاج نسبة 98% من السكان إلى التطعيم إذا كانت اللقاحات المتاحة يمكنها أن تمنع نسبة 85% من انتقال الفيروس.

وقال إنه إذا لم تمنع اللقاحات الانتقال إلى هذا الحد، فمن المحتمل ألا تكون مناعة القطيع ممكنة مع اللقاحات المتوفرة لدينا حاليًا.

وفي ورقة بحثية نُشرت في مايو/ أيار 2021 حول نفس الموضوع، أوضح كوتشارسكي وزملاؤه أن مناعة القطيع تعتمد أيضًا على مدى فعالية اللقاحات في منع انتقال الفيروس من شخص إلى آخر.

ويقال إن اللقاحات التي تمنع انتقال العدوى تنقل المناعة المعقمة، وهو مصطلح يعني أن الجهاز المناعي قادر على إيقاف العوامل الممرضة ، بما في ذلك الفيروسات، من التكاثر داخل الجسم.

وينتج لقاح الحصبة مناعة معقمة، لكن لقاحات كوفيد-19 لا تفعل.

وبينما يقلل التطعيم ضد كوفيد-19 من فرص نقل المرض إلى شخص آخر، أظهرت دراسات تتبع الحالات المخالطة أنه لا يزال يحدث. 

وإذا لم يتم تطعيم عدد كافٍ من الأشخاص - والذي يجب أن يكون جميع السكان تقريبًا بالنسبة للمتحورات شديدة العدوى - أو إذا لم توقف اللقاحات المتوفرة لدينا جميع حالات انتقال العدوى تقريبًا، فقد لا نتمكن من الوصول إلى مناعة القطيع ضد كوفيد-19  حتى حتى يطور معظم الناس مناعة بعد الإصابة بالعدوى، حسبما كتبه كوتشارسكي في المقال.

هناك عوامل أخرى يجب مراعاتها أيضًا ، مثل صمود المناعة مع مرور الوقت.

وقال فاوتشي: "ليس فقط المناعة التي يسببها اللقاح ليست مدى الحياة، ولكن المناعة التي تسببها العدوى لا تستمر مدى الحياة، مما يعني أننا سنحتاج إلى التعرض المتكرر إما للقاحات أو للعدوى للحفاظ على سرعة دفاعاتنا". 

ويرى باري بلوم، أستاذ فخري للصحة العامة بجامعة هارفارد، أن إحدى طرق تحقيق ذلك ستكون صنع لقاحات أفضل.

تعمل الشركات على لقاحات تستهدف مناطق أكثر استقرارًا من الفيروس، بما في ذلك جذع بروتين الشائك الذي يغطي سطح الفيروس، والذي لا يبدو أنه يتحور كثيرًا.

قد يخلق ذلك مناعة تدوم أكثر يمكنها أن تصمد أمام تغير شكل متحورات الفيروسات.

وهناك أيضًا لقاحات بخاخة للأنف واعدة قد تساعد في تطوير الأجسام المضادة في الأنف والحنجرة، والتي تأمل في تطوير المناعة في الأنسجة لخلق نوع من المناعة المعقمة التي تمنع انتقال العدوى.

ويقول بلوم إن الفيروس يتغير ليصبح أكثر عدوى بمرور الوقت، ولكنه لا يتسبب في مرض أكثر خطورة. وفي النهاية، يحتاج الفيروس إلى مضيف وسيكون من الأفضل بكثير أن يتطور الفيروس ليصبح معديًا بقدر الإمكان، ولكن ربما مع ميل أقل للتسبب في مرض خطير.

يعتقد بلوم أن هذا ربما يكون ما حدث لفيروسات كورونا التي تسبب الآن نزلات البرد، ويعتقد أنها ربما بدأت كحيوانات مفترسة شرسة لكنها تطورت بمرور الوقت لتصبح مجرد آفات، وبهذه الطريقة يمكنها أن تعيش ونعيش معها.