بن ويدمان من خط الجبهة في الموصل: الانتصار قريب.. لكن بثمن

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
بن ويدمان من خط الجبهة في الموصل: الانتصار قريب.. لكن بثمن
Credit: AHMAD AL-RUBAYE/AFP/Getty Images)

بغداد، العراق (CNN)-- الفتى الصغير الذي يرتدي المعطف الأصفر يركض ويقفز وهو يمسح الغبار عن وجهه. في يده اليمنى قطعة قماش بيضاء تشير الى أنه وعائلته من المدنيين. والداه تعبان ومرهقان من مشقة ترك بيتهما في حي المشيرفة غرب الموصل، لكن ابنهما الصغير لا يستطيع كتم حماسه.

خلفه، يكافح عشرات من الأشخاص أثناء سيرهم على الطريق المغبرة الرياح العاتية وهم يطأطئون رؤوسهم. يحمل فتاً مراهق ببزة حمراء حزمة من الأمتعة على رأسه، وعلى جهته اليسرى تمشي أمه التي ترتدي العباءة الشرعية حاملة حزمة من الأمتعة على رأسها كابنها تماماً. ولكنها وبعد مسافة تقوم بخلع الخمار الذي يفرضه تنظيم داعش على النساء اللواتي يردن الخروج من بيوتهن.

03:17
جيش العراق يقترب من أول حي دخله داعش بالموصل: ستكون المعركة الأصعب!

قال رجال الشرطة العراقية إن خمسة آلاف مواطن يهربون يومياً من الموصل منذ الجمعة الماضية، أي بعد يوم من بدء القوات العراقية عملياتها التي أملت أن تكون الأخيرة لدفع داعش خارج المنطقة.

"الناس يموتون" هتف خلدة الملتحي والذي يحمل ابنه على يديه، ثم قال مجدداً "منذ أربعة أو خمسة أشهر والمكان فارغ...لا طعام ولا دواء."

من الصعب التكلم طويلاً مع الأشخاص الذين يهربون من الموصل لكونهم على عجلة من أمرهم وقد أرهقهم المشي لساعات.

نفد صبر ابن خالدة الصغير الذي يحمل علبة عصير بيد والبسكويت بالأخرى، فمشت زوجة خالدة أمامه وهي تطلب منه متابعة السير.

"لينقذنا الله من تلك العصابة النتنة..... لقد دمروا كل ما يعني "حياة"... لقد دمروا العلم والثقافة... لم تبق مدرسة ولا عمل لكسب قوت اليوم.” هذا ما قاله لي أبو حسين صاحب الصوت الأجش واللحية الرمادية المغطاة بالغبار البرتقالي.

لم تتربص الرياح المغبرة بنوم الطفلة مريم صاحبة الثلاثة أعوام.

 "لا تقلق فهي بخير" قال لي عمها المبتسم، والفَرِح لخروجه من المدينة. العم رفض الإفصاح عن اسمه كالكثيرين لخوفهم على أرواح أهلهم العالقين في الموصل. "هي من عائلة ميسورة، لهذا لم تذق سابقا طعم العناء." قال عمها الذي وصف الموصل تحت سلطة داعش بـ"الموت الأحمر."

في هذه الأثناء كانت أصداء أصوات الحرب مسموعة أثناء قيام المروحيات بقصف

 

المدينة باستخدام الصواريخ، كما ترددت أصوات الأسلحة النارية.

حمل عدد من الجنود العراقيين العزل الأطفال الذين أتعبهم السفر، كما قام البعض بتقبيلهم وضمهم. صرخ أحد الفارين من المدينة بالجنود قائلاً "دمرونا"، بإشارة منه إلى داعش.

لكن ليس الجميع سعداء، فقد صرخ رجل آخر بالجنود قائلاً "دمرتمونا بالقصف”.

القصف شديد حقاً، فقد شاهدنا الدخان الأسود يتصاعد من بيوت حي المشيرفة شمال غربي الموصل أثناء وقوفنا على شرفة أحد المباني المطلة على المنطقة. كما أننا رأينا المدرعات تدخل منطقة فارغة في دفعات متتالية أثناء قيام الطائرات بالتحليق في دورات جوية.

"لا يوجد سكان في تلك المنطقة" قال لي الرائد مصطفى العزاوي أثناء إصدار الأوامر للرجال عبر اللاسلكي.

أقوم باستعارة منظار أحد الجنود لإلقاء نظرة عن كثب، وحين أدقق النظر، أرى نيراناً مشتعلة وسحابة من الدخان المتصاعد من الحي الذي يبعد 400 متر عن موقعنا. هي مركبة تحمل جهازاً متفجراً.

العربات المفخخة هي الأجهزة التي يفضلها تنظيم داعش، ولكن الجيش العراقي طبعا لا يستخدم أسلحة مماثلة "إذا رأيت مركبة، افترض أنها مفخخة واضربها" صرخ الرائد العزاوي على اللاسلكي.

في الليلة الماضية، قال لي الفريق الركن قاسم نزال، قائد الفرقة المدرعة التاسعة في الجيش العراقي، إنه أثناء الـ72 ساعة الأولى من العملية، قام داعش بإرسال 20 مركبة مفخخة ولكن معظمها لم يستطيع الوصول إلى القوات العراقية، لكون مجموعة من الضباط العراقيين والمستشارين الأمريكيين الجالسين على الأرائك حول تلفاز كبير يقومون بتوجيه الطائرات بدون طيار للكشف عن أي شيء مشبوه في المنطقة.

يركز المقدم جيم برونيج، القيادي في الوحدة 82 المنقولة جوا بالجيش الأمريكي على التلفاز، حاملاً بيده الهاتف.

العقيد موجود في العراق منذ بداية السنة وكان جزءا من المعركة لتحرير شرقي الموصل وهو منشغل الآن بالجهة الغربية من المنطقة.

"منذ بداية العام، أصبح هناك تغيرات مهمة في طريقة تعامل الولايات المتحدة وقوات التحالف مع القصف" قال العقيد برونيج. "ففي الماضي، قبل إطلاق الصواريخ، كان يجب المرور بأعلى سلسلة القيادة للموافقة قبل القصف." وكان هذا الأمر يستهلك وقتاً كبيراً، كما أنه كان محبطاً للقوات على الأرض.

كنت واقفاً على تلة مع القوات الكردية في فبراير/شباط 2015، ولم يكن القائد سعيدا. "عندما نرى هدفاً، مثل سيارة داعش، نقوم بالاتصال بقوات الائتلاف لقصف الهدف. أما مع الأمريكيين فعلى الطلب أن يذهب الى المحامي وكل كبار القادة. وفي أثناء اتخاذ القرار يكون الهدف قد ذهب."

”ولكن كل هذا تغيّر “قال القائد برونيغ، "كل ما يتطلبه الأمر هو أن أرى الهدف مع شريكي العراقي، لنتوصل الى نتيجة.. نعم هذا هو العدو، دعونا نقصف الآن وبسرعة."

مسبقاً في هذا الشهر، قال رئيس أركان الجيش العراقي، الفريق أول ركن عثمان الغانمي، أنه توقع أن يستغرق الهجوم الأخير على تنظيم داعش ثلاثة أسابيع فقط.

هذا محتمل، ولكن عملية التنبؤ في حرب كهذه لا تخلو من خطورة، ففي الصيف الماضي قال لي وزير الدفاع السابق خالد العبيدي بابتسامة مليئة بالثقة أن الموصل ستتحرر في آخر عام 2016.

كلما تقترب من خطوط التماس، كلما كان الناس أكثر حذراً.

عندما أسأل الفريق الركن قاسم نزال متى سيستطيع العراق إعلان الانتصار في الموصل، يتنهد اللواء ويقول "الجداول الزمنية في الحروب التقليدية ممكنة، ولكن حرب العصابات هذه مع الأعداء المدربين الذين يستخدمون القناصين، والفخاخ المتفجرة والقنابل تبقى غير متوقعة."

إن عدنا إلى المقدمة، فالمعنى واضح جداً. في أثناء تصويرنا للقتال، تدخل قذائف الهاون إلى المنطقة وتسقط قربنا. نجري إلى الخلف باتجاه مواقع المراقبة العراقية لنجد 6 جنود على الأرض، حيث يقوم مجموعة من الأطباء المتطوعين العراقيين والأجانب بمعالجة جروحهم. في ذلك الحين يتأوه جندي شاب من الألم.

المزيد من القنابل تتفجر بقربنا. ”الجأ للاحتماء في هذا المنزل!“ يصرخ أحدهم

هنا نستطيع رؤية الانتصار، ولكنها لن تكون مهمة سهلة.