انتشار صامت لجدري القردة.. هل يدق جرس إنذار جائحة عالميًا؟

علوم وصحة
نشر
9 دقائق قراءة
الانتشار الصامت لجدري القردة هل يدق جرس إنذار جائحة عالميًا؟
Credit: CDC/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ما برح مرض جدري القردة ينتشر في الدول التي لم يستوطن فيها هذا الفيروس بالعادة، الأمر الذي يضع مسؤولو الصحة العالمية في حالة تأهب قصوى.

راهنًا، مع تحديد أكثر من 643 إصابة بجدري القردة في عشرات البلدان التي لا يستوطن فيها الفيروس، صرّح تيدروس أدهانوم غبريسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، أنّ "هذا الظهور المفاجئ لجدري القردة في العديد من الدول في الوقت نفسه يشير  إلى أنه ربما كان هناك انتقال غير مكتشف للعدوى منذ فترة".

وينتشر هذا الفيروس في دول تقع غرب ووسط إفريقيا منذ عشرات السنين. وفي بحث أولي نُشر هذا الأسبوع، وصف علماء في معهد علم الأحياء التطوري بجامعة إدنبرة كيف أنّ النمط الجيني الذي يرونه يوحي بأنه "كان هناك انتقال مستمر من إنسان لإنسان منذ عام 2017 في الحد الأدنى".

وأظهرت التسلسلات الجينية في هذا البحث، أن أولى حالات جدري القردة في عام 2022، ناتجة من انتشار للفيروس أدّى إلى ظهور إصابات في سنغافورة وإسرائيل ونيجيريا والمملكة المتحدة، في الفترة الممتدة بين 2017 و2019.

ورأى مايكل ووروبي، عالم الأحياء التطوري والأستاذ في جامعة أريزونا، غير المشارك في البحث، أن "هذا الانتشار للفيروس مستمر منذ فترة طويلة، محليًا"، كما هي الحال في الأماكن التي يستوطن فيها. وأضاف أن ذلك يعني أن العالم فشل في حماية من يعيشون في مناطق محدودة الموارد، حيث استوطن المرض، والسيطرة عليه في موطنه، قبل أن ينتشر عالميًا.

وأوضح ووروبي "أنّها في الحقيقة قصة تفشي موجتين"، لافتًا "أنّنا نحتاج في الواقع إلى تحويل انتباهنا إلى حيث كان ينتشر.. وإيلاء العناية لهؤلاء السكان، بقدر ما نهتم بما يحدث في كل دول العالم الأخرى".

إذا استمرت الأبحاث بإظهار أن الفيروس انتشر بين البشر أكثر مما كان يُعتقد سابقًا، وليس من الحيوان للإنسان، بحسب ووروبي، فإن أحد "الأسئلة الجيدة حقًا" هي، لماذا لم يعتقد العالم أن جدري القردة قد يكون متفشيًا في أماكن خارج غرب ووسط أفريقيا؟

تحديد تاريخ بداية انتشاره: مجهول

تدرس عالمة الأوبئة آن ريموين جدري القردة منذ نحو 20 سنة، وحذرت مرارًا من أنّ انتشاره في أماكن مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية يمكن أن يكون له تداعيات صحية عالمية أوسع.

وكانت ريموين، أستاذة علم الأوبئة بكلية UCLA Fielding للصحة العامة، حذّرت في مقال نُشر عام 2010 في Proceedings of the National Academy of Sciences من أنه"إذا استوطن جدري القردة في مجتمع للحياة البرية خارج إفريقيا، سيصعب عكس مسار انتكاسة الصحة العامة".

ويثبت التفشي الأخير لجدري القردة أنه من الصعب التنبؤ به، وذلك يعود في جزء منه إلى أننا لم نتمكن من تتبع أصوله بالكامل.

وأضافت ريموين: "حتى أنّنا لا نعلم متى بدأ في الانتشار.. ويرجح أنه كان ينتشر بصمت منذ فترة".

لم يُنظر إلى حالات الإصابة البشرية السابقة بجدري القردة بعيدًا من التعرض الأولي لحيوان مصاب، عادةً القوارض. فما أن ينتشر هذا الفيروس بين هذه الحيوانات، يمكنه الاستمرار بالانتقال إلى البشر.

وأوضحت ريموين لـCNN، أنه إذا شهدنا على انتقال مستدام لهذا الفيروس من شخص لآخر، ولو بمعدل منخفض، فإن ذلك يرجح انتقال العدوى مرة أخرى إلى الحيوانات في دول غير موبوءة من مصدر "تهديد وجودي إلى احتمال واضح". وهذا الواقع يسمح للفيروس بالبقاء في بيئة ما، والانتقال بين الحيوانات والبشر مع الوقت.

وأشارت ريموين إلى أنّنا "نعلم الكثير عن هذا الفيروس، لكننا لا نعلم كل شيء عنه"، لذا "سيتعين علينا دراسة هذا الواقع بعناية شديدة".

من السابق لأوانه.. تقديم التطمينات

صرّح مسؤولون في منظمة الصحة العالمية بأن مخاطر الصحة العامة العالمية لهذا الفيروس معتدلة.

حسب تقرير تقييم المخاطر الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية، الأحد، "يمكن أن تصبح مخاطر الصحة العامة عالية إذا استفاد الفيروس من الفرصة لإثبات نفسه كمسبب للأمراض البشرية، وانتشاره بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض الشديد، مثل الأطفال الصغار، والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة".

طلبت المنظمة "من الدول اتخاذ إجراءات فورية للحد من انتشار الفيروس بين المجموعات المعرضة للخطر، وبين عامة السكان، وتجنب اعتبار جدري القردة حالة سريرية ومشكلة صحية عامة في الدول غير الموبوءة حاليًا".

وخلال مؤتمر صحفي عقد الأسبوع الماضي، قال مسؤول بالمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC) إنه "من السابق لأوانه القول" إذا كان الفيروس يمكن أن يصبح مستوطنًا في الولايات المتحدة، لكن الخبراء ما زالوا "يأملون" بألا يحدث ذلك.

وقالت الدكتورة جينيفر ماكويستون، نائبة مدير قسم مسببات الأمراض وعلم الأمراض التابع لـCDC: "أعتقد أننا ما زلنا في الأيام الأولى من تحقيقاتنا".

وأشارت ماكويستون إلى أن الفيروس لم يستوطن بعد تفش مرض جدري القردة الأخير في الولايات المتحدة، عام 2003، عندما نقلت كلاب المروج الأليفة الفيروس إلى عشرات الأشخاص في ولايات عديدة.

وأضافت "نأمل أن نتمكن من احتوائه كما في السابق".

ويتوافق مركز السيطرة على الأمراض الأوروبي بتقييمه الخاص مع ماكويستون الأسبوع الماضي، مشيرًا إلى أنّ ما من دليل على أن الفيروس استقر في الحياة البرية بالولايات المتحدة بعدما شنّت السلطات "حملة عدوانية على الحيوانات المخالطة خلال تفشي المرض عام 2003".

وفقًا للوكالة الأوروبية، فإن "احتمال توسع انتشار هذا الفيروس ضئيل للغاية".

وقال الدكتور أميش أدالجا، الباحث الأول بمركز جونز هوبكنز للأمن الصحي في كلية بلومبيرغ للصحة العامة، إن هذا الفيروس لن يكون الأول الذي يستوطن مجموعة من الحيوانات الأمريكية.

قبل 1999، لم يكن فيروس غرب النيل معروفًا في الولايات المتحدة. الآن، هو السبب الرئيسي للأمراض التي ينقلها البعوض في البلاد.

يستبعد أن يحدث ذلك مع جدري القردة لأن "عام 2003 كان فرصة جيدة لحدوث ذلك"، ولم يتم.

ولفت ووروبي إلى أن "ما نكتشفه هنا، في الوقت الفعلي، هو أننا نعرف القليل جدًا عما يجري، وأعتقد أنه من السابق لأوانه تقديم تطمينات شاملة".

منظور مختلف

ليست البدايات الغامضة والانتشار الصامت لفيروس جدري القردة، ما يصعّب التنبؤ بانتشاره.

وأضافت ريموين: "إنه مجرد مشهد وبائي مختلف تمامًا".

وقالت: "ما نعرفه عن جدري القردة مصدره الأبرز دراسات أجريت في مجتمعات ريفية نائية للغاية وسط إفريقيا، حيث من المؤكد أن ديناميكيات انتقال العدوى مختلفة تمامًا"، لا سيما بالمقارنة مع "الأماكن عالية الموارد في أوروبا أو الولايات المتحدة".

ولفت مسؤول في منظمة الصحة العالمية الاثنين، إلى أنه رغم أنّ الوباء لم يعتبر مثيرًا للقلق بعد، فإن هذا لا يعني أن فئات معينة ليست عرضة للخطر.

وقالت روزاموند لويس، المسؤولة التقني عن جدري القردة في برنامج الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية: "راهنًا، لسنا قلقين من حدوث جائحة عالمية"، لافتة "أننا نشعر بالقلق من احتمال إصابة الأفراد بهذه العدوى من خلال التعرض لمخاطر عالية إذا لم يكن لديهم المعلومات التي يحتاجونها لحماية أنفسهم".

وتابعت: "نشعر بالقلق لأن سكان العالم ليسوا محصنين ضد فيروسات الأورثوبوكس منذ القضاء على الجدري، لذا قد يحاول الفيروس استغلال نقاط ضعف معينة والانتشار بسهولة أكبر بين الناس".

يمكن لعدد من الأسئلة الأخرى العالقة أيضًا تغيير فهمنا لمدى انتشار الفيروس بين الأشخاص. إذ من غير الواضح مثلًا مقدار الانتشار عندما يعاني الأشخاص من أعراض طفيفة، أو أثر الطفرات على الفيروس.

فيما يتعلق بهاتين النقطتين أجاب أدالجا بأنه ما من سبب يدعو للقلق حتى الآن، موضحًا أن الفيروس يتحور ببطء نسبيًا لأن جينومه يتكون من حمض نووي مزدوج الحلزون، وهو أكثر استقرارًا من الحمض النووي الريبي لفيروسات كورونا، على سبيل المثال.