رأي: بين أزمة قطر وهجمات إرهابية في إيران.. غليان الشرق الأوسط يهدد أهداف ترامب فيه

الشرق الأوسط
نشر
10 دقائق قراءة
رأي: بين أزمة قطر وهجمات إرهابية في إيران.. غليان الشرق الأوسط يهدد أهداف ترامب فيه
Credit: MANDEL NGAN/AFP/Getty Images

مقال بقلم آرون ديفيد ميلر، نائب رئيس وعالم بارز في مركز "وودرو ويلسون" الدولي للباحثين ومؤلف كتاب "نهاية العظمة: لماذا لا تستطيع أمريكا (ولا تريد) رئيسا عظيما آخر." وكان ميلر مفاوضاً في شؤون الشرق الأوسط في الحزبين الجمهوري والديمقراطي. يشترك في كتابة المقال جيسون م. برودسكي وهو مدير السياسة في مؤسسة "متحدون ضد إيران النووية". المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتبين ولا يعكس بالضرورة رأيCNN.

(CNN)-- إن الخلاف المتزايد بين دول مجلس التعاون الخليجي والتحالف الإقليمي الذي تقوده السعودية وعزل قطر والهجمات الإرهابية في إيران يمثل "شراب الساحرة للمشاكل" بالنسبة للسياسة الأمريكية في الخليج وتحقيق أهداف إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في المنطقة.

من السابق لأوانه التنبؤ بما إذا كانت هذه الأحداث ستعيد تشكيل السياسة العربية أو موازين القوى. ولكن إليك بعض الاستنتاجات الرئيسية:

حتى إيران ليست بمنأى عن الإرهاب

إذا كان ادعاء "داعش" بمسؤوليته عن الهجمات التي شهدتها طهران صحيحاً، فستكون تلك أول عملية كبرى له داخل إيران. وقبل فوضى صباح الأربعاء في البرلمان الإيراني وفي ضريح آية الله الخميني، مؤسس الثورة الإسلامية الإيرانية، وصفت طهران نفسها بشكل روتيني بأنها جزيرة استقرار في بحر من الاضطراب. ومع زعزعة استقرار الدول الإقليمية بعد الربيع العربي - العراق وسوريا واليمن - وضعت إيران نفسها كوزن ثقيل إسلامي لا ينبغي تجاهله.

ولا يزال سؤال ما إذا كان الهجوم المزعوم لتنظيم داعش سيفتح سبيلاً للتعاون مع واشنطن مطروحاً على الطاولة.

وحتى وقت متأخر من الشهر الماضي، أعلن وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أن دولته "تستمد الاستقرار ليس عبر التحالفات وإنما من شعبها – والذي على عكس الكثير من الشعوب الأخرى – يقومون بالتصويت." ولكن منذ سنوات، نُبذ السُنّة الذين يعيشون في إيران الشيعية، بشكل رسمي وغير رسمي.

على سبيل المثال، لا يُسمح للسنة بالترشح للرئاسة في إيران بموجب المادة 115 من دستورها، ورغم أن المادة 12 تنص على أن "الطوائف الأخرى في الإسلام يجب أن تمنح الاحترام الكامل،" يبقى الشكل الرئيسي والمهيمن للإسلام هو المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري.

والتمييز موجود بأشكال أخرى. على سبيل المثال، تشير التقارير الإخبارية إلى أنه في المدن الكبرى في إيران، يُحظر على السنّة بناء مساجد خاصة بهم، وأن مساحات الصلاة السنية غير الرسمية تدمر بشكل روتيني.

وبالمثل، ووفقا للحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران، اعتقل المسؤولون 20 عربياً إيرانياً في 26 فبراير/ شباط 2014، للتحول من المذهب الشيعي إلى السني. كما هو الحال في العراق، مع قمع الأقلية السنية، فإن هذا النشاط يغذي الاغتراب ويؤدي إلى دائرة انتخابية خصبة للتطرف من قبل جماعات مثل داعش، والتي استفادت من هذه الديناميكية، وأصدرت أول فيديو لها بالفارسية في مارس/ آذار الماضي بهدف "الدفاع عن كرامتهم واستعادة الكبرياء الذي سلبته السلطات الشيعية الإيرانية."

ستتخذ إيران نهجاً أكثر صرامة

إن هجمات داعش والخلاف الذي تزداد حدته مع السعودية لن يؤدي إلا إلى تعميق الاتجاه المتسارع نحو سياسات متشددة حتى رغم أن بعض المراقبين رأوا أن إعادة انتخاب حسن روحاني للرئاسة يُعد انتصاراً للاعتدال على التطرف. وكان الأمل هو أن يستفيد روحاني من شعبيته لتنفيذ الإصلاحات، ولا سيما في الجوانب غير النووية لسلوك طهران الإشكالي، أي التدخل في الشؤون الإقليمية والإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان. هذا ليس مرجحاً الآن.

فقط تأمل بتصريح الحرس الثوري الإسلامي بعد الهجوم الإرهابي:"وقوع هذا الاعتداء الإرهابي بعد أسبوع على الاجتماع الذي عقده الرئيس الأمريكي مع قادة الدول الرجعية في المنطقة والتي مازالت مستمرة في دعمها للإرهاب التكفيري له معان كبيرة، كما أن تبني داعش مسؤولية هذا الاعتداء يوضح دور هؤلاء في هذا العمل الشنيع."

اتهام الولايات المتحدة بالإرهاب يُضعف مباشرة أي محاولة للحوار من قبل روحاني لتخفيف العقوبات، ويُضعف وضعه في ميدان ألعاب القوى في طهران.

روسيا تكسب

مع التقارير التي تفيد بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي يشتبه بأن القراصنة الروس كانوا وراء نشر الأخبار المزيفة التي نُشرت على موقع وكالة الأنباء القطرية، فإن هذا التحرك الإلكتروني يمثل محاولة أخرى من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتقويض تحالفات أمريكا حول العالم - أولاً حلف الشمال الأطلسي (ناتو) والآن الشرق. وبالنسبة لروسيا، فإن تقويض وحدة دول مجلس التعاون الخليجي يعمل لصالحها في مجموعة متنوعة من المسارح، وخاصة سوريا. ويؤدي ضعف العلاقات بين قطر والجهات الفاعلة الرئيسية في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، إلى إضعاف التحالف العالمي ضد "داعش" - وجميعهم أعضاء فيه باستثناء روسيا.

ويؤيد الكرملين نظام بشار الأسد السوري بمساعدة إيران، ويستفيد محور طهران وموسكو من هذا الانقسام، ولا سيما احتمال جذب واشنطن بعيداً عن قاعدتها الجوية الجديدة التي تضم أكثر من 10 آلاف أميركي وتزيد من قدرة الولايات المتحدة والشركاء على تنفيذ الضربات في سوريا.

وحدة دول مجلس التعاون الخليجي؟

إن تصعيد التوترات بين قطر ودول الخليج الرئيسية ليس جديداً وليس قابلاً للإصلاح بشكل كامل. والواقع أنه نظراً لإغلاق الحدود البرية لدولة قطر وقطع الطرق الجوية الحيوية، سيتعين على القطريين تقديم تنازلات كبيرة ما لم يكونوا مستعدين لخطر الإضعاف الشديد لاقتصادهم. ورغم ذلك، ما لم يكن السعوديون والإماراتيون على استعداد لإطلاق انقلاب واستبدال آل ثاني، الأسرة الحاكمة، أياً كان ما ستنجح الدبلوماسية في إصلاحه سيكون مؤقتاً.

في جوهرها، هذه الأزمة ليست سوى معركة إرادة حول قدرة قطر على أن تكون فاعلاً مستقلاً في منطقة الخليج وفي المنطقة بأسرها حول مجموعة من القضايا الهامة، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين قطر وإيران، وحقها في انتقاد جيرانها علانية، واتجاهاتها الاستفزازية لدعم مجموعة من الجماعات الإسلامية من حماس إلى فروع تابعة للقاعدة.

تبدو قطر عازمة على اتباع مسارها الخاص واختيار حلفائها وخصومها. وأدى اختيار واحد - علاقتها مع الولايات المتحدة - إلى اتفاق لاستضافة القاعدة الجوية الاستراتيجية في العديد، وأعطى القطريين نفوذاً كبيراً مع واشنطن.

وهناك خيارات أخرى لدعم القوى الإسلامية التي تسعى إلى الإطاحة بالنظامين في مصر وتونس ودعم مجموعة متنوعة من الجماعات المتطرفة في سوريا مما جعلها تتعارض مع جيرانها الأكثر تحفظاً، والذين رأوا التحديات الإسلامية خلال الربيع العربي على أنها تهديدات ضد حكمهم.

ومما يثير السخرية، هو أن وحدة مجلس التعاون الخليجي تبدو الآن هشة أكثر من أي وقت مضى، ولا سيما في أعقاب زيارة الرئيس ترامب إلى المملكة العربية السعودية، وهالة الوحدة والتضافر التي بدا أنها تُكلل اجتماعاته هناك.

تقويض أهداف ترامب في الشرق الأوسط

فكرة أن أي إدارة ستكون قادرة على إنجاح مواءمة قوية وفعالة بين الدول العربية السنية التي ستجتمع بطريقة تخدم أهداف السياسة الأمريكية كانت دائماً هدفاً بعيد المنال. جزء من المشكلة هو المشاحنات في العلاقات بين الدول العربية، وجزء آخر هو جداول أعمالهما المختلفة، وجزء آخر هو الخلافات الحقيقية جداً بين واشنطن والعالم العربي حول مختلف القضايا من إيران والسلام العربي الإسرائيلي إلى سوريا.

ويبدو أن ظهور إدارة ترامب، وخاصة نهجها الأكثر صرامة نحو إيران والإسلاميين، يتيح فرصة لإصلاح العلاقات مع الخليج، وحشد تأييد دوله لتنفيذ أهداف ترامب الثلاثة الأساسية في الشرق الأوسط: تدمير داعش، والحد من نفوذ إيران وتحقيق السلام الإسرائيلي-الفلسطيني.

دعم ترامب القوي للمملكة العربية السعودية لم يخلق هذه الأزمة مع قطر، ولكن من المرجح أنه جعل السعوديين أكثر جرأة لاتخاذ إجراءات الآن. من الصعب أن نرى نهاية سعيدة لأي من هذا. إذا حاولت الولايات المتحدة التوسط، من المرجح أنها ستفشل. إذا لم تتوسط، سيُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها مهمشة. وإذا اختارت أمريكا، كما فعل الرئيس على تويتر، دعم السعوديين، فإنها ستجد نفسها في وسط صدع من شأنه أن يُضعف دول مجلس التعاون الخليجي.

في الواقع، سيتعلم ترامب درساً هاماً حول الشرق الأوسط: القوى العظمى تتدخل في شؤون القبائل المحلية على مسؤوليتها الخاصة.