فريدا غيتس تكتب: قطر لعبت دوراً مزدوجاً.. وعليها الآن الاختيار

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
فريدا غيتس تكتب: قطر لعبت دوراً مزدوجاً.. وعليها الآن الاختيار
Credit: FAYEZ NURELDINE/AFP/Getty Images

مقال رأي لفريدا غيتس، كاتبة في الشؤون العالمية لمجلة The Miami Herald and World Politics، وصحفية سابقة في CNN. الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي كاتبتها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

(CNN)-- في الشرق الأوسط المضطرب، يبدو أنه لا يوجد حد لعدد الصراعات التي يمكن أن تحدث في آن واحد. إذ في صباح الأربعاء، شهد سكان طهران سلسلة من الهجمات المنسقة، حيث لقى ما لا يقل عن 12 شخصاً مصرعهم على يد مسلحين، واعتدى انتحاري على مبنى البرلمان والضريح الذي كان يؤوي قبر مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله خميني. وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجمات بسرعة.

ويأتي هجوم طهران في الوقت الذي تحتد فيه معركة سياسية أخرى في الخليج الغني بالنفط. إيران ليست متورطة بشكل مباشر، لكن طهران هي أحد الأسباب التي أدت إلى اندلاع إحدى أشد الصراعات السياسية التي دفعت بالعرب في الخليج للصراع فيما بينهم.

وفي مركز الأزمة السياسية الخطيرة تقف قطر، التي يتهمها جيرانها العرب بجميع أشكال الأفعال السيئة - بما في ذلك دعم الإرهاب - وهي تواجه الآن عقوبات جسيمة. وتنفي قطر هذه الاتهامات.

ولعبت قطر دوراً مزدوجاً - عبر المساعدة في مكافحة الإرهاب من جهة، في حين دعمت الجماعات ذات الأيديولوجية المتطرفة من جهة أخرى. ولكن يجب على قطر الآن أن تقرر أين تقف.

وسيتعين على الولايات المتحدة أن تعالج مسألة مماثلة. وفي حين أن تغريدات الرئيس دونالد ترامب تشير إلى دعمه لعزلة قطر المفاجئة، إلا أن الأصوات المنضبطة والدبلوماسية في وزارة الخارجية والبنتاغون تشير إلى خلاف ذلك. لكن واشنطن تحتاج إلى التحدث بصوت موّحد. فالأصوات المتناقضة داخل الإدارة لا تبعث برسائل مربكة فحسب، بل تسلط الضوء على صورة من الفوضى في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ولكي نكون واضحين، فإن الاضطراب القطري يثير قلقاً عميقاً للولايات المتحدة. إذ يُذكر أن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وتعتبر حليفاً هاماً في الحرب ضد الإرهاب. وستكون لنتائج الأزمة آثار كبيرة على الولايات المتحدة والشرق الأوسط والحملة العالمية ضد التطرف.

فكيف تكشفت هذه الدراما؟

بعد وقت قصير من مغادرة ترامب ذكرت وكالة الأنباء القطرية أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ألقى خطاباً اتهم فيه جيرانه بشن حملة تشويه تحاول رسم قطر كداعمة للإرهاب. وفي كلمته، دافع الأمير عن دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين وحماس وحزب الله، فضلاً عن علاقات الدولة الطيبة مع إيران وحتى صلاتها بإسرائيل.

كانت ردود الفعل بين جيران قطر فورية وغاضبة. لكن قطر تصرفت بسرعة أيضاً. إذ في غضون دقائق، أزال المسؤولون قصة وكالة الأنباء القطرية، قائلين إن الموقع تعرض للاختراق وأن التقرير كان مزيفاً.

وذكرت شبكة CNN أن محققين أمريكيين يعتقدون أن قراصنة روسيا استهدفوا وكالة الأنباء القطرية. وإذا أرادت روسيا خلق خلافات بين حلفاء أمريكا، يبدو أن الخطة تنجح.

ورغم التصريحات الحازمة للمسؤولين القطريين بأن الخطاب المسيء لم يحدث قط، فإن جيران قطر، بقيادة المملكة العربية السعودية، رفضوا التفسير.

وقد قطعت تسع دول عربية علاقاتها مع الدوحة. وأغلقت المملكة العربية السعودية الحدود البرية الوحيدة لدولة قطر. وقد تم تعليق جميع الروابط البحرية والجوية، وأمر المواطنين القطريين بمغادرة السعودية والإمارات والبحرين. وتحاول الكويت التوسط، لكن التوتر لا يزال محتدماً.

هناك سبب لذلك.

إن مضمون الخطاب الذي تقول قطر إنه لم يحدث أبداً، يعكس سجل سياسات قطر الخارجية. من الدوحة، قضى حكام قطر سنوات بتنفيذ سياسات غالباً ما تخالف سياسات دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة.

وقد عملت قطر منذ فترة طويلة باستقلال، واستفادت من ثروتها الضخمة من صادرات الغاز الطبيعي لتتخطى وزنها في حلبات المصارعة العالمية.

وقد حاولت الإمارة أن تلعب على كلا الجانبين في العديد من صراعات المنطقة. خلال الربيع العربي، أصبحت داعماً قوياً لأحزاب الإخوان المسلمين التي اجتاحت السلطة في الأيام الأولى من الانتفاضات، معطية حكومة محمد مرسي في مصر مليارات الدولارات، حتى رغم نظرة دول مجلس التعاون الخليجي بأن نهوض جماعة الإخوان للسلطة كان يشكل تهديداً.

أصبحت شبكة الجزيرة القطرية إحدى وسائل السياسة الخارجية للإمارة، حيث بثت رسائل من أسامة بن لادن، يبدو أنها تثير المشاعر الثورية وسلمت الميكروفون بانتظام إلى النقاد الإسلاميين لدول الخليج، فضلاً عن شخصيات مناهضة للولايات المتحدة ومعادية للسامية.

إلا أن قطر حافظت على علاقات طيبة مع واشنطن واستضافت القاعدة الأمريكية الضخمة حيث يُطلق 11 ألف جندي أمريكي وقوات التحالف عمليات عسكرية ضد أهداف في سوريا والعراق وأفغانستان.

ومع ذلك، فإن ما قد يكون أكثر إزعاجا للمملكة العربية السعودية وحلفائها اليوم هو علاقات الدوحة مع طهران في وقت تكون فيه العداوة بين إيران وعرب الخليج أكبر من أي وقت مضى.

ومع اندلاع الصراع، سعت واشنطن لتهدئة المياه. ودعا وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، الجانبين إلى تسوية خلافاتهما. وأشاد البنتاغون بقطر باعتبارها حليفاً حيوياً للولايات المتحدة وثمّن "التزامها الدائم بالأمن الإقليمي."

ولكن بعد ذلك بدأ ترامب بالتغريد، معارضاً بشكل مباشر ما بدا أنها سياسة أمريكية. إذ بدا وكأنه يُشيد بالعقوبات ويزعم لنفسه الفضل، قائلاً إن زيارته للسعودية كانت "تؤتي ثمارها"، وذاكراً أنه عندما حث على وقف تمويل الأيدولوجية المتطرفة، "أشار القادة إلى قطر – انظر!"

وعندما علم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، بتغريدات ترامب، بدا مصعوقاً.

ثم أعادت سفيرة الولايات المتحدة في قطر، دانا شل سميث، نشر رسالة سابقة من أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، مشيرة إلى ثناء وزارة الخارجية على "التقدم الحقيقي الذي أحرزته قطر في مكافحة تمويل الإرهاب."

الإرهاب والمعارك الدبلوماسية والحرب الصريحة تجتاح المنطقة بالفعل. إن نتيجة أزمة قطر يمكن أن تتحكم بالتوازن فيما يتعلق بإيران وداعش، وستؤثر على الأمن الأمريكي والعالمي لسنوات قادمة.

وقد تتفاقم الأزمة. الآن تركيا، حليفة للناتو، تقول إنها يمكن أن تنشر قوات إلى قطر لدعم الإمارة. ومن شأن ذلك أن يعقد الوضع أكثر بالنسبة للولايات المتحدة، مما يضع حلفاء إضافيين على خلاف مع بعضهم.

لكن رد فعل أمريكا على الأزمة يُظهر تهديداً آخر أكبر لأمن الولايات المتحدة - وهو عدم وجود موقف متماسك إزاء أزمات السياسة الخارجية. ليس فقط حلفاء أمريكا المزعومين منقسمين، ولكن يبدو كما لو كان البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية أيضاً يقفون بجهات مختلفة.

ومع ذلك، قد يكون هناك بصيص من الأمل. إذ تحدث ترامب، الأربعاء، مع أمير قطر حول إيجاد حل للأزمة الدبلوماسية. وعقب هذه المحادثة، أصدرت الحكومة القطرية تصريحاً لشبكة CNN قالت فيه إن الرئيس "أعرب عن استعداده لإيجاد حل.. وأكد حرصه على أن يظل الخليج مستقراً."