مقال بقلم سحر عزيز، أستاذة مشاركة في كلية القانون بجامعة "تكساس إي أند أم"، وزميلة غير مقيمة سابقة بمركز بروكنجز الدوحة. وهي مؤلفة "إعادة التفكير في مكافحة الإرهاب في عصر داعش". الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- لا يجد دونالد ترامب أي مشكلة في مناقضة نفسه ليحصل على ما يريد، فصفقة الأسلحة بقيمة 110 مليارات دولار التي أرادها في المملكة العربية السعودية، لم تكن لتعزيز السلام والتسامح كما أعلن في خطابه لاحقاً. ونتيجة لأسلوب "الواقعية المبدأية" الذي يعتمده في حكمه، يمكننا أن نتوقع المزيد من التناقضات بين خطابه وأفعاله. ومن هذه التناقضات ما يجعلنا نتنبأ بمستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وطريقة التعاطي مع المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية.
خطاب ترامب لن يتذكره الناس على أنه "بداية للسلام" في الشرق الأوسط كما قال هو، وإنما سيرون فيه إذكاء لنار الحرب المضطرمة فيه، كما أن الخطاب لن يضع حدا للإسلاموفوبيا التي عززها ترامب بخطاباته طوال العامين الماضيين، ففي نهاية المطاف يحتاج الرئيس الأمريكي إلى كبش فداء لتقديمه عند وصول الإرهاب الحتمي من الشرق الأوسط إلى أمريكا.
هناك متناقضات رئيسية تستحق المتابعة من أجل معرفة ما تخبئه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، إلى جانب ما يجب توقعه بالنسبة لمعاملة المسلمين في الولايات المتحدة.
أولا، ترامب يبشر بالسلام والازدهار في خطابه، ومن ثم يبيع الأسلحة للسعودية، ما سيشجع على إذكاء الحرب. فالإرهاب في الشرق الأوسط بالنسبة إليه ليس سوى فرصة استثمارية لدر الأموال على بلاده. وبالتالي ليس من المتوقع أن تبذل إدارة ترامب أي مساع جدية لخفض الإرهاب في الشرق الأوسط، وإنما أن تركز الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب على حصر العنف ضمن الشرق الأوسط ومنعه من تجاوز الأطلسي.
هذا يقودنا إلى تناقض جديد لدى ترامب، بين تعمده في خطابه إلى السعوديين الحديث عن فصل الإسلام عن الإرهاب، وبين خطابه الذي يتوجه به منذ عامين إلى الأمريكيين، والذي يؤجج الاسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، ويشجع مناصريه على التمييز العنصري ضد المسلمين وعلى مهاجمتهم. الخطاب المتصاعد ضد المسلمين قد يمنح إدارة ترامب حرية اتخاذ إجراءات تتجاوز العادة في استهداف المسلمين بعمليات المراقبة ومكافحة الإرهاب والملاحقة.
ثالثا، حاول ترامب أن يبدو متعاطفاً مع المسلمين حين قال "إن مشهد الدمار والرعب الذي نراه في المنطقة لا يتضمن أي إشارات عما إذا كان الضحايا يهوداً أو مسيحيين، أو شيعة أو سنة" ولكنه في الوقت نفسه يمارس سياسة داخلية تميز بوضوح ضد المسلمين، حيث منع في أول قرار له ملايين الأشخاص من الدول ذات الغالبية المسلمة من الدخول بشكل شرعي إلى الولايات المتحدة. كما أنه خلال خطاباته المحذرة من الارهاب الاسلامي، لم يعترف يوماً بما يعاني منه المسلمون في الولايات المتحدة من المضايقات وجرائم الكراهية وتخريب الجوامع.
وبالتالي، يجب أن نتوقع مواصلة استخدام مصطلحات مثل "الإرهاب الإسلامي المتطرف" في خطابات ترامب للجمهور الأمريكي وكذلك يجب أن نتوقع ارتفاعا كبيرا في العنف وتزايدا بنشاطات المليشيات اليمينية المتطرفة.
هذه التناقضات، وإن بدت بغيضة للمواطنين في الشرق الأوسط وأمريكا فإنها ليست كذلك بالنسبة لأصحاب السلطة في الشرق الأوسط، الذين يرون في ترامب شخصية ديماغوجية تشبههم ومستعدة لفعل أي شيء لتصل إلى هدفها. وهذا الهدف لا علاقة له التأكيد بالسلام والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط.